هل تنسحب مصر والسودان من اتفاق مبادئ سد النهضة؟

07 يوليو 2021
بدأت إثيوبيا الملء الثاني لسد النهضة (إدواردو سوتيراس/فرانس برس)
+ الخط -

قالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن الانسحاب من اتفاق المبادئ المبرم بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة، ربما سيكون التحرك المصري الأول، في حال فشَل جلسة مجلس الأمن المقررة غداً الخميس لمناقشة شكوى الخرطوم، المؤيَدة من القاهرة ضد أديس أبابا، أو الاكتفاء بدعوة الدول الثلاث للعودة إلى طاولة المفاوضات دون ضمانات حقيقية، أو عدم انخراط الدول الكبرى في جهد أممي وإقليمي مشترك لإجبار إثيوبيا على توقيع اتفاق ملزم وشامل يتضمن قواعد الملء والتشغيل.
وأضافت المصادر، في أحاديث خاصة، أن دولتي مصر والسودان عادتا للتباحث خلال الساعات الماضية حول الانسحاب الفردي، أو الثنائي، من اتفاق المبادئ، الموقع في مارس/آذار 2015، والذي سيعني بالضرورة تصعيد الأزمة إلى مستوى لن تحل فيه إلا بقوة القرار الأممي، وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة أو القوة العسكرية، وهو الخيار الذي لم تتحدث عنه بشكل رسمي صريح القيادات المصرية والسودانية حتى الآن، بينما كان تحدث عنه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، كاحتمال قائم لإنهاء القضية التي دخلت عامها الحادي عشر دون انفراجة تُذكَر.

النقاش حول الانسحاب من اتفاق المبادئ تجدد بعد الإخطار الإثيوبي لدولتي المصب بالبدء رسمياً في الملء الثاني

وذكرت المصادر أن النقاش حول الانسحاب تجدد بقوة بعد الإخطار الإثيوبي الرسمي لدولتي المصب بالبدء رسمياً في الملء الثاني أمس الأول، بعد نحو أسبوعين من بدء عملية الملء فعلياً. وقد اختارت أديس أبابا أن تبلغ رسمياً بذلك بعد إتمامها الوصول إلى أقصى مستوى بلغته بحيرة السد نهاية الصيف الماضي، الأمر الذي أكد لمصر والسودان أنها تسعى لتعويدهما على التعامل مع الملء باعتباره أمراً واقعاً، مع عدم إعطاء أهمية تُذكَر لمواد اتفاق المبادئ الخاصة بالتنسيق المسبق وتبادل المعلومات بشكل كامل، فضلاً عن خلو بيان الإبلاغ من أي معلومات رسمية عن كمية التخزين والتصرفات اليومية. مع ملاحظة استمرار تشغيل فتحتي تصريف الماء إلى بحيرة سد الروصيرص حتى الآن، في ظل تعثر إكمال المرحلة الحالية من تعلية الممر الأوسط، التي ستبلغ بحد أقصى 577 متراً بدلاً من 595 متراً كانت مستهدفة خلال موسم الفيضان الحالي.
ويُعتبَر الانسحاب من اتفاق المبادئ من المطالبات القديمة للخبراء الفنيين المصريين- وبعض الخبراء السودانيين- نتيجة اعتراضهم على الطريقة التي صيغت بها النصوص في حينه. لكن لوحِظ إصرار القيادة السياسية، وبصفة خاصة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، على عدم طرح هذا الخيار باعتباره مضراً بمصلحة القاهرة، في المفاوضات التي تشارك فيها أطراف خارجية، كوسطاء أو مسهلين أو حتى كمراقبين.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وذكرت المصادر أن المسؤولين الدبلوماسيين والاستخباراتيين في القاهرة والخرطوم ناقشوا مقترح الانسحاب، بحيث يكون في صورة إعلان ثنائي منهما، أو أن تسبق دولة الأخرى إلى ذلك كنوع من التنسيق التكتيكي بينهما. ولكن في كل الأحوال، سيمثل الانسحاب نزعاً لشرعية أعمال السد الإثيوبي، وسحباً للاعتراف المصري والسوداني به، والذي كان محط انتقادات واسعة لأداء البلدين في التفاوض مع نظامين متعاقبين على حكم إثيوبيا طوال ست سنوات. وأوضحت المصادر أنه في حالة انقضاء اتفاق المبادئ، والذي لم يتحول إلى التزام قانوني في أي من الدول الثلاث، نظراً لعدم تصديق المجالس التشريعية بها عليه، فلن يتبقى أمام الأمم المتحدة في مجال مراقبة العلاقة المتردية بين إثيوبيا ودولتي المصب، إلا نصوص واضحة في المعاهدات الثنائية المنظمة لعلاقاتها بهما، تحظر بوضوح التصرفات الإثيوبية الحالية. وأحدث هذه النصوص المواد 5 و6 و7 من اتفاق التعاون العام بين مصر وإثيوبيا المبرم في يوليو/تموز 1993 بين الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك ورئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ميليس زيناوي، والتي أودعت الأمم المتحدة في 2013، وتنص بصورة صريحة على "الامتناع عن الإقدام على أي نشاط يتعلق بمياه النيل قد يؤدي إلى إحداث ضرر ملموس بمصالح الطرف الآخر"، ويلتزم البَلدان بموجبه بأن ينشئا آلية دورية للتشاور والتعاون.
وأشارت المصادر الدبلوماسية المصرية إلى أن هذا الاتفاق، الذي أعادت مصر وضعه تحت بصر مجلس الأمن خلال حملتها الدبلوماسية الحالية، يفند الادعاءات الإثيوبية، بأن حظر إقامة إشغالات على نهر النيل تضر دولتي المصب أمر ينتمي زمنياً لعهود الاستعمار، أو التشكيك في شرعية اتفاقية 1959 بين مصر والسودان لتقاسم مياه النيل الواصلة إليهما باعتبارهما دولتي المصب. ورغم أن لجنة الخبراء الدولية، التي استعانت الدول الثلاث بها، وكذا تقريري المكتبين الاستشاريين اللذين تم التعاقد معهما في بداية المفاوضات، قد أكدت الآثار السلبية الاجتماعية والاقتصادية التي ستلحق بمصر جراء سد النهضة، إلا أن اتفاق المبادئ سار في اتجاه معاكس للاتفاقيات السابقة، وآخرها المبرم في 1993 ووفر حماية للتصرفات الإثيوبية، وهو ما حذر منه خبراء وزارة الري وبعض الدبلوماسيين المصريين في حينه.

يُعتبَر الانسحاب من اتفاق المبادئ من المطالبات القديمة للخبراء الفنيين المصريين

فالمبدأ الخامس من الاتفاق، والذي يتحدث عن التعاون في الملء الأول وإدارة السد، يكتفي بالنص على التشارك في وضع "الخطوط الإرشادية والقواعد" دون تفاصيل التشغيل، ويجيز لإثيوبيا إعادة ضبط سياسة التشغيل من وقت لآخر، بشرط "إخطار" وليس أخذ رأي أو استئذان مصر والسودان، وهو ما نفذته أديس أبابا حرفياً دون النظر لمعناه، في الملء الثاني هذا العام. وتستند إثيوبيا إلى البند الثاني من هذا المبدأ لتبرر لنفسها وللعالم أن القواعد التي يجب الاتفاق عليها لا يمكن اعتبارها ملزمة بأي حال من الأحوال، لأنها موصوفة في الاتفاق بأنها "استرشادية"، فضلاً عن كونها غير مقتصرة على خطة واحدة يجب اتباعها، فهي بحسب النص "ستشمل كافة السيناريوهات المختلفة، بالتوازي مع عملية بناء السد". والبند نفسه يحمل نصاً آخر لا يخدم الأهداف المصرية، فهو يتحدث عن "الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول لسد النهضة، والتي ستشمل كافة السيناريوهات المختلفة، بالتوازي مع عملية بناء السد"، ما اعتبرته إثيوبيا سنداً قانونياً لتنجز الملء الأول بالفعل بالتوازي مع المناقشات، طالما أن السد لم يكتمل بناؤه، وأخطرت بذلك مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي.
وسبق أن ادعى وزير الطاقة والمياه الإثيوبي سيليشي بيكيلي أن بلاده تنفذ المبدأ الخامس من الاتفاق "بالحرف الواحد"، وأنها أطلعت دولتي المصب على جميع الاحتمالات خلال مفاوضات واشنطن، وأن حالة الجفاف تحديداً تقدر احتماليتها بأقل من أربعة في المائة خلال أول عامين وفقاً لأكثر التحليلات تشاؤماً، وأنها تلتزم بعدم الإضرار بالدولتين في تلك الحالة، وأن الإخطار المسبق الوحيد، الذي تُكلف به إثيوبيا ضمن الاتفاق، هو إخطار دولتي المصب بأية ظروف غير منظورة، أو طارئة، تستدعي إعادة الضبط لعملية تشغيل السد.
ويتضمن هذا المبدأ بنداً آخر تفسره أديس أبابا لصالحها فقط، هو "الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد التشغيل السنوي لسد النهضة، والتي يجوز لمالك السد ضبطها من وقت لآخر". وعليه ترى إثيوبيا أن مصر اعترفت بتوقيعها على هذا البند بالسيادة المطلقة لها على السد، وترفض مشاركة القاهرة والخرطوم في تحديد قواعد التشغيل طويلة الأمد، إلا في حدود التأكد من "عدم الإضرار"، باعتباره مبدأ منصوصاً عليه في الاتفاق ذاته.

تستند إثيوبيا إلى اتفاق المبادئ لتبرر أن القواعد التي يجب الاتفاق عليها لا يمكن اعتبارها ملزمة

واجتمع في نيويورك أمس وزيرا الخارجية المصري سامح شكري والسودانية مريم المهدي، بعد ساعات من الإخطار الإثيوبي، حيث أكدا رفضهما القاطع لذلك، لما يمثله من مخالفة صريحة لأحكام اتفاق المبادئ، وانتهاك للقوانين والأعراف الدولية الحاكمة لاستغلال موارد الأنهار العابرة للحدود. كما اجتمع شكري بعدد من المندوبين الدائمين للدول الأعضاء الدائمين والحاليين بمجلس الأمن، في سياق الترويج للرؤية المصرية والسودانية، والتأكيد على ضرورة صدور قرار أو بيان حاسم من المجلس لمنع حالة التوتر الإقليمية التي قد تنشأ بعد إتمام الملء الثاني، ومنع تطور الأوضاع لتمثل تهديداً للأمن والسلم الدوليين.
كما اجتمع وزير الري المصري محمد عبد العاطي، عن بعد، بمديرة برنامج الأمم المتحدة للبيئة أنغر أندرسون، للتباحث حول الملف المأزوم، بمشاركة أعضاء الوفد التفاوضي المصري وممثلي السفارة المصرية بكينيا. واستعرض عبد العاطي الموقف المائي المصري وحجم التحديات التي تواجه قطاع المياه في بلاده، وعلى رأسها محدودية الموارد المائية المتاحة، والتأثيرات السلبية للتغيرات المناخية، والإجراءات الأحادية التي يقوم بها الجانب الإثيوبي في ما يخص ملء سد النهضة وتشغيله. وحذر من تفاقم معاناة مصر من نقص الموارد المائية، في الوقت الذي تتمتع فيه إثيوبيا بموارد مائية هائلة، متمثلة في مياه الأمطار والمياه الجوفية المتجددة وأحواض الأنهار الأخرى، بخلاف نهر النيل وكميات المياه الكبيرة المخزنة لديها بالسدود والبحيرات الطبيعية. وحمّل عبد العاطي إثيوبيا مسؤولية الفوضى المائية التي شهدها السودان العام الماضي، حيث تسبب الملء الأول في معاناته من حالة جفاف قاسية، أعقبتها حالة فيضان عارمة بسبب عدم التنسيق مع دولتي المصب، ثم قيام الجانب الإثيوبي بإطلاق كميات من المياه المحملة بالطمي خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بدون إبلاغ دولتي المصب، ما تسبب في زيادة العكارة بمحطات مياه الشرب بالسودان.

المساهمون