وتوقفت كل من مستشفى النجيلة المركزي في محافظة مطروح، شمال غرب البلاد، ومستشفى إسنا المركزي في محافظة الأقصر، جنوباً، عن استقبال مرضى جدد منذ 6 أيام، وخرجتا من الخدمة، وذلك بعدما تمّ تسجيل أكثر من 25 حالة موجبة بين الطاقم الطبي والعاملين في النجيلة، نتج عنها وفاة عامل وممرض، وإصابة طبيب واثنين من طاقم التمريض في إسنا. ويأتي ذلك في وقت تزيد فيه أعداد المصابين يومياً بكورونا بعدما كانت استقرت أخيراً على متوسط أكثر من 220 حالة يومياً على مستوى الجمهورية.
ومن المفترض أن تكون مستشفيات العزل هي المنشآت الطبية الأكثر أماناً وتمتعاً بالإمكانيات الحمائية، ودقة في اتباع بروتوكولات الوقاية، باعتبارها تتعامل مع مصابين مسجلين بالفعل في كشوف الوزارة بعيداً عن حالات الاشتباه. كما أنّ هذه المستشفيات أصبحت في الآونة الأخيرة مقتصرة على استقبال المرضى الذين ظهرت عليهم العوارض، بعدما تمّ تخصيص عدد من المستشفيات الأخرى الأصغر ومراكز ونُزل الشباب والفنادق المحلية للإصابات التي لم تظهر عليها عوارض، أو التي تحسّنت حالتها الصحية قبل نقلها إلى مستشفيات العزل، مما يعني قلة عدد المرضى في تلك المستشفيات حالياً، قياساً بما كان عليه الوضع في بداية التعامل مع الجائحة، حيث كانت مستشفيات العزل (التي بدأت بستة وهي حالياً ستة عشر) مفتوحة للتعامل مع جميع الحالات.
وقال مصدر مطلع في وزارة الصحة لـ"العربي الجديد"، إنّ السبب الرئيس في ظهور إصابات داخل مستشفيات العزل هو ضعف تدريب الأطباء وطاقم التمريض على طريقة التعامل مع المصابين والمتوفين بصورة آمنة.
فالمرجح من التحقيقات الداخلية التي أجريت في مستشفيي النجيلة وإسنا، وفق المصدر، أنّ انتقال العدوى من المرضى للطاقم الطبي نتج عن قيام أطباء وممرضين بالاحتكاك المباشر بأجساد مصابين بعد وفاتهم، سواء في صورة محاولة للإنعاش أو الكشف المؤكد للوفاة، أو عند نقل الجثمان توطئة للدفن، وهي جميعها صور للاتصال بالجسد محظورة في بروتوكول التعامل مع المرضى والمتوفين بكورونا.
وأضاف المصدر أنّ مستشفيات العزل منذ دخولها الخدمة في أول مارس/آذار الماضي، وهي تفتقر لآلية الرقابة السليمة، خصوصاً من قبل فرق مكافحة العدوى في المديريات الصحية، إذ تبيّن أنّ مستشفى النجيلة لم يشهد أي زيارة تفتيش أو رقابة منذ منتصف الشهر الماضي، بينما باقي المستشفيات لا يتم تفتيشها بشكل دوري، إما لتخوف المسؤولين من العدوى، أو لعدم رغبتهم في قطع مسافات طويلة بين المحافظات للوصول إلى تلك المستشفيات، وفي الحالتين القصور واضح.
وحاول المصدر التخفيف من مسؤولية إدارات المستشفيات فيما يحدث فبها من مخالفات، قائلاً إنّ هناك العديد من الممارسات الشخصية التي قد لا يستطيع المدير الدائم للمنشأة التحكم فيها بشكل كامل، على الرغم من تكرار التنبيه بشأنها، لكن الأمر في الأساس يرجع إلى عدم حصول الطاقم الطبي على التدريب اللازم بصورة مستدامة، كما أنّ غياب الرقابة والتفتيش يعطي شعوراً عاماً بانعدام المحاسبة.
وكشف المصدر عن سابقة اكتشاف عدد كبير من الأخطاء في مستشفيات العزل، بداية من اتباع بروتوكول خاطئ أو قديم للعلاج، وانتهاءً بارتباك ومخالفة بعض القواعد عند نقل جثامين المتوفين، فضلاً عن عدم التزام العاملين بالتدابير الوقائية بصورة كاملة، سواء لاعتبارات شخصية أو لتأخر توريد سبل الوقاية.
من جهتها، اعتبرت مصادر طبية أخرى في مستشفيات مخصصة لفرز وإحالة الحالات بمحافظات القاهرة والفيوم والمنيا، أنّ "تزامن ظهور إصابات بين طواقم العزل مع وصول إحصائيات الإصابات العامة إلى أعلى معدلاتها وتخطّي نسبة الطواقم الطبية من إجمالي الإصابات 15 في المائة، دليل على الضعف المطرد لآليات التدريب والرقابة في القطاع الصحي بمرور الوقت، وعدم القدرة على تثبيت كفاءة مكونات القطاع المختلفة، لا سيما مع فقدان القطاع نسبة كبيرة وغير معروفة حتى الآن من العاملين فيه، نتيجة الإصابات أو العزل الذاتي لمخالطي مئات الحالات التي تمّ تشخيصها متأخرة. هذا إلى جانب عجز الوزارة عن دمج التخصصات غير المتعلقة بالطوارئ والتي تمّ وقف عملها في 90 في المائة من مستشفيات الجمهورية، في الطواقم الطبية الخاصة بكورونا، لعدم توافر التدريب والإمكانيات الوقائية".
وأبدت المصادر تخوّفها من تكرار سيناريو ظهور إصابات في مستشفيات العزل حال تطبيق الخطة التي وضعتها وزارة الصحة الأسبوع الماضي، لتحويل عدد كبير من المستشفيات العامة والتخصصية الحكومية في قلب المدن الرئيسية في المحافظات إلى مستشفيات عزل، لمواجهة الزيادة المتوقعة في عدد المصابين، والتي تفوق بالأرقام الحالية قدرة مستشفيات العزل على الاستيعاب، خصوصاً أنّ الغالبية العظمى من هذه المستشفيات ليست مجهزة على الإطلاق، وتنقصها الأدوات وأجهزة التنفس الصناعي والمعدات والواقيات، ولم تحصل طواقمها على التدريبات الوقائية حتى الآن، مما يزيد فرص الإصابة بها.
وشرح أحد المصادر الوضع قائلاً: "إذا قارنا بين مستشفيات العزل والمستشفيات التي ترغب الوزارة في تحويلها للعزل من الحميات والصدر والعامة، فتلك الأخيرة لا تتمتع بنسبة 10 في المائة من تجهيزات العزل. كما أنّ هناك نقصاً كبيراً في عدد العاملين فيها، خصوصاً من فرق التمريض". علماً أنّ عدداً ليس بالقليل من العاملين في تلك المستشفيات سبق وتقدم للعمل بمستشفيات العزل عندما أعلنت الوزارة عن حاجتها إلى ذلك مقابل مكافآت خاصة.
في الأثناء، تلوح حالة من الغضب المكتوم الذي بدأ يأخذ طريقه إلى العلن، بين الطواقم الطبية المصرية؛ بسبب التجاهل الحكومي لناحية توفير الحماية اللازمة لها، في ظلّ التصاعد الكبير في عدد الإصابات بفيروس كورونا، ووسط عجز البرتوكول المصري المتبع عن توفير الوقاية اللازمة أو التعامل مع حالات الإصابة، مما يؤدي إلى زيادة أعداد الوفيات، وتحول الفيروس لقاتل، بعدما قاربت نسبة الوفيات 7.6 في المائة من أعداد الإصابات، متجاوزةً النسبة العالمية.
وبحسب مصدر في مستشفى الصدر بالعباسية، فإنّ الأمر قد يصل في لحظة من اللحظات إلى حالة تمرد، في ظلّ انعدام مستوى الحماية والوقاية للطواقم الطبية وارتفاع نسب الخطر، بشكل تجاوز البروتوكولات الدولية، وإصرار الدولة على عدم التعامل بشكل جدي مع مخاوف الأطباء، أو التقدير المناسب لهم، والتعامل مع المطالبات الخاصة باعتبار المصابين والموتى منهم نتيجة عملهم ضحايا عمليات حربية، وتقديم الامتيازات اللازمة لأسرهم كما يحدث مع أسر شهداء الشرطة والجيش.
وقال المصدر نفسه، إنّ الجهات المختصة ترفض إجراء التحليل لأسر الأطباء المصابين، وتطالبهم بالعزل المنزلي لحين ظهور العوارض عليهم، وبالتالي وصولهم إلى حالة متقدمة من الإصابة بشكل قد يسهل من عملية وفاة كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة من ذوي الأطباء، في وقت أجريت فيه التحاليل لأسر قيادات وضباط جيش وشرطة أصيبوا أخيراً، بل وتم عزلهم منذ اللحظة الأولى في مستشفيات عسكرية وتقديم رعاية فائقة لهم.
أحد الأطباء في مستشفى أم المصريين بمحافظة الجيزة قال، في حديث مع "العربي الجديد": "تقدمنا بشكوى جماعية لإدارة المستشفى، بسبب تردّي الأوضاع، وغياب المستلزمات الخاصة بالوقاية، في ظلّ تردد مئات المواطنين يومياً على المستشفى"، مؤكداً "بعضنا يقوم بشراء المستلزمات على نفقته الخاصة". وتابع: "الأهم أننا طالبنا بإجراء تحاليل دورية للأطباء، خشية على ذوينا وعلى المرضى الذين نتعامل معهم في ظلّ ظروف سيئة للغاية"، مؤكداً أنه "مع استمرار الأوضاع بهذا الشكل، خصوصاً في ظلّ التصاعد العددي الهائل في الإصابات، أمام التساهل الحكومي أخيراً في الإجراءات، سيجعل من الصعب على الأطباء المخاطرة والمجازفة، لأنّ النتائج ستكون معلومة مقدماً وهي خروج الوضع عن السيطرة".
ولفت الطبيب نفسه إلى أنه "لا يوجد ردّ واضح بشأن مطالب خاصة تقدمنا بها بشأن توفير الواقيات بشكل أفضل، وتجهيز استراحات للأطباء بشكل يضمن الإقامة في المستشفى لفترة طويلة من دون الاضطرار للذهاب للمنازل".
ويتجاوز العدد الإجمالي لحالات كورونا في مصر حالياً الـ4700 حالة، فيما تعافى حوالي 1200 مصاب بنسبة 25.5 في المائة، بينما ما زالت تمثّل حالات الوفاة نسبة تتراوح بين 7.2 في المائة و7.5 في المائة من أعداد المصابين، وهي نسبة أعلى بنصف في المائة عن المتوسط العالمي، الذي ارتفع في الأسبوعين الأخيرين. وأعلنت وزارة الصحة أخيراً أنها أجرت حتى الآن 90 ألف تحليل pcr للحالات المشتبه فيها، وذلك في زيادة كبيرة عن آخر رقم تم إعلانه رسمياً منذ 3 أسابيع وهو 25 ألفا، وكذلك عما كشفته مصادر بالوزارة لـ"العربي الجديد" مطلع الأسبوع الماضي وهو 43 ألفاً.
وتزامنت هذه الزيادة في أعداد الإصابات مع بدء تطبيق قرارات الحكومة بتخفيف قيود التدابير الاحترازية وحظر التجول خلال شهر رمضان، ليمنع التجول من التاسعة مساء وحتى السادسة صباحاً، بعدما كان يبدأ في الثامنة مساءً. فضلاً عن إعادة فتح المحال والمراكز التجارية (المولات) يومي الجمعة والسبت، وإعادة تشغيل الخدمات الحكومية تدريجياً، بعودة عمل بعض المصالح جزئياً كالشهر العقاري والمحاكم والمرور.