ردت إثيوبيا رسميا، على الخطاب الذي وجهته مصر إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الجمعة الماضية، والذي تحفظت فيه على شروع أديس أبابا في الملء الثالث لسد النهضة بشكل أحادي، من دون التوصل لاتفاق قانوني مع مصر والسودان.
وأكدت إثيوبيا في خطابها أنه "لا يوجد التزام قانوني عليها يجبرها على مشاركة البيانات والمعلومات عن عملية ملء السد مع مصر والسودان"، متهمة مصر بـ"تقويض الجهود المبذولة لإجراء دراسة لتقييم الأثر العابر للحدود التي أوصى بها فريق الخبراء الدوليين".
وجاء الرد عبر إرسال السفير الإثيوبي لدى الأمم المتحدة، تاي أتسكي سيلاسي، منتصف الأسبوع، إلى مجلس الأمن الدولي، خطاباً فنياً وجهه كبير المفاوضين الإثيوبيين سيشلي بيكيلي بشأن سد النهضة، إلى وزير الري المصري محمد عبد العاطي.
الرد الإثيوبي أتى في وقت أصدرت فيه الإمارات خطاباً إلى الأمم المتحدة بشأن السد، رحبت فيه بما سمته "التزام الدول الثلاث بالمفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي"، وشجعت الدول "على مواصلة التفاوض بحسن نيّة".
وأضاف البيان الإماراتي: "مع مراعاة التقدم الذي تم إحرازه من خلال مبادرات مختلفة تم الاضطلاع بها لدعم العملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي، تؤمن دولة الإمارات بأن إعلان المبادئ لعام 2015 بشأن سد النهضة الإثيوبي يبقى مرجعاً أساسياً. وتدعم الإمارات هدف الأطراف الثلاثة في التوصل لاتفاق وحل اختلافاتهم لتعظيم المكاسب لهم ولشعوبهم".
انتقادات مصرية لموقف الإمارات
وعن ذلك، قال دبلوماسي مصري في وزارة الخارجية، إن الحكومة المصرية "كانت تتوقع من الإمارات بصفتها العضو العربي في مجلس الأمن الدولي، قدراً أكبر من التضامن مع موقف القاهرة في قضية سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا، وتصر على إكماله من دون النظر للمخاطر التي قد تتعرض لها مصر بسببه".
مسؤول مصري: كان مطلوباً من الإمارات إظهار القدر المناسب من التضامن مع موقفنا
وأضاف المسؤول في إحدى البعثات المصرية في الدول العربية، والذي تحفظ على نشر اسمه، أنه "كان مطلوباً من الإمارات إظهار القدر المناسب من التضامن مع موقفنا".
وأوضح أن "نص البيان الصادر عن بعثة الإمارات في الأمم المتحدة، يحمل "ضمنياً" معاني تؤكد أن مجلس الأمن "ليس ذا اختصاص في تناول الأمر، وأن الاتحاد الأفريقي هو المحفل المناسب الذي في إطاره يجب أن يستمر التفاوض، من دون إدراك أن إثيوبيا ماضية في مخططاتها للملء الثالث، من دون موقف حاسم من المجتمع الدولي يمكن أن يدفعها حتى إلى أخذه في الحسبان".
وأوضح المصدر أن "البيان الإماراتي يضعف من تأثير الخطاب الذي وجهه وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، قبل أيام، لتسجيل اعتراض مصر ورفضها التام لاستمرار إثيوبيا في ملء سد النهضة بشكل أحادي من دون اتفاق مع مصر والسودان حول ملء وتشغيل هذا السد".
وأضاف أن "البيان لم يحمل أي تضامن مع الموقف المصري، ولم يشر إلى مخالفة إثيوبيا الصريحة لاتفاق إعلان المبادئ المبرم عام 2015، وانتهاكاتها الجسيمة لقواعد القانون الدولي واجبة التطبيق، والتي تلزم إثيوبيا، بوصفها دولة المنبع، بعدم الإضرار بحقوق دول المصب".
وكان شكري قد دعا مجلس الأمن إلى "تحمّل مسؤولياته في هذا الشأن، بما في ذلك من خلال التدخل لضمان تنفيذ البيان الرئاسي الصادر عن المجلس والذي يلزم الدول الثلاث بالتفاوض من أجل التوصل لاتفاق حول سد النهضة في أقرب فرصة ممكنة".
بنك مياه في إثيوبيا؟
وتساءل خبير مصري بارز في مجال المياه، مفضلاً عدم نشر اسمه، عن "أسباب تحدث الإمارات إلى الأمم المتحدة بشأن سد النهضة"، مشيراً إلى أن "الإمارات ليست من دول حوض النيل، ولا هي دولة أفريقية، ولا حتى تمتلك حدوداً مع أي من الدول الأطراف في الأزمة".
وانتقد ما وصفه بـ"الصمت المصري" تجاه ما تفعله الإمارات، والتي على حد وصفه، أصبحت "تتحكم في قضية خطيرة مرتبطة باحتمال هلاك دولة كبرى مثل مصر".
وقال إن "الاحتمال الذي أصبح يتضح يوماً بعد يوم، وتخطط له الدول الكبرى بمساعدة إسرائيل والإمارات، يهدف من ضمن أهداف أخرى، لإنشاء بنك مياه في إثيوبيا، عن طريق حجز مياه النيل الأزرق التي كانت تصل بشكل طبيعي إلى دولتي المصب (السودان ومصر)، وبيعها بعد ذلك لأي دولة تحتاجها". وأضاف أنه في هذه الحالة "سيصبح احتمال نقل مياه النيل إلى دول الخليج وإسرائيل عبر أنابيب في البحر الأحمر مثل أنابيب الغاز، واردا بشدة".
ولفت الخبير إلى أن "الأمر الآخر وراء موقف الإمارات الأخير في الأمم المتحدة والذي بدا أنه داعم لإثيوبيا بشدة، هو أن الإمارات تخطط لبيع تقنية تحلية مياه البحر، ومعالجة مياه الصرف إلى مصر، وهي تقنيات عالية الكلفة، ولا تعوّض الفاقد من المياه بأي شكل من الأشكال".
دبلوماسي مصري سابق: الدعم الإماراتي للحكومة الإثيوبية، ليس خافياً على أحد
من جهته، قال دبلوماسي مصري سابق، خبير في الشؤون الأفريقية، إن "الدعم الإماراتي للحكومة الإثيوبية، ليس خافياً على أحد، ويمكن ملاحظته من خلال متابعة وسائل الإعلام الإماراتية، والتي يتم توجيهها لدعم الحكومة الإثيوبية في أي موقف". وأشار إلى "احتفاء وسائل الإعلام التي تمتلكها الإمارات بهزيمة جبهة تحرير تيغراي، وانتصار الجيش التابع للحكومة الإثيوبية".
ولفت إلى أنه "مع مطلع ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، تمكن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد من تغيير واقع سير المعارك مع جبهة تيغراي التي كانت على بعد مئات الأميال من العاصمة أديس أبابا، وتحوّل من الدفاع إلى الهجوم، بفضل إمداد الإمارات لأبي أحمد بالسلاح والطائرات المُسيّرة التي قلبت معادلة القوة".
وقال المصدر إنه "بينما يتم الحديث عن دعم إماراتي واضح لحكومة أبي أحمد، يجب الأخذ في الاعتبار أن إسرائيل أيضاً هي من أشد الداعمين لإثيوبيا، وأنه بينما أعلنت الإمارات أنها ستضخ استثمارات في إسرائيل تصل إلى تريليون دولار حتى عام 2030، استحوذت على شركات مصرية ناجحة اقتصادياً، وهو ما يثير تساؤلات حول الدور الذي تلعبه الإمارات في المنطقة، وأيضاً حول مستقبل علاقتها بمصر".
وأضاف أن "الإمارات ترى في مصر، منافساً إقليمياً قوياً يجب تحجيم دوره، في حال فكر في استخدام المقومات الاقتصادية والسياسية التي يمتلكها، ولذلك فهي تدعم مصر فقط عندما يكون ذلك متوافقاً مع مصالحها، أما عندما تتعارض مصالحها كمنافس إقليمي لمصر، فإنها تقف مباشرة ضد أي محاولة مصرية لتعزيز قوتها في الإقليم، ولذلك نجدها لا تتورع عن تقديم الدعم لإثيوبيا في قضية سد النهضة".
ولفت إلى أنه في حال "وصلت مصر إلى مرحلة الشح المائي فإن الإمارات ستتدخل في هذا الحال، لتقدم الدعم لمصر، لكي تكون صاحبة اليد العليا".
وبينما عزفت الحكومة المصرية عن التعليق على البيان الإماراتي للأمم المتحدة، تجاهلت معظم وسائل الإعلام المصرية التي تتبع مباشرة جهاز المخابرات العامة، البيان.
وأكد مصدر من داخل شركة "المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية" التابعة للمخابرات والمالكة لمعظم المؤسسات الإعلامية في مصر، أن تعليمات صدرت للمسؤولين في الصحف والمواقع، بعدم نشر البيان الإماراتي.