واشنطن تعلق الأصول الأفغانية وتحقيق جمهوري في الانسحاب من أفغانستان

16 اغسطس 2022
احتفالات طالبان في الذكرى الأولى منذ استيلائها على الحكم في أفغانستان (Getty)
+ الخط -

قالت صحيفة "وول ستريت جورنال"، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قررت عدم الإفراج عن قرابة 7 مليارات دولار من الأصول الخارجية التي يحتفظ بها البنك المركزي الأفغاني على الأراضي الأميركية، كما قررت تعليق المحادثات مع حركة طالبان فيما يتعلق بهذه الأموال المجمدة، بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة في العاصمة الأفغانية كابول.

يأتي ذلك فيما يستعد النواب الجمهوريون بمجلس النواب الأميركي لنشر تقرير حول قرار انسحاب إدارة بايدن من أفغانستان و"التداعيات الفوضوية" التي أدى إليها هذا القرار، خصوصاً فرار قوات النخبة في الجيش الأفغاني إلى إيران.

وحسب الصحيفة فإن قرار تعليق تقديم الأصول يعكس أنه لا توجد أية مؤشرات تقدم في المحادثات بين واشنطن وحركة طالبان، والذي يمثل ضربة لآمال الإنعاش الاقتصادي في أفغانستان حيث يواجه ملايين الأشخاص المجاعة بعد عام من حكم الجماعة لهذا البلد.

وأضافت الصحيفة أن هجوم طائرة أميركية دون طيار الذي قتل خلاله زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في وقت سابق هذا الشهر، يعكس انقسامات عميقة في صفوف الحركة، ويعزز مخاوف الغرب حول تجدد الإرهاب الدولي الذي نشأ في أفغانستان.

وكان الظواهري يقطن مع عائلته في قلب العاصمة الأفغانية بجوار منزل ضيافة لوزير الداخلية في حكومة طالبان سراج الدين حقاني.

وعقب الضربة التي قتلت الظواهري، علقت الولايات المتحدة الأميركية مع مسؤولين بنكيين من طالبان، واستبعدت الإفراج عن بعض الأموال لاستعمالها كمساعدات أو عمليات أخرى لإحداث استقرار في الاقتصاد الأفغاني، بعد أن تم اقتراح أن يكون ذلك خياراً.

ويحتاج البنك المركزي الأفغاني هذه الأموال لمواصلة تشغيل الوظائف الأساسية التي تهدف لإيقاف التضخم وتحقيق استقرار في سعر الصرف وإنعاش الاقتصاد المتعطل.

وقال المبعوث الأميركي لأفغانستان توم ويست، في تصريح لصحيفة "وول ستريت جورنال"، "لا نرى إعادة رسملة البنك المركزي الأفغاني كخيار على المدى قريب".

وأضافت الصحيفة أن ويست قام على امتداد أشهر بالاستعانة بمسؤولين بنكيين قبل أن يتوصل للاستنتاج التالي "ليس لدينا الثقة بأن لدى هذه المؤسسة الضمانات اللازمة والرقابة الضرورية للتصرف في هذه الأصول بصفة مسؤولة.. ولا داعي للقول إن توفير طالبان مأوى لزعيم القاعدة يعزز المخاوف بشأن تحويل أموال لجماعات إرهابية".

وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة تبقى أكثر دولة مانحة لأفغانستان مع الأموال التي توزع عبر المنظمات الدولية ومجموعات الإغاثة.

وكانت إدارة بايدن قد صرحت سابقاً أنها تدرس الإفراج عن نصف مبلغ الـ 7 مليارات دولار لفائدة الشعب الأفغاني، وأن تحتفظ بباقي المبلغ لما بعد التقاضي في تعويضات ضحايا هجوم 11 سبتمبر.

وقالت الصحيفة إن البيت الأبيض كان يدرس استخدام مبلغ 3.5 مليارات دولار لدفع تكاليف المساعدات الإنسانية وضخ الأموال في البنك المركزي الأفغاني المتعطل، وذلك بشرط أن يضمن كيفية استخدام هذه الأموال.

وأضافت الصحيفة أن كلا الخيارين خارج الطاولة حالياً.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض إن الإدارة واصلت إجراء محادثات طويلة الأمد مع دول أخرى لتأسيس صندوق لإدارة الاحتياطات لفائدة الشعب الأفغاني، قائلة "لا تغيير في مقاربتنا والتي كانت دائماً قائمة على إيجاد طريقة لإفادة الشعب الأفغاني بهذه الأموال، لا تحقيق الفائدة لصالح طالبان".

عواقب مأساوية

وقال عضو البنك المركزي الأفغاني شاه محرابي، الذي عين في وقت سقوط الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة، إن قرار واشنطن بالاحتفاظ بالأموال على أراضيها، سيتسبب في مآسٍ حقيقة للشعب الأفغاني.

 وأضاف محرابي، والذي يعمل أيضاً أستاذاً في الاقتصاد في جامعة مونتيغومري بميريلاند، قائلاً "إن النساء والأطفال الفقراء لن يستطيعوا شراء الخبز والضروريات الأساسية الأخرى للعيش، والبلد سيواصل الاعتماد على المساعدات الإنسانية وهذا ليس حلاً، هذه الأموال ملك للبنك المركزي ويجب أن تستخدم في السياسات النقدية".

وقالت الصحيفة إن النكسة التي تعرفها العلاقات بين حكام أفغانستان الجدد المتمثلين في طالبان والغرب ميّزت عاماً منذ أن عادت للسلطة بعد الانقلاب على الحكومة المدعومة أميركياً في كابول.

وأشارت الصحيفة إلى أنه بالرغم من الآمال التي كانت معلقة على تغيير حركة طالبان، فإن الحركة قامت بتبني سياسات قامت بعزلها عندما كانت في السلطة منذ 20 سنة مضت، وتشمل هذه السياسات منع الفتيات من الذهاب إلى المدرسة بعد الصف السادس وإبعاد النساء عن معظم الوظائف الحكومية ومنع النساء من السفر دون مرافق.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إنه لا توجد ارتباطات مخططة بين واشنطن وطالبان في مسائل أخرى ذات اهتمام مشترك.

وأضافت أن من بين هذه المسائل مطالبة واشنطن بإطلاق سراح المهندس المدني الأميركي مارك فريريتش، الذي تحتجزه الحركة منذ أكثر من عامين، وفي المقابل، تطالب طالبان بإطلاق سراح بشير نورزاي، أحد أباطرة تجارة المخدرات في أفغانستان، الذي تربطه علاقات وثيقة بالحركة، والذي يقضي حالياً عقوبة السجن مدى الحياة في الولايات المتحدة لمحاولته تهريب هيرويين بقيمة 50 مليون دولار إلى البلاد.

وأشارت الصحيفة أن طالبان تحرص على تحقيق الاعتراف الدولي، ورفع العقوبات والإفراج عن مليارات الدولارات من أصول البنك المركزي اللازمة لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد.

فالتضخم يرتفع والنظام البنكي متعثر، والشركات الأجنبية تتجنب التعامل مع أفغانستان على نطاق واسع خوفاً من التعارض مع العقوبات الدولية التي تستهدف قيادة طالبان.

وحذرت الأمم المتحدة من أن أكثر من 90 في المائة من الشعب الأفغاني يفتقرون للغذاء الكافي، وأكثر من نصف الأفغان معرضون للجوع الحاد.

وقالت الصحيفة إنه منذ الانسحاب العام الماضي اتخذت الولايات المتحدة بعض الخطوات لمعالجة حالة الطوارئ الإنسانية الكارثية في أفغانستان. وهي لا تزال أكبر مزود للمساعدات، إذ تعهدت بتقديم أكثر من 774 مليون دولار للبلاد خلال العام الماضي.

وأضافت أنه منذ استيلائها على السلطة بالقوة في آب/ أغسطس 2021، اتبعت طالبان سياسات لفرض نسخة متطرفة من الحكم الإسلامي، مثل القيود القاسية على النساء، بينما كانت تحاول إقامة علاقات ودية مع واشنطن والحكومات الأخرى التي قاتلت جيوشها ذات مرة.

ونقلت الصحيفة عن الخبير الأفغاني في مجموعة الأزمات الدولية إبراهيم بحيس قوله إن "هناك مستوى من الفهم بأن المواجهة مع القاعدة، خاصة إذا لم يكن وراءها مبرر جيد، قد تؤدي إلى تفتيت حركة طالبان، وهذا ما يمنع اتخاذ أي إجراء قوي ضد القاعدة.. إذا اختارت القاعدة قائداً جديداً خارج أفغانستان، فقد تتنفس طالبان الصعداء".

وفي أعقاب الهجوم، اندلعت احتجاجات متفرقة مناهضة لأميركا في أجزاء من البلاد، وكان رد فعل طالبان الرسمي عند وصوله صامتاً. وفي بيان صدر بعد اجتماع طارئ لقادة طالبان في مدينة قندهار الجنوبية، قالت الحركة إنها لم تكن على علم بوجود الظواهري في البلاد وستحقق فيما إذا كان قد قُتل في الغارة.

وأضافت الحركة في بيان لها "لا يوجد تهديد لأي دولة، بما في ذلك أميركا، من أراضي أفغانستان".

تحقيقات حول الانسحاب

في نفس السياق، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" إن تقريراً، من المحتمل نشره خلال هذا الأسبوع بمناسبة العام الأول لاستيلاء طالبان على كابول، حول قرار إدارة جو بايدن الانسحاب من أفغانستان، من الممكن أن يشكل خريطة طريق للتحقيقات المستقبلية إذا ما تمكن الحزب الجمهوري من استعادة الأغلبية في مجلس النواب خلال انتخابات التجديد النصفي، حسب كبار الجمهوريين في لجنة السياسة الخارجية بمجلس النواب الأميركي الذين قادوا هذا التحقيق.

وقالت الصحيفة إن مسودة التقرير التي تتكون من أكثر من 100 صفحة لم تكشف معلومات جديدة حول الانسحاب، بل إنها تطرح أسئلة أكدت قيادة الحزب الجمهوري أن وزارة الخارجية لم تجب عليها.

وقال النائب الجمهوري عن ولاية تكساس والعضو البارز في لجنة السياسة الخارجية بمجلس النواب الأميركي مايكل ماكول "إذا ما حصل الجمهوريون على الأغلبية في الكونغرس، فسيكون التحقيق في قرار إدارة بايدن الانسحاب وما نتج عنه من فوضى وقتل على رأس قائمة المهام الخاصة بي".

ونقلت الصحيفة عن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي أن بايدن أمضى على إجراء قانوني بأحداث لجنة مستقلة للتحقيق في حرب أفغانستان بكاملها، بما في ذلك الانسحاب والإجلاء، مضيفاً أن البيت الأبيض خطط للطوارئ قبل سقوط كابول، ولكن الحكومة الأفغانية انهارت بسرعة.

واستندت مسودة تحقيق الجمهوريين إلى معلومات من مصادر مفتوحة ومقابلات مع مشاركين حكوميين وغير حكوميين في عمليات الإجلاء، كما استندت إلى شهادات ممن وصفهم التحقيق بـ"مبلغين مجهولين".

وبالرغم من انتقادات الجمهوريين بشأن عدم رد وزارة الخارجية على أسئلتهم، إلا أن متحدثاً باسم وزارة الخارجية الأميركية قال إن إدارة بايدن قدمت أكثر من 150 إحاطة للكونغرس خلال العام الماضي وإن كبار مسؤولي الوزارة قدموا شهاداتهم حول الانسحاب في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب.

وأشارت الصحيفة إلى أن الحجج الرئيسية التي تشير إليها مسودة التقرير هي أن إدارة بايدن لم تساعد في إجلاء قوات الكوموندوز التابعة للجيش الأفغاني ذات المعرفة الواسعة بالعمليات العسكرية الأميركية، مما أدى إلى فرار العديد منهم إلى إيران.

وحسب الصحيفة فإن النائب الجمهوري ماكول أعلن عن الانتهاء من كتابة التقرير يوم الأحد الماضي، ولكن الوثيقة لم تنشر علناً بعد.

وأضافت الصحيفة أن البيت الأبيض أصدر مذكرة رداً على هذا التقرير يدافع فيه عن تصرفات الإدارة، والتي جاء فيها أن تقرير الجمهوريين "مليء بالتوصيفات غير الدقيقة، والمعلومات المنتقاة بعناية، والادعاءات الكاذبة".

وأشارت الصحيفة إلى أنّ المذكرة ألقت باللوم على اتفاق ترامب مع طالبان، والذي حدد خلاله موعداً نهائياً لانسحاب الولايات المتحدة طالما أن الجماعة لم توفر مأوى للإرهابيين أو تهاجم أفراداً أميركيين.

وأضافت أن البيت الأبيض قال إن بايدن كان يمكن أن يختار إما تكثيف العمليات في أفغانستان أو سحب قواته، وإن مغادرة البلاد كانت القرار الحكيم.

المساهمون