هل ينقذ بنكيران "العدالة والتنمية" المغربي بعد عودته إلى قيادة الحزب؟

31 أكتوبر 2021
مهمة عصيبة تنتظر بنكيران على رأس الحزب (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -

"ليس للقيادة الجديدة مصلحة في تصفية الحسابات"، "اليوم هو يوم المستقبل يجب أن نكون يداً واحدة"، "سنعود لتحقيق الانتصارات، لكن يجب أن نبقى في الساحة"، بهذه العبارات مهّد رئيس الحكومة المغربية السابق، عبد الإله بنكيران، لعودته الرسمية إلى قيادة حزب "العدالة والتنمية"، بعد دقائق من تمكنه مساء السبت، من الظفر بمنصب الأمين العام للحزب، في مؤتمر استثنائي فرضه الاندحار الانتخابي للإسلاميين في انتخابات الثامن من سبتمبر/أيلول الماضي.
ولم تكن عودة بنكيران إلى قيادة الحزب ذي التوجه الإسلامي، بعد ما يقارب خمس سنوات على انسحابه من المشهد السياسي، مفاجئة لقطاع واسع من مناضلي الحزب، الذين كانوا يرون أن تلك العودة إلى الأمانة العامة، قد تكون عاملاً مهماً في إنقاذ الحزب ووقف خطر الانهيار الشامل وإعادة البناء، لاعتقادهم أنه الوحيد القادر على إعادة تجميع "العدالة والتنمية" وهيئاته، وتجاوز الأزمة الداخلية التي يعيشها منذ هزيمته المدوية في الانتخابات العامة.
بدأ بنكيران، الذي أبصر النور في 2 إبريل/نيسان 1954 بحيّ العكاري الشعبي بالعاصمة المغربية الرباط، نشاطه السياسي من بوابة اليسار، حينما انخرط في حزب "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" الذي تحول فيما بعد إلى "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية". غير أن نقطة التحول في مساره كانت عام 1976 حين انضم إلى "الشبيبة الإسلامية" التي كانت تعتبر آنذاك من أشد التنظيمات الإسلامية راديكالية في المغرب.
انتماء بنكيران إلى "الشبيبة الإسلامية" لم يعمَّر طويلاً، إذ انسحب في عام 1981 احتجاجاً على تبني مرشد التنظيم عبد الكريم مطيع للعنف في مواجهة السلطات، وكذلك تبنيه لخيار انفصال الصحراء عن المغرب، ليقرر تأسيس "جمعية الجماعة الإسلامية" بمعية سعد الدين العثماني ومحمد يتيم وآخرين، ومن بعدها "حركة الإصلاح والتجديد" التي تبنت أفكاراً أكثر اعتدالاً تجاه نظام الحكم الملكي وإمارة المؤمنين، مكنتها من استقطاب مناصرين جدد وإطلاق حوار مع مكونات إسلامية أخرى بغية "توحيد الصفوف"، من خلال اندماج "رابطة المستقبل الإسلامي" بقيادة الشيخ أحمد الريسوني وجمعية "الشروق الإسلامية" وجمعية "الدعوة الإسلامية" في عام 1996 في "حركة الإصلاح والتوحيد"، التي انفتحت على العمل السياسي من داخل المؤسسات من بوابة حزب "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية" الذي تحول اسمه إلى "العدالة والتنمية".
وعلى امتداد ما يقارب 25 سنة من الانتماء إلى "العدالة والتنمية"، تمكن بنكيران من ترك بصمته على الحزب، بعد أن قاده إلى قيادة الحكومة المغربية لمرتين متتاليتين بعد الانتخابات البرلمانية في 2011، وانتخابات 2016، في سابقة بتاريخ المغرب الحديث.

وطوال قيادته للحزب وللحكومة، كان بنكيران محط جدل بين مناصريه الذين كانوا يرون فيه "كائناً استثنائياً"، سواء على مستوى الخطاب والتواصل أو على مستوى المواجهة أو حتى على مستوى قدرته على استيعاب المحيطين به واحتوائهم، وبين خصومه السياسيين، الذين كانوا يصفونه بأنه "وحش سياسي" يستخدم الدين في السياسة وبكونه "شعبوياً"، وفشل في توظيف الفرص التي منحها دستور "الربيع العربي" للطبقة السياسية، وفي محاربة الفساد.


عرف عن الرجل، خلال تقلده رئاسة الحكومة المغربية، تشبثه بقاعدة ذهبية تبنى على "الحفاظ على الاستقرار والملكية والمطالبة القوية بالإصلاح"، ما مكنه من التوفيق إلى حد بعيد بين التقارب مع العاهل المغربي، الملك محمد السادس، وبين كسب أصوات جزء مهم من الشارع. كذلك مكنته قوته في المواجهة بدل استراتيجية البحث عن التوافقات التي جسدتها قيادة سلفه سعد الدين العثماني، من رد كل محاولات استهداف الحزب من قبل خصومه.

مرحلة صعبة

عاش بنكيران في مساره السياسي لحظات صعبة، كانت أشدها قسوة مرحلة الانسداد التي رافقت تشكيل الحكومة التي كان يقودها قبل أن يعفيه الملك محمد السادس، ويصل خلفاً له العثماني في 2017، حيث وجد نفسه وحيداً منزوياً في بيته، بعد أن تخلى عنه إخوانه في تيار "الاستوزار" الذي قاده العثماني ووزراء الحزب، وإثر تزايد الهوة معهم في المؤتمر الوطني الثامن لـ"العدالة والتنمية"، وكذا جراء الخلافات الحادة مع قيادات حزبه التي كانت تعتبر تصريحاته مسيئة إليها، ومسيئة كذلك إلى شركاء الحزب في الحكومة والأغلبية البرلمانية السابقة.

وإن كان بنكيران لم يضع نقطة نهاية لمساره السياسي داخل الحزب، رغم ما عاشه، إلا أنه كان شديد الحرص على الظهور والتدخل كلما كان "العدالة والتنمية" في مأزق سياسي، بلفت انتباه إخوانه، وإعادة خلق نوع من التوازن السياسي، والرد على الخصوم.
وبانتخابه للمرة الثالثة على رأس الحزب الإسلامي، يواجه بنكيران امتحاناً جديداً بشأن إدارته لـ"المرحلة الصعبة" في تاريخ الحزب، وإعادة ترتيب أوراقه حفاظاً على مستقبله ووحدته، وتجاوز تداعيات ما يعيشه من أزمة تفرض عليه كأمين عام لكل مناضلي الحزب أن يكون رجل توافقات، وأن يمتلك القدرة على تدبير المرحلة الانتقالية وإجراء تقييم حقيقي وشامل لمسار الحزب والخروج بخلاصات تمكن من إطلاق دورة جديدة.
صحيح أن أستاذ مادة الفيزياء التي درسها في المدرسة العليا للأساتذة بالرباط، قد خبر تفاصيل فيزياء السياسة بالمغرب ومعادلاتها، بيد أن الحزب الذي ترك قيادته في عام 2017 لم يعد كما كان، بعد أن فقد الكثير من تجانسه وشعبيته وصدقيته، فهل يستطيع بنكيران إنقاذ الحزب بعد عودته إلى قيادته؟