وصول "المجموعة الأولى" من المراقبين الدوليين إلى ليبيا... هل بدأ فعلاً انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة؟

23 أكتوبر 2021
يلف الغموض مصير ملف المرتزقة والقوات الأجنبية (فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال الغموض يلف مصير ملف المرتزقة والقوات الأجنبية، أكثر الملفات حساسية وتعقيداً في مشهد الأزمة الليبية، على الرغم من توصل اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5 + 5 إلى خطة شاملة لبدء إخراجهما، وسط ترحيب دولي ووعود بدعم الخطة.

وعلى الرغم من تأكيد الأمم المتحدة وصول "المجموعة الأولى" من المراقبين الدوليين إلى ليبيا، لمراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، إلا أنّ موعد وصولها شابه تضارب، فبينما أوضحت مراسلة سابقة للمبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيتش، وجهها إلى أعضاء لجنة 5 + 5 أنّ الفريق وصل إلى طرابلس في الـ10 من الشهر الجاري، أعلنت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة روز ماري ديكارلو، عن وصولهم، يوم أمس الجمعة، فقط.

ووفقاً لمراسلة كوبيتش، والتي نشرها آمر إدارة التوجيه المعنوي بقيادة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، خالد المحجوب، على حسابه الخاص في "فيسبوك"، يوم الأربعاء، فإنّ وصول "المجموعة الأولى" من المراقبين إلى طرابلس مؤقت، "حتى الانتهاء من الترتيبات المتعلقة بنشرهم في سرت"، للبدء في أعمال مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.

لكن ديكارلو لم تحدّد، خلال تصريحات خصت بها البعثة الأممية في ليبيا ونشرتها الأخيرة على موقعها الرسمي، أمس الجمعة، المكان الذي وصلت إليه المجموعة الأولى من المراقبين، لكنها أكدت أنّ عمل مجموعة المراقبين الدوليين سيكون وفقاً للآلية الليبية وبإشراف ليبي، مؤكدة أنّ مشاركتهم في مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار بناء على "طلب السلطات الليبية والتفويض الصادر عن مجلس الأمن".

وجاء إعلان ديكارلو بعد لقائها بأعضاء لجنة 5 + 5 بشكل منفرد في بنغازي وطرابلس، الأسبوع الماضي، للاطلاع على الخطوة الشاملة التي توصلت إليها اللجنة العسكرية المشتركة بشأن إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية، واصفة إياها بـ"الإنجاز المهم".

وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وقّع أعضاء لجنة 5 + 5 خطة عمل شاملة لإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا بـ"شكل تدريجي ومتوازن ومتزامن"، بعد اجتماع لأعضائها استمر لثلاثة أيام في مدينة جنيف السويسرية. وفيما شددت اللجنة على "جاهزية آلية المراقبة الليبية لاتفاق وقف إطلاق النار"، أكدت تواجد المراقبين الدوليين التابعين للأمم المتحدة في ليبيا قبل البدء بتنفيذ الخطة.

ويلفت أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الليبية عيسى الغزوي، إلى أنّ خطوة وصول مراقبين دوليين "لا تعكس شيئاً سوى اندفاع دولي كبير باتجاه حلحلة هذا الملف"، معبّراً عن خشيته من أن يكون وراء هذا الإسراع تبعات غير محسوبة.

وقال، في حديث لـ"العربي الجديد"، "في كلا الحالتين سواء صح وصولهم يوم 10 أكتوبر؛ أي بعد يومين من توقيع لجنة 5 +5 للخطة، أو يوم أمس؛ أي بعد يوم من مؤتمر استقرار ليبيا، كل هذا يشير إلى سرعة في البدء في التنفيذ بهدف فرضه كأمر واقع يحظى بدعم أممي ودولي".

وحملت تصريحات لوزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، أخيراً، مخاوف من النتائج السلبية للإسراع في بدء تنفيذ خطة إجلاء المرتزقة والقوات الأجنبية، ودعت للاستفادة "من التجربة في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأجنبية منها بشكل سريع".

وتساءل الغزوي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، حول وصول مجموعة أولى من المراقبين الدوليين فقط، وفي محاولة للإجابة، قال "أعتقد أنها لا تؤكد شيئاً سوى الأمر على الأرض ضمن حسابات عواصم كبرى، على رأسها واشنطن والعواصم الأوروبية"، مشيراً إلى أنّ "مؤتمر استقرار ليبيا الذي انعقد في طرابلس الخميس، لم يصدر عنه شيء واضح في هذا الملف، لكن التصريحات القادمة من باريس تشير إلى أنّ مؤتمر باريس الشهر المقبل، سيركز اهتمامه على هذا الملف، في الوقت الذي لا يزال فيه الرأيان الروسي والتركي غائبين".

ولم تشارك أنقرة وموسكو، اللتان تُعدّان أكثر الدول المعنية بملف القوات الأجنبية في ليبيا، بحضور على مستوى وزراء خارجيتهما، في مؤتمر استقرار ليبيا، ما عدّه مراقبون مؤشراً على عدم ترحيبهما بالمبادرة الليبية التي ركزت على المسار الأمني والعسكري، واعتبرت الاستقرار فيه خطوة نحو نجاح البلاد في إنجاز الاستحقاق الانتخابي.

لم تشارك تركيا وروسيا في مؤتمر استقرار ليبيا، ما عدّه مراقبون مؤشراً على عدم ترحيبهما بالمبادرة الليبية

وعلى الرغم من التفاصيل التي سرّبتها وسائل إعلام ليبية ودولية بشأن مراحل عمل المراقبين الدوليين في بند ترحيل المرتزقة والقوات الأجنبية، كالبدء في حصرهم وترحيلهم تدريجياً وبشكل متزامن من ليبيا، إلا أنّ الباحث الليبي في الشأن الأمني الصيد عبد الحفيظ، يشير إلى أن أنباء وصول المجموعة الأولى يشوبها غموض، قائلاً: "الأمر لا يشبه عمل لجان المراقبين في دول الأزمات، فالعادة أن يتم نشر صور وصولهم وتحديد جنسياتهم، والآن لا نعرف من هم الذين وصلوا، من أين، ولا حتى إلى أين سيذهبون"، متسائلاً: "كيف تم تحديدهم، وماذا يمكن لمجموعة محدودة أن تفعل في ملف شائك كهذا الملف؟".

وسبق أن أعلنت البعثة الأممية، في مارس/آذار الماضي، وصول طليعة فريق مراقبين دوليين تضم نحو عشرة أشخاص إلى طرابلس، في مهمة لمدة خمسة أسابيع، للإعداد لمهمة الإشراف على وقف إطلاق النار، لكن غاب الإعلان في زحمة توالي الأحداث الليبية المتشابكة وقتها، وأكثر من ذلك يشير عبد الحفيظ إلى أنّ الإعلانات والتصريحات يشوبها الاضطراب في تحديد المسميات، قائلاً: "لم تحدّد التصريحات معنى المرتزقة ومن هم، وأحياناً يوصفون بالمقاتلين الأجانب، وهل من فرق بينهم وبين القوات الأجنبية". وتابع: "السؤال الأكبر هو أين سيذهب المرتزقة عندما سيغادرون ليبيا، وبعضهم يشكل جبهات معارضة لدولهم".

وعلى الرغم من تفاؤله بأنّ حل الملف بات أمراً واقعاً ولا مناص منه، إلا أنه يرى أنّ "الإشكال لا يزال حبيس حسابات العواصم الكبرى، بالإضافة لعدم وضوح الضمانات بالنسبة لدول الجوار الليبي بشأن مخاوفها من إمكانية تسرب المرتزقة وسلاحهم إليها".

المساهمون