شهد مجلس العموم البريطاني بعد ظهر اليوم الأربعاء، تصويتاً مهماً على "وثيقة وندسور" التي أعلن عنها رئيس الحكومة ريشي سوناك في السابع والعشرين من فبراير/شباط الماضي، بعد مباحثات مطوّلة خاضها مع جميع الأطراف، بمن فيهم "الحزب الاتحادي الديمقراطي" الذي علّق مشاركته في السلطة احتجاجاً على "بروتوكول لأيرلندا الشمالية".
وعلى الرغم من تمرّد أطراف كثيرة في صفوف "حزب المحافظين" الحاكم وخارجه، حصلت الوثيقة على 515 صوتاً مقابل 29.
وشهدت أروقة "وستمنستر" خلال الأيام الماضية فوضى كبيرة مع إعلان "الحزب الاتحادي الديمقراطي" يوم الإثنين رفضه لجزء مهم من الوثيقة، مؤكّداً أنه سيصوّت ضدّها، إضافة إلى إعلان الزعيم السابق بوريس جونسون وحلفائه عن نيّتهم التصويت ضدّها في جلسة البرلمان المقررة اليوم الأربعاء.
وكانت رئيسة الحكومة السابقة ليز تراس، ووزيرة الداخلية في حكومة جونسون بريتي باتيل، من أبرز المتمرّدين على الوثيقة، وبالتالي على الجهود السياسية التي يبذلها الزعيم الحالي.
ومع أن "ستورمونت بريك" أو "مكابح ستورمونت"، هي البند "الأهم" الذي استحدثه سوناك في الوثيقة الجديدة، سعياً لتهدئة مخاوف النقابيين الأيرلنديين، إلا أن هذا البند تحديداً كان محور اعتراض "الحزب الاتحادي الديمقراطي" لأنه "غير مصمّم لقوانين الاتحاد الأوروبي الموجودة مسبقاً"، على حدّ تعبير زعيم الحزب جيفري دونالدسون.
من جهته، اعتبر وزير أيرلندا الشمالية كريس هاريس خلال جلسة البرلمان اليوم، أن "مكابح ستورمونت" هي واحدة من أهم التغييرات في خطة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بما "يمنح المملكة المتحدة حق النقض بشأن التوافق الديناميكي مع قواعد الاتحاد الأوروبي".
و"مكابح ستورمونت" تعني منح أيرلندا الشمالية سلطة "المكابح"، بحيث بات باستطاعة الأحزاب الاعتراض على بعض القواعد الجديدة في الاتحاد الأوروبي، وتعليق العمل بها، حتى يتفق الطرفان على وجوب عودتها إلى حيّز التنفيذ. ويشترط هذا البند قيام 30 عضواً من أصل 90 من أعضاء المجلس التشريعي، بطلب التماس، اعتراضاً على إحدى القواعد الجديدة والمعمول بها في أيرلندا الشمالية.
بدوره، قال وزير أيرلندا الشمالية السابق جوليان سميث إن "وثيقة وندسور قطعت أشواطاً كبيرة"، مشيراً إلى أن استطلاعات الرأي في المنطقة تظهر أن "غالبية ناخبي أيرلندا الشمالية يؤيدون الوثيقة".
وحصلت الوثيقة الجديدة على دعم "حزب العمال" المعارض، حيث قال وزير أيرلندا الشمالية في حكومة الظل بيتر كايل، إن حزبه سيصوّت بالإجماع اليوم "لأننا نعمل من أجل المصلحة الوطنية، بينما تمزّق الانقسامات حزب المحافظين".
ووفّرت الوثيقة فرصة استثنائية لطيّ صفحة النزاع حول البروتوكول والعلاقات المتوترة بين المملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، عقب "بريكست". إلا أنها قد تكون فرصة ضائعة بالنسبة لحزب المحافظين المنقسم أكثر من أي وقت مضى، والمتهم بتردّي الحياة العامة لملايين الناخبين البريطانيين. كما أنها فرصة ضائعة بالنسبة لسوناك الغارق في حروب صغيرة مع متشدّدي الحزب، ومع حلفاء الزعيم السابق بوريس جونسون، في مرحلة اقتصادية هي الأصعب منذ عقود.
ومع أن سوناك حقّق ما عجزت الحكومات السابقة عن تحقيقه، عندما استطاع أن يشرح للجانب الأوروبي العلاقة الحساسة بين اتفاقية السلام وبين بروتوكول أيرلندا الشمالية، وما يرتبط به من التزامات أخلاقية وسياسية وقانونية، إلا أن اكتمال فوزه سيكون معقداً ما لم تحقق الوثيقة غايتها الأساسية، المتمثلة في عودة "الحزب الاتحادي الديمقراطي" إلى تقاسم السلطة التنفيذية، حيث قال الزعيم دونالدسون إنه "لا يستطيع إلزام حزبه بالعودة إلى المشاركة السياسية مع هذه الوثيقة".
وكان سوناك يأمل بحلّ هذه القضية قبل منتصف شهر إبريل/نيسان المقبل، موعد الذكرى الخامسة والعشرين لاتفاقية السلام "الجمعة العظيمة"، والتي من المفترض أن يحضرها الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى جانب شخصيات سياسية بارزة مثل بيل وهيلاري كلينتون.
وألغى اتفاق "الجمعة العظيمة"، السيادة البريطانية على كامل الجزيرة الأيرلندية، وأيّد حق جميع سكان أيرلندا الشمالية في حمل جنسيات أيرلندية أو بريطانية، والعودة إلى الشعب في أي خطوات تُتخذ بشأن مستقبل أيرلندا.