وداع الناشط اللبناني لقمان سليم بحضور دبلوماسي واسع: "لتحقيق عادل وشفاف"
أقيم حفل تأبيني للناشط السياسي اللبناني لقمان سليم، اليوم الخميس، في دارته في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت، بحضور عائلته وشخصيات سياسية ودينية ودبلوماسية، أبرزها السفيرة الأميركية لدى بيروت التي تُعدّ زيارتها لافتة جداً إلى الضاحية، معقل "حزب الله"، وذلك وسط تدابير أمنية مشددة في المنزل ومحيطه والطرقات المؤدية إليه، تحسباً لأي توتر أو تطوّر أمني، خصوصاً بعد ليلة صاخبة بالتغريدات من قبل مناصري "حزب الله"، وصل بعضها إلى حدّ التهديد والتحذير من هتافات تمسّ الحزب.
وأكد سفراء ألمانيا، والولايات المتحدة، وسويسرا، والقائم بالأعمال البريطاني، في كلماتهم خلال الحفل التأبيني بحضور حشد كبير من الناشطين المدنيين، ضرورة أن يكون التحقيق شفافاً وسريعاً لتحقيق العدالة لسليم ومحاسبة المرتكب على جريمته التي أجمع السفراء على وصفها بـ"البربرية".
وفي الرابع من فبراير/ شباط الجاري، وُجد الناشط السياسي الشيعي المعارض لـ"حزب الله" لقمان سليم مقتولاً داخل سيارته في بلدة العدوسية، جنوبي لبنان، التي تُعدّ معقلاً من معاقل الحزب، وأظهر تقرير الطبيب الشرعي الأوّل إصابته بستّ رصاصات، خمس في الرأس والسادسة في الظهر، وقد طالبت العائلة بتقرير ثانٍ لمعرفة ما إذا كان لقمان قد تعرّض للضرب والتعذيب قبل قتله.
وتلت والدة لقمان، سلمى مرشاق سليم، كلمة العائلة، إذ طلبت من الشباب اللبناني إذا كانوا فعلاً يريدون وطناً، الاستمرار في المبادئ التي ناضل من أجلها ابنها واقتنع بها. وقالت: "الحمل ثقيل عليكم، وأنا أتمنى عليكم أن تفكّروا وألا يكون عقلكم محدوداً، تقبّلوا الحوار والتنوّع واستعملوا العقل والمنطق فقط، فالسلاح لا يفيد البلاد، أنا كأم لم يفدني، ولم يفد شقيق لقمان ولا شقيقته، أفقدني ابني، وأضاع لكم صديقكم"، مضيفةً: "حكّموا عقلكم، وناقشوا، وحاوروا لوطن، لتؤسّسوا وطناً يليق بكم وبلقمان".
وأكدت مرشاق سليم، لـ"العربي الجديد"، أنّ "لقمان مات من أجل لبنان وعلى الشباب اللبناني أن يحمل القضية، ويكمل المسيرة، وينهض بالوطن فعلاً لا قولاً فقط، فهذا البلد يستحق الإصلاح، والحمل اليوم الأكبر على الشعب والجيل النابض"، مشددة على أنّ "السلاح لا يبني، إنما المنطق والحوار، والتعايش هو جسر العبور إلى الدولة والوطن، ونحن ننتظر أن ينتهي التحقيق القضائي في ما خصّ الجريمة وقتلة لقمان".
وتحدث السفير الألماني لدى لبنان، أندرياس كيندل، عن اللقاء الأخير الذي جمعه مع لقمان في حديقة دارته، واصفاً مقتل سليم بأنه "خسارة على الصعيد الشخصي والوطن"، مؤكداً ضرورة أن يكون التحقيق شفافاً "كي لا يفلت المجرم من العقاب".
وتجدر الإشارة إلى أن السفير الألماني طلب من الرئيس اللبناني ميشال عون خلال لقائه به، ضرورة تأمين أمن وسلامة زوجة لقمان الألمانية مونيكا بورغمان، وأفراد عائلته.
من جهتها، شددت السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على أنّ جريمة قتل الناشط السياسي لقمان سليم "عمل بربري لا يُنسى ولا يمكن غفرانه أو تقبّله"، مشيرة إلى أنّ "لقمان عمل بلا كللٍ أو تعبٍ لدعم قضية لبنان وشعبه ونيل الحرية، وهذه الجهود لن ندعها تذهب هدراً بالخوف والعنف، ونحن سندفع باتجاه المحاسبة، وسنُطالب مع الحاضرين والعائلة بالعدالة، وسنحمل إرث لقمان كولايات متحدة من خلال استمرار شراكتنا مع المنظمات التي كان يعمل معها لقمان".
وقال مصدر دبلوماسي أميركي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الولايات المتحدة لن تترك قضية لقمان، وقتله لن يمرّ مرور الكرام، وستردّ في الوقت المناسب بأسلوبها، في تضييق الخناق أكثر على حزب الله، الذي تعتبره أميركا المسؤول والمتهم الأول عن هذا العمل البربري"، ويضيف المصدر أنّ "لقمان سبق أن تعرّض لتهديدات كثيرة من جانب الحزب، منها أفصح عنها علناً، وإلى الدوائر الضيقة منه، لكنه مع ذلك لم يخف وأكمل مسيرة الكلمة الحرّة، وسقط دفاعاً عنها".
وعبّرت السفيرة السويسرية لدى لبنان مونيكا شمودز كيرغوز عن صدمتها من الجريمة المروّعة التي حصلت وطاولت لقمان، مؤكدة أن سلطات بلادها ستحرص على متابعة قضيته "لتحقيق عادل وشفاف وسريع".
بدوره، دان القائم بالأعمال البريطاني في لبنان مارتن لونغدن الجريمة التي وصفها بـ"البربرية"، مشدداً على "أنّنا لا يمكن أن نسمح لعمل بربري كهذا أن يمرّ مرور الكرام، فحرية الرأي والتعبير مهمة جداً، ولا يحق لأحد إسكات الصوت، وحكومتي ستحرص على دعم تحقيق فعّال وشفاف وعادل للقمان، على أمل أن ينال المرتكبون العقاب ليس فقط لأجل عدالة لقمان بل لأجل عدالة لبنان والشعب اللبناني".
وعبّر الحاضرون الذين حملوا صور لقمان وجالوا فيها داخل الحديقة، بدورهم عن استنكارهم لجريمة اغتيال الناشط السياسي، مؤكدين تمسكهم بعبارة لقمان "صفر خوف".
وشهد الحفل التأبيني في حديقة دارة محسن سليم مشاركة رجال دين مسلمين ومسيحيين، تلوا الفاتحة والصلوات أمام نصب تذكاري رخامي أقامته العائلة في باحة المنزل، وسط حضور إعلامي كثيف محلي وعربي ودولي.
وتستمرّ التحقيقات في مقتل الناشط والكاتب السياسي لقمان سليم، في ظلّ غموض كبير يلفّ القضية، وتسريبات أمنية إعلامية، وسط مخاوف من تسييس الملف وحصول تدخلات حزبية، خصوصاً أنّ المنطقة التي قُتل فيها لقمان هي معقل لـ"حزب الله" وكاميراته منتشرة فيها، كما أن أجهزة الرصد والتتبع والتعقب عائدة له، ما يطرح تساؤلات حول إمكانية حصول جريمة بهذه الدقة والحجم من دون أن يعلم بها الحزب أو يملك أقلّه أدلة تظهر القاتل.
ويطالب سياسيون وناشطون معارضون لـ"حزب الله" بتحقيق دولي شفاف، لفقدانهم الثقة بالتحقيق المحلي. وكانت العائلة قد شددت على أنها تريد الحقيقة ومحاسبة القتلة، مشيرة إلى أنّ التحقيق الدولي يتطلب آليات وإجراءات طويلة، وتحقيقات كهذه مماثلة تطول وأحياناً لا تصل إلى الإدانة، والتجارب كثيرة على ذلك.
في المقابل، أشارت "كتلة الوفاء للمقاومة" (تمثل حزب الله برلمانياً) بعد اجتماعها الدوري في حارة حريك برئاسة النائب محمد رعد، إلى أن بيان الإدانة الذي أصدره حزب الله حول قتل الناشط لقمان سليم، "يعبّر حكماً عن موقف الكتلة، التي تجدد اليوم مطالبتها الأجهزة القضائية والأمنية المختصة العمل سريعاً على كشف المرتكبين"، معتبرة، أن "الحملات الإعلامية الموجهة والاتهام السياسي والإدانة المتعمّدة القائمة على البهتان والافتراء واستباق نتائج التحقيقات أعمال مدانة تستوجب الملاحقة والمحاسبة لأنها تستهدف التحريض وإثارة الفوضى وتقديم خدمات مجانية للعدو الإسرائيلي ومشغلته أميركا".