"هيومن رايتس ووتش": المحاكمات السياسية في تونس شبيهة بفترة حكم بن علي

18 يناير 2023
"هيومن رايتس ووتش": قيس سعيّد أعاق التحول الديمقراطي في البلاد (Getty)
+ الخط -

وصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في بيان لها، أمس الثلاثاء، المحاكمات السياسية في تونس بأنها شبيهة بالمحاكمات في فترة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، موضحةً أن الشرطة تمنع جمعيات ونشطاء حقوق الإنسان من التجمع، لكنهم غالباً ما كانوا يتجمعون قبالة المحكمة الابتدائية في العاصمة تونس. 

وكانت المحاكمات، بحسب المنظمة، "مشهداً نادراً لم يتحقق منذ الثورة التي أسقطت بن علي في عام 2011، حيث التحق نشطاء ومحامون وسجناء سياسيون سابقون من تلك الفترة برفاق أصغر منهم سنّاً، تضامناً مع محامي حقوق الإنسان عياشي الهمامي (63 عاماً)، الذي كان يمثل أمام المحكمة صباح 10 يناير/ كانون الثاني".

وأكدت المنظمة أنه "رغم القمع المتزايد منذ استحواذ الرئيس قيس سعيّد على السلطة في 25 يوليو/ تموز من عام 2021، ما زال المجتمع المدني في تونس اليوم أكثر حرية مما كان عليه في عهد بن علي، الذي خُلع في يناير/ كانون الثاني من عام 2011، بعد أكثر من 20 عاماً في السلطة. لكن في 10 يناير/ كانون الثاني، تسببت قضيّة سياسية ضدّ ناشط حقوقي مخضرم بإعادة الحشد الحقوقي إلى الرصيف نفسه مقابل المحكمة".

وجاء في البيان: "الهمامي يواجه تُهماً بسبب مقابلة إذاعية أجراها في 29 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2022، بصفته منسقاً لـ(هيئة الدفاع عن القضاة المعزولين)، وندّد فيها بجهود الرئيس سعيّد لتقويض استقلالية القضاء. وفي مطلع يونيو/ حزيران 2022، أصدر سعيّد مرسوماً منح بموجبه نفسه صلاحية إقالة القضاة، وفي اليوم نفسه استخدمه لإقالة 57 قاضياً. كما اتهم الهمامي وزيرة العدل ليلى جفال بـ(ارتكاب جريمة) لأنها رفضت تنفيذ حُكم صادر عن المحكمة الإدارية يقضي بإعادة معظم القضاة إلى مناصبهم و(فبركة) ملفات جنائية ضدّهم".

وأشارت المنظمة إلى أنّ "التهمة الموجهة إلى الهمامي تستند إلى القانون عدد 54، الصادر في شكل مرسوم عن الرئيس سعيّد في سبتمبر/أيلول الماضي، واتُهم الهمامي بموجب الفصل 24 بنشر أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام". وأوضح البيان أن "الهمامي، الذي تُرك في حالة سراح مؤقت، قد يواجه السَّجن عشر سنوات".

وأشار البيان إلى أنه "في الأشهر الأخيرة، رُفعت دعاوى جنائية ضدّ العديد من الشخصيات السياسية ووسائل الإعلام لانتقادها الرئيس وحكومته".

وقالت المنظمة الحقوقية إنه "في يوم 10 يناير/ كانون الثاني 2022، في غرفة قاضي التحقيق، تناوب 22 محامياً على الترافع، قائلين إن الهمامي لم يمارس سوى حقه في حرية التعبير للدفاع عن استقلالية القضاء (...) على القاضي أن يقرّر الآن ما إذا كان سيحيل الهمامي إلى المحاكمة". وأضاف البيان أنه "عندما فرغ محامو الدفاع من مرافعاتهم في وقت متأخر من ظهر ذلك اليوم، كانت الحشود على الرصيف المقابل للمحكمة قد تفرّقت، لكن يبدو أن روّاد حقوق الإنسان الذين ظهروا متآزرين في ذلك الصباح، مصمّمون على العودة".

وكانت المنظمة قد قالت، في تقريرها السنوي الصادر في 12 يناير/ كانون الثاني، إنّ "الانتهاكات الحقوقية الجسيمة في تونس تستمر في عام 2022، وشملت هذه الانتهاكات القيود على حرية التعبير والعنف ضد النساء والقيود التعسفية بموجب قانون حالة الطوارئ التونسي، واتخذت السلطات مجموعة من الإجراءات القمعية ضد المعارضين والمنتقدين والشخصيات السياسية، بما يشمل إجبارهم على عدم تغيير إقامتهم، وإخضاعهم لمنع السفر ومحاكمتهم (أحياناً في محاكم عسكرية) لانتقادهم العلني الرئيس أو القوات الأمنية أو مسؤولين آخرين".

وقالت المنظمة الحقوقية إنّ سعيّد "استحوذ على السلطة في يوليو/ تموز من عام 2021، وأضعف المؤسسات الحكومية المصمَّمة لتشكل ضوابط على السلطات الرئاسية، وأعاق التحول الديمقراطي في البلاد".

المتحدثة باسم جبهة الخلاص الوطني شيماء عيسى تمثل الخميس أمام القضاء 

في الأثناء، أكدت القيادية في جبهة الخلاص الوطني المعارضة شيماء عيسى أنها تلقت، اليوم الأربعاء، استدعاءً من فرقة مكافحة الإجرام في بن عروس، ضواحي تونس، للمثول أمامها غداً الخميس، على خلفية تصريحات إعلامية سابقة لم تتعرف إلى محتواها ولا تعلم بعد السبب الحقيقي وراء دعوتها للتحقيق والتهمة الموجهة إليها.

وبينت عيسى لـ"العربي الجديد"، أنّ "صفحات وشخصيات قريبة من الرئيس سعيّد ومساندة له نشرت منذ أيام أنه سيُفتَح بحث تحقيقي على خلفية تصريحاتي، وعلى معنى الأمر 54، وبالتالي فلا يمكن أن تكون سوى محاكمة سياسية على الأرجح".

ولفتت عيسى إلى أن هيئة دفاع "تشكلت وستطلع على ملف القضية وستفيدني بمحتوى البحث وخلفياته".

من جهتها، قالت جبهة الخلاص إن السلطة تشن "حملة ضد القيادات السياسية وقادة الرأي العام بغرض تكميم الأصوات الحرة وحمل المواطنين على القبول بالأمر الواقع الذي أرساه انقلاب 25 يوليو 2021".

واستنكرت الجبهة، في بيان، "حملة القمع التي تشنها السلطة على المعارضة، وتعدها تعدياً صارخاً على حرية التفكير والتعبير ودوساً للحريات والحقوق المكفولة بالدستور والقانون والمواثيق الدولية ذات الصلة، والمصادق عليها من قبل الحكومة التونسية". 

ودعت الجبهة "كافة القوى الديمقراطية إلى التعبير عن استنكارها لهذه الحملة ووقوفها إلى جانب السيدة شيماء عيسى، كما تقرر تنظيم وقفة تضامنية مع السيدة شيماء عيسى أمام مقر فرقة مكافحة الإجرام ببن عروس الكائن بشارع البيئة قبالة الصيدلية المركزية".

من جهتها، ذكرت المحامية دليلة مبارك مصدق، على حسابها في "فيسبوك"، أنه تمت دعوة عيسى على معنى المرسوم 54 بدعوى من وزيرة العدل ليلى جفال بسبب مواقفها.

ونشر القيادي في جبهة الخلاص جوهر بن مبارك تدوينة على صفحته في "فيسبوك"، قال فيها إنّ "شيماء عيسى تدفع ضريبة الكلمة الحرّة، أعرف جيّداً أنّها مستعدّة لذلك وحاضرة لمواجهة القمع".

وأصدر الرئيس التونسي قيس سعيّد المرسوم 54، الخاص بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، العام الماضي، وسط تنديد ورفض حقوقي وسياسي غير مسبوق لما اعتبروه ضرباً للحريات العامة وحرية التعبير، وسيفاً مسلطاً على المعارضين، بحسب تعبيرهم.

وشهدت عيسى تضامن ومساندة نشطاء وحقوقيين منددين بتعرضها لمضايقات بسبب مواقفها السياسية ومعارضتها للسلطة.

إلى ذلك، قدمت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي قضية ضد عيسى وعدد من قيادات جبهة الخلاص، منهم أحمد نجيب الشابي وجوهر بن مبارك ورضا بلحاج ورئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي، وجّهت لهم فيها تهم إيواء وتمويل الإرهاب والاحتفاظ بجمعية غير مرخص لها.