واشنطن و"طوفان الأقصى".. من لغة الردع إلى التلويح بالتدخل

15 أكتوبر 2023
تستمرّ الاستعدادات الإسرائيلية لاجتياح قطاع غزة (آريس ماسينيس/ فرانس برس)
+ الخط -

بعد مرور أسبوع على "طوفان الأقصى"، تعيد واشنطن النظر في حساباتها، بحيث توفر المزيد من الدعم والتغطية لقرار إسرائيل باجتياح غزة وتداعياته.

في البداية، كان التصور بأنّ إرسالها لحاملة طائرات مع طاقمها إلى مقربة من ساحة العمليات، يكفي لردع الآخرين ومنعهم من فتح جبهات أخرى تربك حرب إسرائيل على غزة. وكان الاعتقاد بأنّ الرسالة وصلت، لكن قرار البنتاغون في وقت متأخر السبت بإرسال حاملة طائرات ثانية، بدا وكأن الرسالة لم تكن كافية، أو الأهم، أنّ المهمة قد تتحول من الردع إلى التدخل المباشر إذا لزم الأمر.

مضاعفة القوة البحرية بهذه السرعة وعشية بدء الاجتياح المتوقع "في غضون 24 إلى 48 ساعة"، عزّز هذا الاحتمال. ترافق ذلك مع تزايد الحديث عن عملية عسكرية برية دموية وتدميرية هائلة، ثمة من لا يستبعد أن تكون من صنف عملية "القضاء التام"، وهو تعبير ردّده المسؤولون الإسرائيليون، حسب المحلل بروس هوفمان في مجلس العلاقات الخارجية، كذلك فإنه تردّد من باب التمني أو المطالبة بترجمته، في أوساط كتّاب رأي، ووسائل التواصل، وبعض التقارير والمنصات المعروفة بمعاداتها للفلسطينيين.

وإذا وصلت الأمور إلى مثل هذا الحدّ "فقد تدفع بقوى أخرى مثل "حزب الله" اللبناني، إلى الدخول على الخط لتخفيف الضغط عن غزة"، وفق قراءة هوفمان. وهذا سيناريو تحدثت عنه قراءات أميركية من البداية، وازداد استحضاره في الأيام الأخيرة بعد تصاعد حدة المناوشات، وتزايد الحشود العسكرية الإسرائيلية على الحدود مع لبنان.

في الأيام الأولى، كان الترجيح يميل نحو استبعاد الانفجار على هذه الجبهة، من باب أن "إيران ليست في وارد مواجهة من هذا العيار في الوقت الراهن"، وفق المحلل ديفيد إغناتيوس المقرب من دوائر القرار. تقديره يلتقي مع ما خلص إليه تقرير استخباراتي أميركي صدر في فبراير/ شباط الماضي، لناحية أن "إسرائيل وحزب الله يكتفيان باستعراض القوة، ويحرصان على تجنّب التصعيد"، لكن المعطيات تبدّلت، وبالتالي من المفترض أن تتبدّل قواعد اللعبة.

"طوفان الأقصى" يندرج في خانة التطور "ذي الغرض الاستراتيجي"، أكثر منه عمليةً عسكرية قد تبدو "بتوقيتها وكأنها جاءت بدافع التخريب على إمكانية التطبيع الإسرائيلي السعودي"، كما يقول ريتشارد هاس، الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي. وعليه، فقد صارت دينامية اللحظة الراهنة محكومة بهذا التحول الذي أدى إليه "إخفاق نظامي الردع والدفاع في إسرائيل"، حسب هاس.

تشخيص تقاطعت عنده القراءات الأميركية لهذا الفشل "المزلزل" الذي ما زال حديث الساعة وحتى إشعار آخر، وقد أثار مخاوف أميركية جدّية من زاوية أنه قد يكون انعكاساً لوضع إسرائيلي معطوب سياسياً وأمنياً، ساهم فيه التمادي في "الغطرسة"، بتعبير السفير الأميركي السابق في إسرائيل مارتن إنديك.

وربما كان التخوف من هذه الأعطاب إحدى حيثيات قرار إرسال حاملات الطائرات، كما قد يكون وراء التأخير في بدء الاجتياح الذي توعدت به إسرائيل منذ منتصف الأسبوع الماضي، والذي تأجل بدواعٍ راوحت بين استكمال الاستعدادات العسكرية، والسعي لإيجاد مخرج للمدنيين من شمال القطاع قبل دخول القوات الإسرائيلية.

الأسئلة كثيرة والغموض أكبر. الواضح أن الإدارة ضمنت لإسرائيل الوقت والفرصة للاجتياح. وزارة الخارجية عمّمت على دبلوماسييها الابتعاد عن ذكر موضوع وقف النار. العارفون بحقائق المشكلة يحذرون من التداعيات، مع الدعوة إلى العودة إلى الدبلوماسية رغم طغيان خطاب الانتقام، وذلك في ظل مجلس أمن معطّل، وتجاهل لموضوع الحصار الكامل الذي حُيِّد تحت لافتة "حق إسرائيل في الرد دفاعاً عن شعبها، وكي لا يتكرر ما جرى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول".

وسط هيمنة لغة الحرب وانتعاش احتمال تعدد جبهاتها، يجري التحذير من انهيار الضوابط والتفاهمات الضمنية التي كان معمولاً بها قبل السابع من أكتوبر، وبالذات على جبهة جنوب لبنان، وربما "غيرها وأبعد منها". عندئذ، ومع انفلات الأمور، لا يُستبعد انفتاح باب المواجهات الكبيرة، أي مع إيران، كمدخل لوقف الحروب الفرعية إذا تعذرت هزيمتها ميدانياً، بحسب هوفمان. فالحرب التي بدأت بغزو إسرائيل وباجتياح متوقع لغزة، مع تلويح واشنطن بالتدخل المباشر، صار مآلها "يحتمل أي تخمين".

المساهمون