هل ينقذ "الدعم الدولي" النظام المصري من تحديات الداخل؟

03 يوليو 2023
يعيش المصريون ظروفاً معيشية قاسية (فاضل داود/Getty)
+ الخط -

مع قرب انقضاء السنوات العشر الأولى من حكمه، وحلول موعد الاستحقاق الرئاسي الجديد في إبريل/ نيسان من العام المقبل، بدا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مطمئناً أكثر لوضعه على الساحة الدولية، عكس ما كان في بداية حكمه.

دولياً، حصل السيسي أخيراً على اعتراف أميركا (الحليف الأقوى لمصر)، وتجاوز ذلك إلى مرحلة الدعم "شبه المطلق"، الذي تجسد في تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي استعار تعبير السيسي الشهير "أم الدنيا"، ليؤكد أنه "يليق بمصر"، وكان ذلك في قمة المناخ السابقة بمصر في ديسمبر/ كانون الأول 2022، وهو ما أرجعه مراقبون إلى الحاجة التي تقضيها مصلحة واشنطن في التعامل مع القاهرة، خصوصاً في مجال "مكافحة الإرهاب" و"الحفاظ على الأمن في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل"، كما يحلو للإدارة الأميركية وصفه.

أوروبياً، أصبح السيسي يتمتع بدعم سياسي قوي من دول "القارة العجوز"، ساهم في تكوينه قدرته على فهم احتياجات الغرب من المنطقة العربية، خصوصاً الشمال الأفريقي، والمتركزة في ملف "الأمن" بمفهومه الأوسع، سواء المرتبط بالأمن الداخلي والحد من الهجرة، أو "أمن الطاقة" الذي صار مهدداً بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وتساهم في الحفاظ عليه مصر، باعتبارها ناقلاً جديداً للغاز الطبيعي، وذلك إضافة إلى صفقات السلاح الضخمة التي عقدها النظام المصري مع كثير من دول القارة، واستخدمها أيضاً كورقة لعب لكسب رضا الغرب.

حاجة تركيا ومصر بعضهما لبعض

تركيا كانت من أشد دول العالم معارضة للنظام المصري، لكن الوضع اختلف الآن أيضاً، مع تقارب واضح بين القاهرة وأنقرة، أرجعه محللون إلى حاجة كل طرف إلى الآخر، وخصوصاً أن هناك مجالات واسعة مفترضة للتعاون المشترك الذي يحقق مصالح الطرفين، أولها موضوع "غاز المتوسط". خليجياً، يرى مراقبون أن القضايا الاستراتيجية الكبرى المتفق عليها بين القاهرة ودول الخليج العربي لا تزال تحظى بمكانة عالية، لا يمكن المساس بها.


بهي الدين حسن: شهدت سنوات حكم السيسي ضرباً متواصلاً لأي رموز مدنية

ولكن على الرغم من حالة "القوة" التي يتمتع بها رأس النظام المصري، على المستوى الدولي، وذلك بشهادة كثيرين، إلا أن الوضع يختلف على المستوى الداخلي في البلد، التي خفضت وكالة "موديز"، في فبراير/ شباط الماضي - للمرة الأولى منذ 10 سنوات - التصنيف الائتماني السيادي لها إلى "بي 3" (B3) من "بي 2". كما خفضت "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية، في إبريل/ نيسان الماضي، نظرتها المستقبلية من "مستقرة" إلى "سلبية"، ويعيش سكانه ظروفاً معيشية أشد قسوة من أي وقت مضى.

الحملاوي: لا دعائم للدولة الجديدة

ويقول الباحث في العلوم السياسية، عضو حركة الاشتراكيين الثوريين، حسام الحملاوي، في حديث لـ"العربي الجديد": "لا أحد يستطيع أن يتوقع إلى متى يستمر هذا الوضع، لكن الدولة الجديدة التي أسسها السيسي خاوية وليس لها دعائم".

ويضيف الحملاوي: "يمكن تسمية العشر سنوات الماضية من تاريخ مصر، بالعشرية السوداء. مصر وصلت إلى الحضيض في كل شيء، لا يوجد أي تحسن إيجابي في أي ملف من الملفات، ولم يتحقق أي مطلب من المطالب التي جمعت على أساسها حركة تمرد التواقيع في 2013. الاقتصاد في أسوأ مراحله. غلاء المعيشة في ارتفاع مستمر. الحريات منعدمة تماماً".

من جهته، يرى مدير مركز "القاهرة لحقوق الإنسان"، الحقوقي المصري بهي الدين حسن، أن الضربة الأولى بعد 30 يونيو/ حزيران 2013 كانت "قانون التظاهر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، الذي بمقتضاه بدأت السلطة الجديدة في ضرب رموز من المعارضة المدنية (الحليفة) في 30 يونيو، وبدأ القبض على رموز من أمثال من أحمد ماهر ومحمد عادل وعلاء عبد الفتاح".

ويتابع حسن، لـ"العربي الجديد": "بداية تولي السيسي لرئاسة الجمهورية، كان بمثابة الإعلان الرسمي لنهاية (تحالف 30 يونيو)، فما فعله بعد ذلك كان موجهاً لضرب "الشق المدني" من التحالف، وليس فقط جماعة الإخوان المسلمين، لأن الضربات الكبيرة التي حدثت للإخوان المسلمين تمت بالفعل في أول أشهر ما بعد 3 يوليو/ تموز".

ويضيف: "شهدت السنوات التسع التالية ضرباً متواصلاً لأي رموز مدنية، والتعامل معهم بالطريقة نفسها التي جرى التعامل بها مع الخصم الأساسي المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب توجيه اتهامات كانت أصلاً مخصصة للإخوان، مثل الانتماء لجماعة إرهابية، وأصبحت هذه التهم توجّه للشيوعيين وحتى النشطاء الأقباط".

ويتابع: "لم يقتصر الضرب على السنوات الأولى فقط، لكن في عشية افتتاح ما يسمى بالحوار الوطني مع شركاء 30 يونيو، وفي أثناء الحوار الوطني، بما في ذلك وضع أسماء إضافية على قوائم الإرهاب".


علاء الخيام: الانتخابات الرئاسية المقبلة قد تخلق "حالة حراك" في الحياة السياسية ولكن بشروط، إذا لم تتحقق فالسبيل هو المقاطعة

وعن نظرته للوضع الحالي وتوقعاته للمستقبل، يقول حسن: "اقتصادياً كما هو معروف خلال هذه الفترة وفقاً للأرقام المعلنة، الديون تضاعفت على الأقل 3 مرات، وفقد الجنيه المصري تقريباً 80 في المائة من قيمته، وارتفعت نسبة الفقر في مصر إلى 30 في المائة، إلى جانب 30 في المائة إضافية لمن هم على أبواب الفقر، وهذه المؤشرات الدولية وفقاً للبنك الدولي، ترجع لعام 2021، أي قبل الارتفاع والتضخم الهائل الذي حدث خلال العام الأخير".

ويضيف حسن أن "هناك تقزيماً كبيراً دولياً في ما يتعلق بالدور المصري، والمسؤول عنه السياسة الداخلية والخارجية للرئيس عبد الفتاح السيسي التي حولت مصر إلى دولة منهارة اقتصادياً".

السيسي أنهى فكرة الحوار الوطني

رئيس حزب الدستور السابق، عضو "الحركة المدنية الديمقراطية"، علاء الخيام يقول، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن السيسي "أنهى فكرة الحوار الوطني من أساسها، وكان ذلك في مؤتمر الشباب الأخير، عندما أعلن أنه (لا يوجد معارضة وسلطة وكلنا واحد)، وعندما تحدث عن ملف المعتقلين، الذي يعتبر بمثابة ورقة التوت التي تختبئ خلفها المعارضة المصرية وتستخدمها حجةً للمشاركة في الحوار الوطني، فالجميع شارك في الحوار الوطني بذريعة حلحلة ملف المعتقلين. السيسي أنهى هذا الموضوع تماماً عندما قال إن هذا الأمر أمن قومي ومن يسألني عليهم ربنا".

ويضيف الخيام: "أعتقد أن الحوار انتهى، وتحول إلى مكلمة. عدد المتحدثين في الجلسة الواحدة يصل لخمسين وستين متحدثاً، توجد كيانات غريبة ووهمية تشارك في الحوار، وجمعيات أهلية مجهولة لكي تظهر كثافة المشاركين وتختفي وتتوه كلمات المعارضة، فلا يوجد وجود حقيقي للمعارضة. فكرة استمرار الناس في الحوار الوطني هو خطأ كبير من المشاركين".

ويراهن الخيام على أن الانتخابات الرئاسية المقبلة، قد تخلق "حالة حراك" في الحياة السياسية المصرية، ولكن بشروط، إذا لم تتحقق فالسبيل هو "المقاطعة".

ويقول إنه "يوجد قرار داخل الحركة بعدم دعم السيسي بأي حال من الأحوال. هذا قرار واضح ومنتهٍ". ويضيف: "يعتمد قرار الحركة المدنية في النهاية على ثلاثة خيارات، إما دعم مرشح بعينه، أو ترك الحرية لأحزاب الحركة لاختيار المرشح المناسب لها، وهذا الأمر سيكون تفتيتاً للأصوات وللمجهودات وخسارة للحركة، والخيار الأخير هو مقاطعة الانتخابات من الأساس".

أما الناشط السياسي رامي شعث فيقول، لـ"العربي الجديد: "طالما الانتخابات الرئاسية تتم في ظل استمرار القمع واستمرار الاعتقالات، ومنع الصحافة والإعلام من ممارسة عملهم بحرية، وفي ظل القوانين المجحفة، والقضاة الذين يستخدمهم الجهاز التنفيذي كأداة لقمع الناس وسجنهم، فلا يوجد لدينا انتخابات حقيقية، وكل الأطراف السياسية تدرك هذا الأمر".

ويضيف شعث: "لا يوجد شخص في جمهورية مصر العربية لا يدرك أن أي انتخابات تحت هذا الحكم وبهذه الطريقة هدفها إعادة انتخاب السيسي، فالحقيقة أنه لا توجد انتخابات".