طرحُ الاتحاد الأوروبي تصنيف الطاقة النووية والفحم على أنهما صديقان للبيئة، وضع ألمانيا أمام مسار صعب، مع توجه الأخيرة لإغلاق محطات الطاقة النووية الواحدة تلو الأخرى، عملاً بطروحات حزب "الخضر" الشريك في الائتلاف الحاكم الجديد، والمفترض إنجازها نهائياً نهاية العام 2022.
هذا المعطى سمح لفرنسا بخطف الأنظار من ألمانيا مع تسلّم الأولى رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي مطلع العام الحالي، وكشف نقاط الضعف في برلين، إن كان داخل الائتلاف الحاكم أو في سياسة الطاقة الألمانية. يأتي ذلك في وقت يهدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالحرب ويستخدم الغاز الروسي للابتزاز.
وربطاً بما تقدم، أشارت شبكة "أن تي في" الإخبارية إلى أنه ينظر إلى مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في جميع أنحاء أوروبا على أنها انتصار سياسي للرئيس الفرنسي، إذ دأبت بلاده على تأييد سياسة الطاقة النووية منذ شهور، ومن منطلق أنها رخيصة الثمن ومستقرة، فضلاً عن أنّ المفوضية الأوروبية ليست بمفردها من داعمي هذا الطرح، بل أيضاً عدد من الدول الأوروبية بات يرحب بذلك مع تغير المواقف تجاه الطاقة النووية وسط غياب ونقص الحلول المقنعة للتخزين الآمن للنفايات النووية المشعة. واستطاع ماكرون حشد هذه الأغلبية في وقت تبدو برلين ضعيفة سياسياً، بعدما كان الائتلاف الجديد في ألمانيا أعلن، خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، معارضته لهذا التصنيف.
ونقلت الشبكة عن دبلوماسيين فرنسيين أنّ ماكرون يريد أن يصبح زعيماً سياسياً في القضية النووية في أوروبا بعد رحيل المستشارة أنجيلا ميركل، وماكرون نفسه يقول إنّ فرنسا محظوظة لأنّ لديها طاقة نووية، حتى إنّ حزب "الخضر" الفرنسي تراجع عن حماسه إزاء فكرة التخلّص التدريجي من الأسلحة النووية بعدما كان يطالب بذلك وبشدة، إذ قال مرشحهم الرئاسي يانيك جادوت أخيراً: "لا أحد يمكنه القول إننا سنغلق محطات الطاقة النووية غداً".
إلى ذلك، كشف الطرح الأوروبي عن مشاكل أساسية في سياسة الطاقة الألمانية، مع محاولة ألمانيا التخلّص من الفحم والطاقة النووية، في وقت ينظر إليها في الخارج وبشكل متزايد على أنها مهمة محفوفة بالمخاطر، فيما وصفتها صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أخيراً بأنها "أغبى سياسة للطاقة في العالم"، لا سيما أنّ ألمانيا لديها أعلى أسعار الكهرباء، وتخاطر بموقعها الصناعي، وهي التي لا تزال لم تحقق أهدافها المناخية.
وينظر في أوروبا إلى الانتقال الصارم للطاقة في ألمانيا على أنه تجربة نصف مكتملة وغير شعبية مقارنة بالنموذج الفرنسي، حتى أنّ دولاً مثل هولندا وبولندا وتشيكيا تروّج لاستخدام الطاقة النووية، وأمستردام تسعى لبناء محطتين جديدتين وفق ما أعلنته الحكومة أخيراً.
وفي غضون ذلك، تزيد أرقام وتوقعات الوكالة الدولية بأنّ للطاقة النووية دوراً في توليد الطاقة منخفضة الكربون، فيما تصرّ ألمانيا على مسارها الخاص. هذا ما جعلها عرضة للانتقاد من المدير العام للطاقة الذرية رافائيل غروسي، الذي قال أخيراً إنّ ألمانيا لن تتمكّن من تحقيق هدفها بحلول العام 2050 بدون الطاقة النووية، مبرزاً أنّ قدرة محطات الطاقة النووية العالمية ستتضاعف لتصل إلى 792 غيغاواتاً بحلول العام 2050، مقارنة بحوالى 393 العام الماضي، وأن ثمة 52 محطة طاقة نووية جديدة قيد الإنشاء حالياً.
وأمام هذا الواقع، ذكرت "تاغس شبيغل" أنه يجب على "الخضر" أن يظهروا لشركائهم في الاتحاد الأوروبي كيف يمكن الإلغاء التدريجي للطاقة النووية والفحم، وكيف يمكن أن تبقى مشتقات الطاقة ميسورة التكلفة، وذلك بعدما تبنت الأغلبية الواضحة من دول الاتحاد الأوروبي، والبالغ عددها 27 دولة، قرار المفوضية الأوروبية لتصنيف الطاقة النووية ومحطات الطاقة الحديثة التي تعمل بالغاز على أنها مستدامة جزئياً، وبالتالي تستحق التمويل.