تونس: تعريف لـ"المعارضة" يطرح شكوكاً حول فعاليتها

05 فبراير 2015
الغالبية البرلمانية تشارك في حكومة الصيد (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
حسم مجلس نواب الشعب التونسي أمره بخصوص مفهوم المعارضة، الذي أُضيف له فصل خاص بالنظام الداخلي المصادق عليه، أول من أمس، بعد جدل واسع استمر أياماً عدة، وزاده تعقيداً الانتظار الذي رافق تكوين حكومة الحبيب الصيد. إذ تمّ تأجيل المسألة إلى حين الإعلان عن النسخة الثانية للتركيبة الحكومية، بهدف تبيّن الأطراف السياسية المشاركة فيها.


وانتهى مجلس النواب إلى تعريف المعارضة على أنّها "كلّ كتلة نيابية غير مشاركة في الحكومة، ولم تمنح بغالبية أعضائها ثقتها للحكومة، أو لم تصوت بغالبية أعضائها على الثقة في مواصلة الحكومة نشاطها"، وأيضاً "النواب غير المنتمين إلى كتل الذين لم يصوتوا لمنح الثقة للحكومة أو للثقة في مواصلة نشاطها. ويُعد الاحتفاظ بالصوت رفضاً لمنح الثقة للحكومة".

وفي ظل هذا المفهوم للمعارضة، والتركيبة الجديدة لحكومة الحبيب الصيد التي شاركت فيها الغالبية البرلمانية بما في ذلك حركة "النهضة"، أضحت هناك تخوفات سياسية جدّية حول مآل المعارضة ودورها في المرحلة المقبلة، ومدى قدرتها على ضبط المشهد السياسي وتعديله، بما يتماشى مع تحديات المرحلة من جهة، ويمنع تغول طرف حزبي على حساب آخر، من جهة ثانية.

وبالعودة إلى تركيبة مجلس نواب الشعب وربطها بالأحزاب المشاركة في الحكومة الجديدة، وهي كل من حزب "نداء تونس"، حركة "النهضة"، حزب "آفاق تونس" وحزب "الاتحاد الوطني الحرّ"،  فإن كتلة "الجبهة الشعبية" تبقى أكبر الكتل المتصدرة للمعارضة بخمسة عشر عضواً، في انتظار أن تتشكل كتلة أخرى من الأحزاب البرلمانية الاجتماعية التي  تتقاسم الطرح الاقتصادي نفسه، كـ"المؤتمر من أجل الجمهورية" و"التيار الديمقراطي" وحركة "الشعب"، والتي أعلنت صراحة معارضتها حزب "نداء تونس"، الفائز الأول في الانتخابات التشريعية.

وبالتالي، فإنه حسابيّاً لن يتجاوز عدد النواب المعارضين 35 نائباً، بحسب ما أكّد أستاذ القانون الدستوري، شوقي كداس، لـ"العربي الجديد"، ما يطرح التساؤل حول مآل المعارضة في هذه المرحلة.
وفي هذا السياق، أكّد المحلل السياسي، عبد اللطيف الحناشي، لـ"العربي الجديد" أن "دور المعارضة سيكون ضعيفاً داخل البرلمان نظراً لمحدودية حجمها، كما سيكون ضعيفاً خارجه باعتبار أن التأثير على الشارع التونسي بقي دائماً مرتبطاً بالمنظمات الاجتماعية الكبرى، وعمليّاً فإن (الجبهة الشعبية) غير قادرة على قلب موازين القوى".

وأضاف الحناشي أنّه "بإمكان (الجبهة) أن تكون قوة اقتراح وتعديلات، التي يبقى الاتفاق حولها، أيضاً، رهن بقية التحالفات الأخرى في البرلمان، كما أن تملك قدرة على تغيير موازين القوى، هو بدوره رهن مدى اختلال هذه التحالفات في الفترة المقبلة، نتيجة هشاشة التوافقات التي شُكّلت على إثرها الحكومة".
غير أن هناك رأياً يقول، إنّ أهمية المعارضة لا تكمن في قيمتها العددية، على غرار ما ذهب إليه كداس، إذ قال لـ"العربي الجديد" إنه "في الديمقراطيات العريقة تعتبر، دائماً، المعارضة أقلية في البرلمانات". لكنه أضاف، أن "ما يحسب لهذه الديمقراطيات هو إسنادها حقوقاً لم يعطها الدستور التونسي الجديد للمعارضة التونسية، إذ اكتفى في الفصل 60 منه بوصفها مكوناً أساسيّاً في مجلس نواب الشعب، لها حقوقها التي تمكّنها من النهوض بمهامها في العمل النقابي، وتضمن لها تمثيلية مناسبة وفاعلة في كل هياكل المجلس وأنشطته الداخلية والخارجية" وتعطي لها "وجوباً رئاسة اللجنة المكلفة بالمالية وخطة مقرّر باللجنة المكلفة بالعلاقات الخارجية، كما لها الحق في تكوين لجنة تحقيق كل عام وترؤسها".  


هذه مسائل غير كافية، حسب قوله، كي تتمكن المعارضة من فرض نفسها في المشهد البرلماني، وذلك بسبب خضوع أغلب اللجان لمبدأ التمثيل النسبي، وبالتالي لا يمكن للمعارضة تمرير تعديلات ومقترحاتها بسبب ضعف حجمها عدديّاً. ولكن مع ذلك يمكنها أن تلعب دوراً محوريّاً شرط أن تكون لها مقترحات وأفكار ذات تأثير من شأنها أن تستقطب بقية التحالفات إلى صفها.

لكن النائب منجي الرحوي عن الجبهة الشعبية، يرى أن حظوظ المعارضة تكمن في جدية التعديلات والمقترحات وقدرتها على التأثير في التونسيين والاعتماد على ضغط مكونات المجتمع المدني وبقية الأطياف السياسية لتمريرها، رغم إقراره بضعف عددها في البرلمان.

وأضاف الرحوي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المعارضة ستبقى ثابتة على مواقفها وستتحمل كامل مسؤولياتها، حتى وإن كان عددها صغيراً".
في هذا الاتجاه ذهب البعض إلى اعتبار أن المعارضة يمكن أن تتشكل من خارج البرلمان على غرار حراك "شعب المواطنين" الذي أعلنه الرئيس السابق المنصف المرزوقي. لكن في الوقت نفسه، فإن عدم الإعلان عن تركيبته وعن تكوينه القانوني دفع آخرين إلى التشكيك في أن هذا الحراك "لن يكون له تأثير يذكر في المشهد السياسي التونسي"، على غرار ما ذهب إليه عضو المكتب السياسي لحزب "المبادرة"، مهدي المناعي.

وأضاف المناعي لـ"العربي الجديد" أنّ "دور المعارضة في المرحلة المقبلة سيكون دور الرقيب في ظل تواجد حكومة توافقية تضم أكثر من 80 في المائة من الحساسيات السياسية داخل مجلس نواب الشعب، وبالتالي سيقتصر أداؤها على مراقبة عمل الحكومة والمشاركة في سنّ القوانين وإنارة الرأي العام إذا ما وُجدت تجاوزات الى جانب مساءلة الحكومة".
المساهمون