هل ينجح مشروع سوناك للالتفاف على بريكست؟

29 نوفمبر 2022
متظاهرون بريطانيون يطلبون العودة للاتحاد الأوروبي، أكتوبر الماضي (فوك فالسيتش/Getty)
+ الخط -

ثارت عاصفة داخل حزب المحافظين ضد رئيس الوزراء ريشي سوناك، بسبب خطاب أعرب فيه عن توجّه للتراجع عن الطلاق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، الذي جسّده اتفاق "بريكست"، وذلك من خلال التفاوض بهدف بناء علاقة أكثر مرونة وفائدة تكون مفتوحة في الاتجاهين، على غرار تلك التي بين سويسرا والاتحاد الأوروبي منذ عدة عقود.

ومساء الأربعاء الماضي، دافع وزير المالية البريطاني جيريمي هانت عن اتفاق التجارة الذي أبرمته بريطانيا بعد "بريكست" مع الاتحاد الأوروبي، واصفاً إياه بـ"الممتاز". ونفى الوزير أمام لجنة الخزانة البرلمانية، أن يكون وراء تسريبات صحافية مفادها بأن "داونينغ ستريت" يدرس خيار الانضمام إلى السوق الموحدة من خلال علاقة كتلك القائمة بين الاتحاد الأوروبي وسويسرا غير العضو في الاتحاد.

وتبين من ردود الفعل الأولية، أن الفكرة التي رماها سوناك في الاجتماع السنوي لرجال الأعمال البريطانيين مدروسة ومحبوكة مع هانت، الذي يحاول أن يعود بالاقتصاد البريطاني إلى حالة من التوازن والاستقرار، ويرى في الأفق فرصة مناسبة في إعادة التفاوض مع أوروبا، بخصوص العديد من القوانين الخاصة بحركة رؤوس الأموال والهجرة وتأشيرات السفر.

مشروع سوناك و"بريكست"

وتلقفت صحيفة "صنداي تايمز" خطاب سوناك لتحوله إلى مرافعة ضد رئيس الوزراء الذي صوت في عام 2016 مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولكنه على طريقة بقية رؤساء الحكومة الذين سبقوه إلى المنصب، تيريزا ماي، وبوريس جونسون، وليز تراس، كان ضد الخطوة.

كما أن جونسون الذي تزعم حملة "بريكست"، وكان يردد في محيطه الضيق أن استفتاء الخروج لن يعرف النجاح، أصابه الارتباك حين كانت النتيجة مخالفة لحساباته، وظهر بأنه من دون خطة لإدارة عملية الخروج، مما خلق حالة كبيرة من الفوضى لا تزال بريطانيا تدفع ثمنها، وخصوصاً في الجانب الاقتصادي.

وواجه سوناك الأسبوع الماضي حملة من الأوساط المؤيدة بقوة لـ"بريكست" داخل حزب المحافظين وخارجه، الأمر الذي أجبره على تقديم أكثر من توضيح لما ورد في خطابه.

وقال: "لقد قمت بالتصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأنا أؤمن بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأعلم أن ذلك يمكن أن يحقق فوائد وفرصاً هائلة للبلد بالفعل فيما يخص الهجرة، إذ بتنا نتمتع بالسيطرة المناسبة على حدودنا، وقادرين على التفاوض مع أي بلد حول نوع الهجرة التي نريدها ونحتاجها".


ما كان لسوناك أن يغامر بهذا الطرح لو لم يكن مدركاً أن هناك رأياً عاماً واسعاً ضد "بريكست"

الاتفاق الجديد الذي يفكر سوناك بالتوصل إليه لن يكون فورياً، بل هو مشروعه الذي سيعمل عليه ليدخل حيز التنفيذ في غضون عدة سنوات، وهذا يعني أن العملية ليست سهلة على مستوى حزب المحافظين والرأي العام، وتحتاج إلى مفاوضات عسيرة مع الاتحاد الأوروبي، لن تقل صعوبة عن تلك التي هندست عملية الخروج. ولكن رئيس الوزراء البريطاني رمى الفكرة في الوقت الحالي، من أجل وضع أفق لإخراج بريطانيا من الدوران في الحلقة المفرغة بعد الخروج من الاتحاد.

وما كان لسوناك أن يغامر بهذا الطرح بعد حوالي شهر من توليه منصبه، لو لم يكن مدركاً أن هناك رأياً عاماً واسعاً ضد "بريكست"، وربما فاقت نسبة المؤيدين للعودة إلى الاتحاد الأوروبي نظيرتها في صف تيار الطلاق مع أوروبا. وهو يستفيد بذلك من متغيرات بريطانية داخلية عديدة، منها على مستوى التاج البريطاني مع تولي الملك تشارلز العرش.

وتتمتع سويسرا والاتحاد الأوروبي بعلاقات اقتصادية وثيقة، تستند إلى سلسلة من الاتفاقيات الثنائية، مما يمنحها إمكانية الوصول المباشر إلى أجزاء من السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي، ويتيح لها حرية تنقل الأشخاص التي تعد حجر الزاوية في علاقات سويسرا مع الاتحاد الأوروبي.

ويشكّل الأوروبيون الذين يعملون ويقيمون في سويسرا نسبة 16 في المائة من السكان، بالإضافة إلى حوالي 400 ألف يعبرون الحدود يومياً للعمل في سويسرا، بينما يبلغ عدد السويسريين الذين يعملون ويقيمون في بلدان الاتحاد الأوروبي نحو 400 ألف.

أما على صعيد التبادل التجاري فيعتبر الاتحاد الأوروبي أول شريك تجاري لسويسرا، وتعد سويسرا ثالث شريك اقتصادي للاتحاد الأوروبي، بعد الصين والولايات المتحدة، بينما تأتي بريطانيا في المرتبة الرابعة.

وقد تراجعت عن الموقع الثالث بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، ويمثل الاتحاد الأوروبي حوالي 42 في المائة من صادرات سويسرا من السلع و60 في المائة من وارداتها. وتمثل سويسرا أكثر من 7 في المائة من صادرات الاتحاد الأوروبي و6 في المائة من وارداته.

وتخضع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الاتحاد الأوروبي وسويسرا لاتفاقية التجارة الحرة لعام 1972، والاتفاقيات الثنائية لعام 1999. وتمنح هذه الاتفاقيات سويسرا إمكانية الوصول المباشر إلى القطاعات الرئيسية في السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك حرية تنقل الأفراد وفتح الأسواق للمشتريات العامة والنقل الجوي والنقل البري وسكك الحديد للركاب والبضائع.

وتتم التبادلات الاقتصادية من دون حواجز، وهي مصدر مهم للازدهار لكلا الجانبين، على عكس العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي التي عادت إلى الحمائية في الاتجاهين. وبالإضافة إلى ذلك، يتشارك الطرفان في اتفاقية شنغن لحرية التنقل عبر الحدود الأوروبية، ونظام دبلن للتعامل مع طلبات اللجوء.

أسباب حراك سوناك

توجه سوناك له عدة أسباب. الأول أنه يريد أن يترك بصمة خاصة بين مجموعة من رؤساء الوزارة من حزب المحافظين الذين تعاقبوا على المنصب منذ "بريكست" وفشلوا جميعاً في تقديم حل جذري للآثار الكبيرة التي خلفها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكان هذا السبب الأساسي في سقوطهم.

ومن موقعه كخبير اقتصادي يبدو أن سوناك درس الأسباب الفعلية للتعثر الذي يعاني منه الاقتصاد البريطاني، ولديه من الجرأة ما يكفي كي يقدم وصفة للإنقاذ.


أحد أسباب تحرك سوناك هو الاعتراف بفشل "بريكست" في إحداث نقلة نوعية بالاقتصاد البريطاني

والسبب الثاني هو اعتراف بفشل "بريكست" في إحداث نقلة نوعية بالاقتصاد البريطاني، وفشل نظرية أن بريطانيا قادرة أن تعيش وتزدهر خارج أوروبا من خلال بناء شراكات اقتصادية مع الولايات المتحدة، وبعض دول الخليج وشرق آسيا.

فقد تبين أن ذلك عبارة عن حسابات خاطئة، فلا ازدهار فعليا للاقتصاد البريطاني خارج أوروبا بكل ما يعنيه ذلك من توظيف لرؤوس الأموال الأوروبية في سوق المال البريطاني، الذي خسر ثلث قيمته بسبب مغادرة رؤوس أموال أوروبية قبل دخول "بريكست" حيز التنفيذ، وكذلك الأمر بالنسبة للعمالة الأوروبية المؤهلة مهنياً، الآتية من أوروبا الشرقية، التي خلف رحيلها عن بريطانيا فراغاً كبيراً في سوق العمل.

والسبب الثالث هو الاستفادة من الأزمة الاقتصادية الراهنة لإحداث صدمة داخل الأوساط المؤيدة التي ناضلت من أجل تحقيق "بريكست"، بهدف تمرير مشروعه لمد جسور جديدة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

ويجد سوناك أن الظروف مهيأة له كونه يحتفظ بعلاقات جيدة مع طرفي القيادة الأوروبية، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز، وذلك على عكس سلفه جونسون.

والسؤال هل ينجح مشروع سوناك؟ في المدى المنظور ليس هناك قوة كبيرة داخل الحزب يمكن أن تحول دون المشروع، ومن المؤكد أنه سيلقى معارضة كما هو حاصل اليوم ولكنه سيمر، علماً أنه يحتاج إلى تجاوب من الطرف الأوروبي.

وكما هو منظور لن تكون هناك عقبات كبيرة تقف في طريق إعادة التفاوض باعتبار أن لندن ترجع إلى أوروبا، وهي تعترف بعدم قدرتها على العيش منفردة، وتشكل الحرب الروسية على أوكرانيا ظرفاً مناسباً من أجل التقارب بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وهو يمثل قوة للطرفين، في وقت تعاني فيه أوروبا من ضعف كبير بسبب الفاتورة الكبيرة التي ترتبت عليها من جراء الحرب، بالإضافة إلى محاولات تهميشها على المستوى الدولي.

وفي نهاية المطاف يعتبر مشروع سوناك التفافاً ذكياً من أجل إصلاح العلاقات البريطانية مع الاتحاد الأوروبي، وتخلياً تدريجياً عن "بريكست" من دون الحاجة إلى إجراء استفتاء شعبي، وسيلقى ترحيباً كبيراً من القوى السياسية والاقتصادية التي عارضت "بريكست" ولا تزال تعمل من أجل التراجع عنه. وهي تشكل الأغلبية على مستوى الرأي العام في بريطانيا.

المساهمون