كشفت صحيفة "هآرتس"، اليوم الخميس، عن وثيقة كتبها رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تُظهر "عقيدته الأمنية" التي وصفتها الصحيفة بأنها تعتمد على "إنهاء المعارك دون حسم قاطع".
وقالت الصحيفة إن مسوّدة الوثيقة، التي يُكشف عنها للمرة الأولى، تشير إلى استعداد نتنياهو لوقف أي مواجهة عسكرية قبل حسمها تماماً، مستعرضةً بعض الأمثلة على حملات عسكرية شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، على غرار "عملية الحزام الأسود" وعملية "حارس الأسوار" وعملية "درع وسهم"، التي قالت الصحيفة إنها ليست سوى عدد قليل من العمليات العسكرية في قطاع غزة التي انتهت في السنوات الأخيرة دون حسم واضح.
وقبل خمس سنوات، ظهر نتنياهو عبر مقطع فيديو من ديوانه، أعلن فيه عن وضعه تصوراً أمنياً لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وقام بتسليمه للمجلس الوزاري المصغّر للشؤون السياسية والأمنية (الكابنيت)، تحت مسمى "المفهوم الأمني 2030"، ومنذ ذلك الحين، خرجت عدة تسريبات بشأن "المفهوم الأمني" الذي وضعه نتنياهو، لكن "هآرتس" نشرت اليوم صور الوثيقة الكاملة.
وتوضّح الوثيقة، التي اكتمل العمل عليها في العام السبعين من عمر دولة الاحتلال الإسرائيلي، كيفية التعامل مع التهديدات الأمنية التي تواجهها إسرائيل لـ"ضمان وجودها في السبعين سنة القادمة"، بحسب ما ذكر نتنياهو في الوثيقة ذاتها.
وكتب نتنياهو أنّه "عندما لا يكلفنا عدم حسم المعركة ثمناً باهظاً، فمن الممكن إنهاؤها دون حسم واضح". وفي صياغة أخرى، اعتبر أنه "في الصراعات التي لا يتطلب فيها الإنجاز السياسي المطلوب هزيمة العدو، في مثل هذه الحالة سيكون الرد المحدود مناسباً".
وبعد تقديمه الوثيقة النهائية لـ"الكابنيت" في عام 2018، أدلى نتنياهو بتصريح جاء فيه: "نظراً لمساحة أراضينا الصغيرة، وتركيز السكان وتعدّد التهديدات من حولنا، فإن احتياجات إسرائيل الأمنية ستكون دائماً أكبر بكثير من أي دولة بنفس الحجم".
وبحسب الصحيفة، هدفت الوثيقة التي كتبها نتنياهو إلى عرض التهديدات المتوقعة لإسرائيل اعتباراً من عام 2020 لمدة عقد من الزمن، ورسمت خطة للاستثمار في الميزانية المطلوبة لبناء القوة والطريقة التي ستتعامل بها إسرائيل مع "أعدائها" في الأوضاع العادية والطارئة.
وأوضحت الصحيفة أن "الوثيقة المطبوعة، الخاضعة للرقابة جزئياً، تتضمن تدقيقاً لغوياً وتصحيحات لكلمات مكتوبة بخط اليد، ما قد يؤكد تردد رئيس الوزراء في ذلك الوقت، وربما حتى اليوم، في ما يتعلق بمفهوم الأمن الذي يسعى إليه"، إذ شطب نتنياهو بقلمه عبارة "السبعين سنة القادمة"، وكتب مكانها "في المستقبل المنظور".
وتُظهر "عقيدة" نتنياهو أنه يجب على إسرائيل "تحذير أو هزيمة أي عدو يهدّد بتوجيه ضربة قاتلة لنا أو تدميرنا"، مضيفاً أنه "يجب على إسرائيل أن تفعل ذلك من خلال الاعتناء المتواصل بأربعة عوامل قوة، وهي الأمنية والاقتصادية والسياسية، وقبل كل شيء القوة الروحية".
وشدّد رئيس حكومة الاحتلال في وثيقته على أهمية "الطابع الديمقراطي لإسرائيل ومناعتها الوطنية"، وهما مصطلحان أصبحا أكثر هشاشة، بحسب الصحيفة ذاتها، بعد أن بدأ الائتلاف الحكومي خطته في التعديلات القضائية التي ترمي إلى تقويض القضاء، ولقي معارضة واسعة في الشارع الإسرائيلي.
وتظهر التعديلات التي أجراها نتنياهو أنه حذف عبارة "نظام ديمقراطي مستنير"، واستبدل عبارة "الديمقراطية الإسرائيلية" بصياغة أخرى تعتبر أن "إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية تحافظ على الحق القومي للشعب اليهودي في دولته والحقوق الفردية لمواطنينا".
وتزامنت تعديلات نتنياهو مع تصديق الكنيست الإسرائيلي، في 19 يوليو/ تموز من عام 2018، بغالبية أعضائه، على قانون أساس القومية، الذي يكرّس الفصل العنصري وفوقية اليهود على باقي المواطنين، ويؤكد أن إسرائيل دولة للشعب اليهودي ووطن قومي له فقط.
أما في القسم الذي يتناول "القوة العسكرية" الإسرائيلية، فحرص نتنياهو على الإشارة إلى أهمية الحفاظ على التفوق العسكري، وكتب أنه "ستكون لدينا أفضلية نسبية على أعدائنا في المناعة الوطنية للشعب، وفي محاربينا الذين تنبض فيهم روح الصهيونية ويتوقف عليهم مصير المعركة (...) سوف ننتصر بمزيج من القدرات التكنولوجية والعملياتية والتفوق الجوي والاستخباري، والاعتراف بأن أولئك الذين لا يرغبون في القتال من أجل وجودهم لن يبقوا على قيد الحياة".
وتشهد الأشهر الأخيرة جدلاً كبيراً من قبل المستوى الأمني الإسرائيلي بشأن كفاءة جيش الاحتلال الذي تأثر بخطة التعديلات القضائية، إذ رفض عدد كبير من جنود جيش الاحتياط، في سلاح الجو ومختلف الوحدات، الامتثال للخدمة العسكرية والتطوع في الجيش.
وأشار نتنياهو في الوثيقة إلى تحالفات إسرائيل الدولية، على رأسها "في المقام الأول التحالف الاستراتيجي والقيمي (المبني على قيم مشتركة) مع الولايات المتحدة" الذي يرى أنه "سيساعد إسرائيل بالفعل في أوقات الحرب"، لكنه يشدد على ضرورة أن تكون إسرائيل مستعدة دائماً لـ"الدفاع عن نفسها".
وجاء في الوثيقة أنه "خلال الفترات الزمنية التي ستكون بين الحروب، سنعمل على إلحاق الضرر بعمليات بناء قوة العدو (...) لا يمكننا أن نسمح لقوة عدونا بتجاوز عتبة لا رجعة فيها"، في إشارة منه الى توجيه ضربات استباقية.
وتنص المسودة أيضاً أن "على الجيش الإسرائيلي التغلّب على القوة العسكرية للعدو بصورة واضحة وبسرعة، من أجل إبعاد الضرر عن الجبهة الداخلية، ومنع العدو من تحقيق إنجازات مهمّة، مثل احتلال بلدات قريبة من الحدود (...) هزيمة العدو ستتحقق عندما يتم سلبه رغبته في مواصلة القتال، وعندما تتضرر قدرته على الصمود بشكل كبير. بهذه الطريقة سنتجنب الحرب المقبلة".
كما تؤكد الوثيقة رغبة إسرائيل في السيطرة على "كامل المنطقة غرب نهر الأردن، ومحافظتها على حرية عملياتها في هذه المنطقة، بما يتوافق مع الاحتياجات الأمنية".