أعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، التي تقوم بزيارة رسمية إلى الرباط، الجمعة، انتهاء أزمة التأشيرات التي عكرت العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وفرنسا منذ أكثر من عام.
وقالت كولونا، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرها المغربي، ناصر بوريطة، عقب مباحثات بينهما: "لقد اتخذنا إجراءات، مع شركائنا المغاربة، من أجل العودة إلى تعاون كامل في مجال الهجرة"، وأوضحت أن هذا القرار "دخل حيز التنفيذ منذ الاثنين الماضي"، معربة عن "سعادتها" بذلك، بحسب فرانس برس.
وقالت كولونا إن المشاورات مع نظيرها المغربي نتج عنها اتخاذ إجراءات لإرجاع الوضع إلى طبيعته بالنسبة لموضوع التأشيرات، لافتة إلى أن المغرب وفرنسا قررا، وبشكل مشترك، إعادة النشاط القنصلي لتقديم التأشيرات بطريقة عادية، وأن السلطات الإدارية ستباشر عملها على هذا الأساس بطريقة عادية وقانونية.
من جهته، قال وزير الخارجية المغربي إن "المغرب امتنع عن التعليق رسمياً على تلك الإجراءات (خفض عدد التأشيرات) التي اتخذتها السلطات الفرنسية من جانب واحد احتراماً لسيادتها، وبطبيعة الحال كانت هناك ردود أفعال شعبية من طرف الناس المعنيين".
وأضاف "اليوم أيضاً قرار العودة إلى الوضع الطبيعي قرار أحادي الجانب يحترمه المغرب، ولن نعلق عليه رسمياً، لكنه يسير في الاتجاه الصحيح".
وتأتي زيارة كولونا للمغرب بعد ما يوصف بـ "الأزمة الصامتة" التي تخيّم على علاقات البلدين منذ ما يقارب السنتين، وكان من أبرز مظاهرها تجميد زيارات مسؤولي البلدين، وغياب أي اتصال بين قادة البلدين، وحدوث فراغ دبلوماسي في سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيين، بعد تكليف سفيري باريس والرباط بمهام أخرى.
وشهدت علاقات الحليفين التقليديين فتوراً في الأشهر الأخيرة، خصوصاً بعد قرار باريس في سبتمبر/ أيلول من عام 2021، "تشديد شروط منح تأشيرة الدخول" للمتقدمين من تونس والجزائر والمغرب، وتخفيض العدد السنوي المسموح به بنسبة 30% للتونسيين و50% للجزائريين والمغاربة.
وكشف تقرير صادر عن الهيئة العامة للأجانب في فرنسا أنّ القنصليات الفرنسية في المغرب أصدرت 69,408 تأشيرات فقط في عام 2021 مقارنة بـ342,262 تأشيرة في عام 2019، و98 ألف تأشيرة في عام 2020، على الرغم من تقييد السفر الدولي على خلفية أزمة كورونا الوبائية.
وبعد مرور نحو عام على تلك الإجراءات، خُففت القيود المفروضة عن التونسيين والجزائريين، فيما ازدادت حدة بالنسبة إلى المغاربة، الأمر الذي أثار غضباً متصاعداً في البلاد، وصل إلى حد المطالبة بمقاطعة المنتجات الفرنسية، وتنظيم وقفات احتجاجية أمام مقر بعثة الاتحاد الأوروبي بالرباط.
"شريك مثالي"
من جهة أخرى، دعا وزير الخارجية المغربي باريس إلى التأقلم مع التطورات، لأن المغرب تغير "داخلياً وخارجياً"، مؤكداً أن "مغرباً قوياً على المستوى الداخلي، وله شركاء متنوعون، لا يعتبر عائقاً أمام تطور العلاقات مع فرنسا".
ولا تنظر باريس بعين الرضا للخطوات التي اتخذها المغرب خلال السنوات الماضية لتنويع شركائه الاقتصاديين والسياسيين، والتقليل من تبعيته الاقتصادية لها، وكذلك تثبيت أقدامه في أفريقيا جنوب الصحراء كأحد الشركاء الاقتصاديين للعديد من الدول، حتى بات يحتل المرتبة الثانية من حيث الاستثمار.
إلى ذلك، أكدت وزيرة الخارجية الفرنسية أن موقف بلادها من ملف الصحراء ومن الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب "معروف ويتميز بالوضوح والاستمرارية"، وقالت: "منذ سنوات، أعلنا عن موقفنا، وهو معروف لدى شركائنا وأصدقائنا المغاربة. بالطبع نحن نؤيد الموقف المغربي، وقد عبّرنا عن ذلك أكثر من مرة".
وأضافت: "يمكن للمغرب أن يعوّل على دعم فرنسا، ولا سيما في وقت عادت فيه التوترات، وجرى تسجيل بعض الخروقات في إطلاق النار، نحن أوضحنا ذلك سابقاً، وأحرص على تكرار ذلك اليوم".
وتُعتبر باريس الرباط شريكاً مثالياً في المجالات الأمنية والاستخبارية والعسكرية. وتعول عليها كثيراً في رصد الجالية المغربية في الأراضي الفرنسية، وتحركات المقاتلين، سواء داخل المملكة أو خارجها، عبر تقديم المساعدة بتوفير المعلومات الأمنية.
ويُنتظر أن تشكل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب، في الربع الأول من عام 2023، خطوة ثانية لعودة العلاقات إلى طبيعتها.
وتمثل فرنسا الشريك التجاري الثاني للمغرب بعد إسبانيا في عام 2020، بحسب وزارة الاقتصاد والمال المغربية. كما أن المغرب هو الوجهة الأولى للاستثمارات الفرنسية في أفريقيا، عبر أكثر من 950 فرعاً لشركات فرنسية توفر نحو 100 ألف فرصة عمل.