هل تعكس الاعتراضات الليبية على الجهود الأممية صراعاً دولياً يهدّد مستقبل الحلّ؟

27 أكتوبر 2020
تواجه الاتفاق العسكري تحديات عدة (فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -

بدأت اجتماعات الحوار السياسي ضمن ملتقى الحوار الشامل في ليبيا الذي ترعاه الأمم المتحدة، لكن استمرار وجود تحديات وعراقيل لتنفيذ بنود الاتفاق العسكري الموقع في جنيف السويسرية، الجمعة الماضية، أبرز مخاوف مراقبين ليبيين من انجراف الملف الليبي إلى أتون صراعات الأقطاب الدولية الكبرى.

ولا تزال البنود المتعلقة بإخراج المقاتلين الأجانب من ليبيا من أهم التحديات التي تواجه الاتفاق العسكري، ما دفع بعدد من المراقبين إلى التشكيك في قدرة الاتفاق على الصمود أمام هذا التحدي، في ظل عدم اعتراف دول داعمة لمعسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر بوجودها العسكري في ليبيا، وعلى رأسها موسكو.

وتبدو تقديرات مراقبين بشأن وجود آثار أطراف خارجية، منها واشنطن، خلال بنود الاتفاق العسكري الليبي، قد تسحب الملف الليبي من الجهود الأممية إلى أتون صراع الدول الكبرى، تؤيدها تصريحات السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، الذي رحّب فيها ببدء اجتماعات ملتقى الحوار السياسي الليبي، لكن حديثه عن الحلّ ركز على ضرورة انسحاب المقاتلين الأجانب وتحديداً مقاتلي "فاغنر" الروس.

وقال نورلاند، في تصريح صحافي أمس الاثنين، إن ملتقى الحوار السياسي سيكون النسخة الأولى من المحادثات التي يجب على المشاركين فيها الإعلان عن عدم الترشح للمناصب السياسية في المؤسسات الجديدة التي سيتم إنشاؤها، مؤكداً ضرورة استعادة الليبيين لسيادتهم، لـ"تمهيد الطريق لرحيل جميع القوات الأجنبية المقاتلة".

وحدّد السفير خلال حديثه، مجموعة "فاغنر" من بين المقاتلين الأجانب في ليبيا، مؤكداً أنها "تتصرف نيابة عن الحكومة الروسية، وأنشطتها تساعد في زعزعة الاستقرار في ليبيا".

وأعلنت البعثة أمس الاثنين، بدء أولى اجتماعات ملتقى الحوار السياسي الليبي، عبر الاتصال المرئي، أمس، في إطار إعدادها لعقد اجتماعات الملتقى بين أعضائه بشكل مباشر في تونس، مطلع الشهر المقبل، والتي ستركز على "سبل وآليات ومعايير توحيد السلطة التنفيذية".

وتضمّن بيان البعثة، أمس الاثنين، تصريحاً لرئيسة البعثة بالإنابة ستيفاني ويليامز، حذر من "العديد ممن يتربصون بالعملية السياسية، ويسعون لغايات شخصية وضيقة، إلى إفساد مساركم هذا وتعطيله وإدخاله في سراديب من التأويل ستؤدي إلى فقدان الرؤية والهدف"، وفق البيان.

وقالت: "لا وقت للتضييع، ولا وقت لإدخال البلاد في مماطلات تبقي الوضع على ما هو عليه، وخصوصاً بعد إعلان السيد فائز السراج عن نيته التنحي فور تواجد توافق سياسي يسمح له بذلك"، في ردّ ضمني على بيانات أطراف ليبية عبرت عن رفضها لقائمة أسماء المشاركين في جلسات الحوار السياسي المعلنة من جانب البعثة، السبت الماضي، من بينها قادة بعملية "بركان الغضب" تابعون لحكومة "الوفاق"، وكتلة نواب برقة في مجلس نواب طبرق، في بيانين منفصلين.

وصعّدت أطراف ليبية لهجة رفضها للخطوات الأخيرة للبعثة الأممية، ففي خطاب وجهه قادة لعملية "بركان الغضب" إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، شددوا على رفضهم لـ"نهج" رئيس البعثة بالإنابة ستيفاني ويليامز، متهمين إياها بمحاولة "إنشاء اتفاق سياسي جديد بعيداً على مقررات مجلس الأمن، ما يُعدّ سابقة خطيرة".

وأوضح البيان، الذي حمل توقيع لجنة الحوار السياسي للقوات المساندة بـ"غرفة عمليات تحرير سرت – الجفرة"، أن نهج رئيسة البعثة المعلن لملتقى الحوار السياسي المزمع عقده في 9 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل "يسعى إلى اتفاق جديد على نظام الحكم في فترة تمهيدية، وتشكيل حكومة تنفيذية تتعارض مع أهم القواعد الحاكمة للحالة الليبية، التي تضع البعثة في مخالفة صريحة وحقيقية لقرارات مجلس الأمن الدولي المسؤول الأول عن الحالة في ليبيا أمام المنظومة الدولية".

واتهم البيان البعثة بـ "تجاهل قرارات ومقررات مجلس الأمن الذي أنشأها وكلفها بمهام محددة الهدف لترجمة قراراته، وهي ذات مغزى لتحقيق مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة التي تخدم مصالح الشعوب، لا رغبة الحكومات والدول التي تسعى لتحقيق مصالح ضيقة"، مذكراً بأن نظام الحكم في ليبيا الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي هو الاتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات.

وطالب البيان الأمم المتحدة بـ"تصحيح المسار الذي يخالف السلطة العليا في الأمم المتحدة بمحاولة إنشاء اتفاق سياسي يمسّ ويلغي الاتفاق السياسي الليبي المعتمد بقرار من مجلس الأمن"، معتبراً أن أي نتائج أو مخرجات لا تتماشى مع بنود قرارات مجلس الأمن "هي حبر على ورق قانونا دولياً ومحلياً".

وأكد بيان "غرفة عمليات تحرير سرت والجفرة" التابعة لحكومة "الوفاق"، مطالبته بالرجوع لخطة عمل الأمم المتحدة لإنهاء الفترة الانتقالية التي أقرها قرار مجلس الأمن لوضع القاعدة الدستورية لإجراء الانتخابات.

ويبدو أن بنود الاتفاق العسكري التي أقرّت وجود مقاتلين أجانب في البلاد وطالبت بخروجهم، لأول مرة في وثيقة رسمية ليبية، قد شجعت أطرافاً ليبية محلية على رفع صوتها مطالبة بضرورة إخراج المرتزقة الأجانب من مناطقها، ففي الجفرة، وسط جنوب البلاد، طالب تجمع أهلي بـ"إخراج جميع المرتزقة"، من مجموعات "فاغنر" أو قوات المعارضة السودانية أو التشادية والجنجويد.

وأكد البيان، الذي حمل اسم تجمع "أحرار الجفرة" ووُزع على وسائل الإعلام الليبية ليل أمس الاثنين، أن قيادة حفتر "عليها إخراج المرتزقة بناء على اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته الأمم المتحدة في جنيف الأيام الماضية".

وتُعدّ مناطق الجفرة الثلاث (ودان وسوكنة وهون) التي تنتشر فيها مواقع عسكرية عديدة منها قاعدة هي الأهم في وسط البلاد، أكثر المناطق التي يتواجد فيها مرتزقة "فاغنر" الروس والجنجويد الذين يقاتلون في صفوف حفتر.

من جانبها، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط، الأحد، رفع حالة القوة القاهرة عن حقل الفيل النفطي وانتهاء الإغلاقات في كافة الحقول والموانئ النفطية، وبدء عمليات الإنتاج والتصدير بعد خروج كامل المقاتلين الأجانب من المؤسسات النفطية، ما اعتبره الباحث السياسي الليبي زياد مؤمن، مؤشراً إيجابياً يتيح حلحلة الأوضاع الاقتصادية المنهارة في البلاد جراء تضرّر قطاع النفط، لكنه في ذات الوقت يقرأ الخطوة الروسية بأنها تأتي في إطار مناكفة واشنطن في الملف الليبي.

ويوضح مؤمن رأيه لـ"العربي الجديد"، بأن موسكو سبق أن رعت مفاوضات بين ممثلين عن حفتر ونائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق" أحمد معيتيق في ملف النفط والمنشآت النفطية، معتبراً أن خطوة سحب عناصر "فاغنر" من حقول النفط فقط جاءت سعياً من موسكو لإنجاح الاتفاق ودعمه في مواجهة الاتفاقات التي ترعاها الأمم المتحدة، وبات جلياً وقوف واشنطن وحلفائها وراءها.

ويضيف مؤمن أن مسارات الحل الأممية وقعت هي الأخرى في تجاذبات الأزمة الليبية بين الأقطاب الكبرى، مرجحاً أن تواجه منتجات الجهود الأممية على الصعيد السياسي، ذات العراقيل السابقة التي شهدتها اتفاقات أُبرمت في عواصم عربية ودولية عدة.

تنفي موسكو أي وجود عسكري لها في ليبيا، مؤكدة دعمها لجهود السلام الأممية

ويتوقع مؤمن سرعة تنفيذ البنود الأخرى في الاتفاق العسكري، كفتح المسارات البرية والجوية وتوقف القتال بشكل نهائي، لكنه يؤكد أن الخلاف السياسي سيستمرّ بسبب قفز البعثة الأممية على عدة محطات هامة، من بينها إشراك المقاتلين على الأرض في طاولة الحوار السياسي، خصوصاً مع ضعف الهياكل السياسية الحالية التي بدا جلياً أن المجتمع الدولي أجمع على ضرورة إقصاء المتنفذين فيها، وإتاحة المجال لطبقة سياسية جديدة.

لكن الباحث الليبي في العلاقات الدولية مصطفى البرق، يرى أن الصراع الأميركي الروسي المكتوم في الملف الليبي يُعتبر التحدي الأبرز أمام جهود الأمم المتحدة الحالية، فموسكو تنظر للملف الليبي من زاوية اقتصادية صرفة، ويدلّ على ذلك وجودها قريبة من حقول النفط، وحتى بعد انسحاب عناصر "فاغنر" من مواقع النفط، قرّرت أن تبقى في قاعدة الجفرة وبراك للسيطرة على كامل أجواء الرقعة النفطية في البلاد.

وتنفي موسكو أي وجود عسكري لها في ليبيا، مؤكدة دعمها لجهود السلام الأممية.

وقبل أسبوعين، كشفت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، عن تحضير الأمم المتحدة لملتقى سياسي ليبي بـ"قوام 100 سياسي موثوق وشخصيات عامة، بما في ذلك أنصار النظام السابق لمعمر القذافي"، لكن قائمة المشاركين في الحوار السياسي التي أعلنتها البعثة الأممية احتوت على 75 شخصية ليبية فقط.

ويؤكد البرق في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن اعتراضات الأطراف الليبية على شكل القائمة وممثليها له "خلفيات دارت في الكواليس، ما أشعر تلك الأطراف بأن القائمة فُصّلت على مقاس مصالح دول متصارعة في الملف الليبي"، وأن الرفض الذي أبدته تلك الأطراف من الجانبين يُترجم رفضاً لحلفائهما في الخارج.

ورغم كل تلك العراقيل، يرى البرق أن المسارات الحالية وانتهاءها إلى إنتاج سلطة جديدة موحدة، يمكن أن يساعد البلاد على تجاوز مخاطر كبيرة، على رأسها استمرار الانقسام السياسي والإداري والصراع على الموارد النفطية.

المساهمون