آخر جهازين أمنيين في العراق، يمكن وصفهما بأنهما يحظيان باهتمام ودعم أميركي واسع في البلاد، باتا بمواجهة خطر تغلغل نفوذ القوى والجماعات المسلحة، التي تصنفها واشنطن بأنها حليفة لطهران، وذلك بعد أسابيع من إحكام قوى "الإطار التنسيقي" قبضتها على الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني، الذي يواصل إجراء تغييرات كبيرة في مفاصل أمنية وحكومية.
وأقال السوداني رئيس جهاز المخابرات رائد جوحي، المُقرب من رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، والذي شارك في العديد من الملفات الأميركية العراقية المشتركة، كان أبرزها جولات الحوار بين واشنطن وبغداد الخاصة بانتقال الدور القتالي الأميركي إلى استشاري في العام الماضي. كذلك تمت إقالة المدير العام لشؤون العمليات الخاصة في جهاز المخابرات اللواء ضياء الموسوي.
طالبت القوى السياسية السنية بأن يكون لها منصب أمني
وتتحدّث تسريبات عن تغييرات وشيكة في جهاز مكافحة الإرهاب بقيادة الفريق عبد الوهاب الساعدي، قد تشمل الأخير وقيادات وحدات داخل الجهاز، وعن تنافس شديد بين الأجنحة السياسية لفصائل "عصائب أهل الحق"، و"كتائب حزب الله"، إلى جانب "دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي، على الجهازين الأمنيين (مكافحة الإرهاب والمخابرات) بعد حسم جهاز الأمن الوطني لصالح حميد الشطري المحسوب على منظمة "بدر"، بقيادة هادي العامري.
القوى السنية تطالب بمنصب أمني
وقال نائب بارز، لـ"العربي الجديد"، إن القوى السياسية العربية السنية، على رأسها تحالف "السيادة"، دخلت أيضاً على خط المنافسة على المنصبين، وتطالب بأن يكون لها منصب أمني وكسر احتكار القوى الشيعية للمناصب الأمنية بالبلاد.
وبين أن "هذه القوى تجد نفسها أمام محاولة عزل جديدة عن إدارة الملف الأمني في البلاد، وهو ما أزعج قادة الأحزاب التي وافقت على دعم الحكومة الجديدة المنبثقة عن تحالف الإطار التنسيقي".
وكان السوداني قد أكد، بحسب مكتبه خلال لقاء مع أعضاء اللجنة الأمنية بالبرلمان، الأحد الماضي، "إبعاد المؤسسات الأمنية عن الاستثمار الحزبي والسياسي". وذكر المكتب، في بيان وقتها، أنه تم خلال اللقاء بحث "الأوضاع الأمنية، وفي مقدمتها ملفات النازحين والتدوير الوظيفي للقيادات الأمنية، وإعادة الانتشار الأمني في المدن وفرض هيبة الدولة".
لكن عضواً بارزاً في تحالف "النصر"، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، قال، لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم الكشف عن اسمه، إن "التنافس على الظفر بالمناصب الأمنية هو المرحلة الثانية من حكومة السوداني بعد انتهاء مرحلة تقاسم الوزارات".
رفع الدعم الأميركي عن المخابرات ومكافحة الإرهاب
واعتبر أن "ذهاب جهازي المخابرات ومكافحة الإرهاب إلى حصة فصائل مسلحة أو قوى سياسية حليفة لإيران، على غرار الشرطة الاتحادية وخلية الصقور الاستخبارية وبعض فرق الجيش، يعني رفع الدعم الأميركي المباشر الذي كانت تتمتع به، من معدات وتدريب أو تقنينه إلى أقل حد ممكن".
وقال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان مهدي تقي إن "الأجهزة الأمنية، وتحديداً المخابرات والأمن الوطني وجهاز مكافحة الإرهاب، تحتاج إلى الدعم السياسي والداخلي في سبيل استمرار عملها بصورة صحيحة ومن دون أي عراقيل، كما أنها تحتاج إلى الدعم الخارجي في المعلومات والتنسيق والعمليات المشتركة".
واعتبر أن "الحديث عن رفع الدعم الخارجي بسبب التغييرات بالمناصب التي أجراها السوداني غير مقنعة، فما تزال هذه الأجهزة عراقية، ولم تخرج عن القانون، وتواصل عملها في مجالات مكافحة الإرهاب والعنف والظواهر الخطيرة".
وأضاف تقي، لـ"العربي الجديد"، أنه "لا توجد أي مخاطر على الأجهزة الأمنية بعد التغييرات التي أجراها السوداني، لأن الأخير لم يرتكب أي أخطاء، أو أنه قد تجاوز صلاحيته، بل إن كل ما فعله يندرج ضمن صلاحياته القانونية والدستورية".
واعتبر أن "السوداني يرى أن هناك تعديلات بالمناصب، وفق رؤية أمنية جديدة، وقد فعل ذلك، وقد تحدث بعض التغييرات في أجهزة أخرى، لكن هذا الأمر لا يعني عدم التعاون الخارجي مع الأجهزة الأمنية العراقية على الإطلاق".
تحذير من عقوبات خارجية
النائب المستقل باسم خشّان حذّر من أن "سيطرة بعض الأحزاب، أو الجماعات المتهمة بالفساد، أو الولاء للخارج، على المناصب الأمنية، قد تعرّض الأجهزة الأمنية إلى خطر العقوبات الخارجية، أو رفع الدعم عنها".
خشّان: سيطرة أحزاب على المناصب الأمنية تعرضها لعقوبات
لكن خشان اعتبر، في الوقت ذاته، أن "إجراءات السوداني عادة ما تحدث مع ولادة كل حكومة جديدة، لأن كل رئيس وزراء لديه رؤية معينة، وكل واحد منهم يسعى إلى تقريب قادة أمنيين على حساب آخرين، مرة وفق رؤية أمنية دقيقة، ومرة لأسباب تتعلق بالولاء والطاعة الحزبية والمخاوف من الحالات الانقلابية".
وأكد خشان، لـ"العربي الجديد"، أن "مجلس النواب سيتابع هذه التغييرات، لا سيما أن بعض التعديلات في المناصب الأمنية تحتاج إلى تصويت البرلمان".
ولفت إلى أن "الأجهزة الأمنية والمناصب المهمة في المراكز والمواقع العسكرية لا بد أن تبقى بعيدة عن التصرف الحزبي والتناوب على حكمها من خلال المحاصصة الطائفية، لأن هذه الطريقة أضرت بالعراق. ونتذكر ما حصل عام 2014 حين اقتحم تنظيم داعش مناطق عراقية، بسبب الاستيلاء الحزبي على المناصب الأمنية".
بدوره، أشار العميد المتقاعد في الجيش العراقي عماد علو إلى أن "حكومات حيدر العبادي ومصطفى الكاظمي حاولت كثيراً إبعاد المناصب الأمنية والأجهزة العسكرية والاستخباراتية الحساسة عن التناوب الحزبي للسيطرة عليها، وقد نجحا إلى حد ما في ذلك".
وأضاف: "لكن العودة مرة أخرى للسيطرة عليها، بأشكال مختلفة، من قبل أحزاب وأجنحة سياسية لفصائل مسلحة، يعني رفع الدعم أو التعاون والتنسيق معها، ليس فقط من جانب التحالف الدولي والقوات الأميركية، أو الولايات المتحدة عموماً، بل حتى من أجهزة المخابرات والاستخبارات في دول الجوار والمنطقة".
وأكد علو، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن على "الأحزاب العراقية إبعاد الملف الأمني عن مشاريعها الاقتصادية، وأن تعتمد على قادة أمنيين حقيقيين، وأن يكون ولاؤهم للوطن قبل أن يكون لأي حزب". وبين أن "الوضع حالياً يشير إلى سيطرة حزبية على الأجهزة الأمنية، وهو ما يُهدد بمخاطر جديدة، عادة ما يقع العراقيون ضحيتها".