10 سنوات من الثورة: تونس أفضل رغم كل شيء

16 يناير 2021
يطالب التونسيون بتعويضات لضحايا الثورة وجرحاها (الأناضول)
+ الخط -

مرّت الذكرى العاشرة للثورة التونسية في أجواء غير احتفالية، بسبب إعلان الحكومة الحجر الصحّي الشامل، جرّاء ارتفاع نسبة الإصابات بوباء كورونا. واتسمت هذه الذكرى بمسحة ثقيلة من التشاؤم عكستها استطلاعات الرأي، وأبرزتها تعليقات المواطنين الذين انتقدوا بشدة الطبقة السياسية، وحمّلوها مسؤوليات الفشل الذي أصاب عدداً واسعاً من القطاعات الحيوية. وعلى الرغم من كل ذلك، لا يزال هناك أمل في أن تكون تونس الغد أفضل، حسب ما اعتبرت الكتب العديدة الصادرة في هذا السياق، وتضمنت تشريحاً وتحليلاً ونقداً لتجربة قصيرة نسبياً.


انقسم المثقفون التونسيون حول نجاح الثورة في عقدها الأول

هل عشر سنوات كافية لتقييم ثورة؟ انقسم المثقفون التونسيون في إجاباتهم عن هذا السؤال، فهناك من ذهب إلى وصف هذه الفترة بـ"الكارثية"، وأن المهلة كافية للحكم على الثورة بالفشل الذريع. مع العلم أن موقف الكثير من هؤلاء ليس جديداً، إذ لم ينتظروا الأخطاء الفادحة التي حصلت للحكم على الثورة، بل استغلوا ما حصل لإثبات وجهة نظرهم، لجهة المطالبة بالعودة إلى "الماضي المفقود"، الذي كانوا يتمتعون خلاله بمكاسب عديدة، قبل أن تسحبها الثورة منهم. لكن كفة هؤلاء تعززت نسبياً بعد تصاريح أخيرة لبعض السياسيين، ومنهم نجيب الشابي، الذي صدم الكثيرين بتصريح غير متوقع له، حين اعتذر من الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وقال: "مرة أخرى سوف أتهور وأعتذر منه". وقد سبق للشابي أن ذكر في تدوينة له على "فيسبوك" بعد وفاة بن علي (19 سبتمبر/أيلول 2019): "عارضتك بشجاعة وشرف طيلة حكمك، من أجل احترام حقوق الإنسان وإصلاح النظام السياسي وإشراك النخب في رسم الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. وبنفس الشجاعة التي عارضتك بها طيلة عقدين من الزمن، أنحني اليوم أمام روحك وأشهد أنك كنت وطنياً مخلصاً، صرفت العمر في خدمة تونس لا غير".

في المقابل، يدافع أنصار الثورة عنها، ومن هؤلاء أحد مراجع القانون الدستوري في تونس عياض بن عاشور، الذي أكد أن ما حدث في تونس "ليس انتفاضة، وليس حركة احتجاجية، بل ثورة مكتملة الشروط". لكنهم يقرّون بأن الدفاع عنها لم يعد سهلاً، وأن حجّتهم أصبحت ضعيفة أمام وضع صعب ومعقد، في ظلّ انقسامهم واتهامهم بعضهم بعضاً بسرقة الثورة، وتجييرها لصالح أطراف محددة. ومع أن الحرية اعتُبرت مكسباً رئيسياً للثورة، إلا أن الدفاع عن الحريات لم يعد أولوية لدى التونسيين. وأقرّ رئيس البرلمان راشد الغنوشي بذلك، معتبراً أنه "ليس سهلاً الاحتفاظ بشعلة الثورة إلى حد الآن، رغم العواصف في العالم العربي ورغم المناخ العربي وحرياته المتراجعة". وذهب إلى الاعتراف بأن المجتمع أصبح أقوى من الدولة، وعاد في مداخلته التي ألقاها ضمن فعاليات الندوة، التي نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية يوم الثلاثاء الماضي، إلى إحدى معضلات النظام السياسي الذي انبثق عن دستور 2014. في هذا الإطار، رأى أن "خطأ الدولة هو نظامها الرئاسي البرلماني المزدوج"، وأن "عدم وضعها لنظام برلماني كامل تسبب في صعوبة حقيقية في إدارة السلطة". بالتالي ناقض الغنوشي مساعي الرئيس قيس سعيد وآخرين الذين يحاولون الدفع نحو نظام رئاسي بصلاحيات واسعة. وهذا الخلاف ليس بالجديد، إذ سبق أن دار نقاش واسع وساخن بين "حركة النهضة"، التي دافعت بقوة عن النظام البرلماني، وبين أحزاب وقوى سياسية واجتماعية تمسكت بالنظام الرئاسي. ولتجاوز هذه المسألة، تم الاتفاق على نظام سياسي شبه برلماني. غير أن الممارسة كشفت عن ثغرات داخل هذا النمط من الحكم.


فقدت الطبقة السياسية الكثير من مصداقيتها

فقدت الطبقة السياسية الحالية الكثير من مصداقيتها، وتراجعت ثقتها في نفسها. فبعد عشر سنوات تجد نفسها عاجزة عن معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما جعل البعض يتحدث عن اقتراب الدولة التونسية من الإفلاس. كما تراجع العديد من السياسيين عن قناعات كانت راسخة لديهم في مرحلة سابقة. مثال على ذلك اليساري المعروف عزيز كريشان، الذي عمل مستشاراً للرئيس الأسبق المنصف المرزوقي. كتب كريشان في الأيام الأخيرة من زمن بن علي نصاً شهيراً دعا فيه إلى بناء جبهة تاريخية تضم الإسلاميين والعلمانيين اليساريين. واعتبر ذلك شرطاً أساسياً لإطاحة النظام. لكن كريشان وبعد تجربته ضمن حكم الترويكا (ائتلاف حركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، قاد تونس بين عامي 2011 و2014)، تخلى عن تلك الفكرة. وقال إن الإسلاميين باتوا عقبة وتسببوا في تعطيل الفكر وبناء المؤسسات. في المقابل، رأت الطبيبة، الناشطة أحلام بلحاج، أن إحساسها بالحرية "الذي شعرت به في 14 يناير/كانون الثاني 2011 (يوم هروب بن علي) في شارع الحبيب بورقيبة، قادر على أن يغذي أملي في تونس أفضل".