استمع إلى الملخص
- العراقيون يطالبون بالقصاص ومحاسبة المتسببين، مشيرين إلى نوري المالكي والانهيار الأمني الذي سمح لداعش بالسيطرة، فيما تعد هذه الجريمة من أولى الجرائم البشعة للتنظيم.
- السلطات الأمنية تعلن اعتقال متورطين وإعدام أكثر من 80 شخصًا، بينما يشير التحقيق إلى تورط المالكي وقيادات أمنية، وتصنيف الجريمة ضمن جرائم الإبادة الجماعية، مؤكدًا على ضرورة العدالة للضحايا.
يوافق اليوم الأربعاء، الذكرى العاشرة لـ"جريمة سبايكر" التي ارتكبها تنظيم داعش في تكريت شماليّ العراق، حيث قتل قرابة ألفي طالب عراقي في كلية القوة الجوية بقاعدة سبايكر، بعد نقلهم بشكل جماعي، والبدء بعمليات إعدام وحشية بحقهم، بناءً على هوياتهم الطائفية. ووزع التنظيم الإرهابي يومها جثث الطلاب على أكثر من حيّ ومقبرة، ورُمي الكثير منهم في نهر دجلة.
ويستذكر العراقيون جريمة سبايكر سنوياً بألم، مطالبين في كل عام بالقصاص ومحاسبة المتسببين بسقوط نحو 45 بالمائة من مساحة العراق بيد تنظيم داعش، وعلى رأسهم نوري المالكي، الذي كان يشغل منصب رئيس الحكومة عام 2014.
وكانت هذه الجريمة هي الأولى في سجل التنظيم الذي اقتحم مدينة الموصل أولاً، ثم تمدد إلى أكثر من 20 مدينة عراقية في أقل من أسبوع، في شمال البلاد وغربها، أبرزها البعاج، وتلعفر، وسنجار، والقيارة، والحظر، وربيعة، والجزيرة، ثم تلتها تكريت، وبلد، والدور، والإسحاقي، وصولاً إلى الرمادي، وهيت، والرطبة، والقائم، والكرمة، وراوة، وعانة، وآلوس، وبلدات أخرى.
ويستذكر العراقيون المشاهد التي بثها إعلام تنظيم داعش، حين أقدمت مجموعة منه على أسر جنود عراقيين وطلبة من قاعدة سبايكر الجوية في 12 يونيو/ حزيران 2014، بعد السيطرة على مدينة تكريت، مركز محافظة صلاح الدين، بيوم واحد، واقتادتهم إلى منطقة "القصور الرئاسية"، وقامت بقتلهم، وقد نجح بعض الجنود العراقيين في الهروب من المجزرة، إلى قضاء العلم، ثم رووا بعد ذلك الواقعة التي لا تزال تمثل جرحاً مفتوحاً بالنسبة إلى العراقيين جميعاً.
وتعلن السلطات الأمنية العراقية، بين الحين والآخر، اعتقال متورطين بالملف، لدرجة أنّ البيانات الأخيرة لها تشير إلى أنّ الإعدامات التي لحقت بمنفذي ما عُرفت بـ"مجزرة سبايكر" فاقت الـ80 شخصاً، إلا أنّ ملف التحقيق بالحادثة أشار إلى تورط المالكي، على اعتباره "القائد العام للقوات المسلحة"، والمسؤول عن أمن كلّ محافظات البلاد، بما في ذلك إقليم كردستان.
تمسّك بمحاسبة المتورطين في جريمة سبايكر
والاثنين، تسلّم رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق فائق زيدان، تقريراً بشأن جريمة سبايكر من فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب داعش (يونيتاد). وذكر بيان لمجلس القضاء الأعلى أنّ "زيدان استقبل رئيس (يونيتاد) آنا بيرو بوبيس، برفقة أعضاء الفريق، وأنها سلّمت رئيس مجلس القضاء الأعلى التقرير التحليلي الشامل بشأن مجزرة مجمع القصور الرئاسية في تكريت التي ارتكبت بحقّ المتطوعين الذين غادروا أكاديمية تكريت الجوية في عام 2014 (سبايكر)".
وبحسب البيان، فإن زيدان اعتبر أن "الجريمة تُعدّ جريمة مرتكبة بنية الإبادة الجماعية في سياسة داعش الإرهابية ضد الشيعة في العراق، واعتبار تلك الجريمة من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب". وفي السياق، يقول الناشط من محافظة صلاح الدين العراقية، إبراهيم الجبوري، لـ"العربي الجديد"، إن "الجريمة هزت كل العراقيين، ولا تزال حاضرة في وجدان كل عراقي عاش في تلك الفترة، وهي جريمة لن ينساها التاريخ، لكن من المفترض أن يحاكم ويحاسب من كان متورطاً في تسليم المحافظات العراقية لـ"داعش" من دون قتال، وأقصد هنا القادة الأمنيين، وعلى رأسهم نوري المالكي"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن "هذا الجرح سيبقى مفتوحاً طالما أن الجناة طلقاء ومن دون عقوبة".
ويضيف الجبوري أن "الاعتقالات الكثيرة التي أعلنتها السلطات الأمنية والقضائية للأسف شملت أبرياء، وهذا حرف للحقيقة، وتخفيف متعمد عن الإشارة إلى المتهمين الرئيسيين، وهم عناصر التنظيم الأساسيون". ويوضح أن "المالكي والقادة الأمنيين، الذين يتهمهم الشعب العراقي بالطائفية، هم المتهمون الأساسيون في هذه الجريمة، وأن "داعش" وجد الأزمة الطائفية لينطلق فيها ويحقق غاياته، وبالتالي فإننا متمسكون بمحاسبة المتورطين من المسؤولين والقادة الأمنيين".
من جهتها، تقول كمرة مشاي حسين (65 عاماً)، والدة أحد ضحايا جريمة سبايكر، وهي من أهالي محافظة ميسان، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة أبلغتها باعتقال المتورطين بالجريمة، لكنها لا تعلم أياً منهم أطلق الرصاص على رأس ولدها وقتله. وتضيف حسين التي تسلّمت رفات ولدها محمد قبل سنوات، بعد إجراء تحليلات التعرف إليه، ومطابقة الحمض النووي، أن "الحرارة التي في صدرها ما زالت لم تخمد". وتعتبر أن "القاتل الأول ما زال في بغداد"، في إشارة إلى رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي حمّلته تقارير أمنية وبرلمانية مسؤولية الانهيار الأمني عام 2014.
وحصلت حسين على تعويض مالي وامتيازات مختلفة من الحكومة العراقية عام 2018، لكنها ما زالت تتهم الحكومة بـ"عدم المصداقية في الكشف عن كل ملابسات الجريمة".
ملف شائك
إلى ذلك، يوضح عضو سابق في البرلمان العراقي أن "ملف التحقيق في جريمة سبايكر انتهى قبل نحو ستة أعوام، وهو واضح، وألقى الاتهامات تجاه المالكي وبعض من فريقه الحكومي، بالإضافة إلى قادة أمنيين، كذلك فإنه تضمن أسماء العناصر الإرهابية المنتمية إلى تنظيم داعش، وقد اعتُقِل عدد منهم، لكن نعرف أيضاً أن اعتقالات استهدفت بعض الأبرياء". ويضيف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "القضاء العراقي مسؤول عن الكشف عن ملف التحقيق، سواء الذي أعدّه البرلمان العراقي من خلال تحقيقاته، أو التحقيقات التي أجريت من خلال المنظمات الدولية المعنية بجرائم الإبادة"، مشيراً إلى أن على القضاء أن يحرك الملف، ويقدم على محاسبة المتورطين والمتهمين بالجريمة، وهذا أقل ما يمكن تقديمه إلى ذوي الضحايا، وفق قوله.
أما الباحث في الشأن السياسي عبد الله الركابي، فيرى أن ملف جريمة سبايكر "ملف شائك، ويستهدف الدولة بالكامل، لأنها المسؤولة عن مقتل نحو ألفي شاب عراقي في أقل من يومين، والقضاء جزء من النظام السياسي الحالي"، معتبراً في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "الملف سيبقى مغلقاً، كما هو الحال مع ملف سقوط الموصل والمغيَّبين والمليارات المسروقة، وجرائم وانتهاكات كثيرة، وطالما أن الطبقة السياسية المتهمة هي التي تحكم، فإنه سيبقى مغلقاً، لكن ما نطالب به دائماً تعويض ذوي المغدورين والاهتمام بهم، ومنع حدوث مثل هذه المجازر".
ومنذ عام 2016، يُعلن العراق تنفيذ أحكام الإعدام بحق العشرات من المتهمين بالاشتراك في جريمة سبايكر، ولكن هذه الإعدامات لم تكن لمسؤولين، بل لشبّان متهمين بالمجزرة، إلا أن منظمات محلية ودولية أشارت، غير مرة، إلى أن "غالبية الاعترافات انتزعت تحت التعذيب من المتهمين بالجريمة"، مطالبة بـ"إعادة التحقيق والمحاكمة بشكل حيادي وبعيد عن تدخلات السياسيين".