قوة التدخل الأوروبية "البوصلة الاستراتيجية".. هل تشكل نواة جيش القارة؟

22 مارس 2022
القوة المشتركة ليست بديلاً من الناتو (Getty)
+ الخط -

تبنى اجتماع وزراء الخارجية والدفاع في الاتحاد الأوروبي أمس الاثنين تأسيس قوة تدخل مكونة من نحو 5 آلاف فرد تحت قيادة أوروبية مشتركة. وجاء ذلك من ضمن تبنيهم ما يسمى "البوصلة الاستراتيجية"، التي وُضعَت لمساتها الأخيرة نهاية الأسبوع الفائت في بروكسل. ويبدو أن تسارع الأحداث فرض على القارة انتهاج سياسات استراتيجية مختلفة. وتعتمد بشكل رئيس على "الاستجابة السريعة" للتحديات التي تواجه مصالح القارة، سواء على أراضيها أو خارجها. 

المستشارة الألمانية السابقة، أنغيلا ميركل، في ذروة خلاف ضفتي الأطلسي، ومسعى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لتخفيض الوجود العسكري في القارة، ذهبت إلى التبشير باستراتيجية اعتماد القارة على نفسها، وهو أيضاً ما تحمّس له كثيراً الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وإن كان بطرح جيش أوروبي. 

وحتى لو أطلق الأوروبيون على التشكيل العسكري "قوة رد فعل" (2025 موعد تأمين 5 آلاف فرد في تشكيلات القوة)، التي يعتقد محللون ومختصون أنها مجرد نواة لما هو أوسع، إلا أنها في الواقع جزء من استراتيجية دفاعية أوروبية تعيد للقارة بعض حيويتها بعد سنوات من خمول وخلافات. وعلى ما يبدو، فإن غزو روسيا لأوكرانيا، وشعور الأوروبيين بأن المسألة، في حال تحقيق الرئيس الروسي أهدافه فيها، ستتجاوز أوكرانيا، جعل قادة الدول الـ27 في المعسكر الأوروبي يسارعون إلى وضع خلافاتهم جانباً، للتركيز على "مسائل استراتيجية ومصالح وجودية".  

وتقوم فكرة "البوصلة الاستراتيجية"، بحسب الموقع الرسمي للاتحاد الأوروبي، على أن القارة تحتاج إلى أن تكون لاعباً أقوى وأكثر قدرة في مجالي الدفاع والأمن. 

وفي بعض التفاصيل المتعلقة بتشكيل قوة التدخل، وتقوم على مبدأ الطوعية، والاستعداد خلال فترة وجيزة للاستجابة من الدول الراغبة، يرتبط الأمر بأن يكون الاتحاد الأوروبي في السنوات الخمس إلى العشر المقبلة أكثر قدرة على "حماية مواطنيه، والعمل في حالات الأزمات التي تؤثر بقيم الاتحاد ومصالحه"، بحسب الاستراتيجية التي جرى تبنيها. 

والجديد في البنية والجهود العسكرية الأوروبية، رغم أنها ليست الأولى، حيث يشارك الأوروبيون في انتشار عسكري في البلقان ومهمات أخرى خارج القارة، أنها ستكون المرة الأولى التي يعمل فيها الأوروبيون بناءً على قاعدة التزام وتنسيق مشترك "بالتزام مجموعة من الأهداف الملموسة وواسعة النطاق لتحقيق الاستراتيجية" تحت علم الاتحاد الأوروبي وقيادته.  

تشكيل قوة تدخل تصاعد بعيد غزو وضم شبه جزيرة القرم في 2014 وفي أعقاب "أزمة اللاجئين" في 2015

ويشمل العمل الدفاعي والأمني أراضي القارة وفي الخارج، كالقارة الأفريقية والأقاليم التي تشهد اضطرابات تستدعي على سبيل المثال إجلاء مشترك لرعايا القارة، أو الاستجابة في حال حدوث اضطرابات عسكرية تتطلب عملاً منسقاً.  

وشدد مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، على أنه "حان الوقت الآن لإعادة التفكير في مستقبل القدرات العسكرية الأوروبية حتى تكون (أوروبا) جاهزة للتحديات مثل الحرب". 

في الواقع، إن إعلان تشكيل قوة على أساس طوعي، بعد جهود استمرت لعامين، لا يعني أن مهمتها عسكرية فحسب، بل تنسيق وعمل مشترك يأخذ بالحسبان "من بين أمور أخرى أن تصبح أوروبا أفضل في تبادل المعلومات الاستخبارية، ومساعدة بعضها البعض في مكافحة التهديدات المختلطة، مثل المعلومات المضللة وهجمات الفضاء الإلكتروني"، بحسب ما رشح عن مهام القوة المشتركة. ورغم تأكيدات الأوروبيين أن خطتهم جاءت بمعزل عن الغزو الروسي، وهو ما أشار إليه بوريل بقوله: البوصلة الاستراتيجية ليست للرد على الحرب الأوكرانية، ولكنها جزء من الاستجابة، فإن نقاشات الأوروبيين عن تشكيل قوة تدخل تصاعد بعيد غزو وضمّ شبه جزيرة القرم في 2014 وفي أعقاب "أزمة اللاجئين" في 2015. 

شعور قادة أوروبا بتهديد ما يطلقون عليه "العدوانية الروسية" دفع مراراً برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى اعتبار أنّ من المهم أن يكون للأوروبيين "اتحاد دفاعي". فإلى جانب التحدي الروسي يرى الأوروبيون أنهم يواجهون تحديات أخرى، كالقرصنة والحروب الهجينة، وكلك الصين، فضلاً عن إبرازهم تأثير الصراعات لدى جيرانهم الجنوبيين، سواء في القارة الأفريقية أو دول شرق المتوسط، والتي عادة ما اعتبروها سبباً في تدفقات اللاجئين الكبيرة إلى دولهم. وتأتي الخطوة الأوروبية لترسخ مبدأ التوجه الأوروبي نحو اعتبار السياسات الدفاعية والأمنية جزءاً رئيساً في تعاونهم. 

وكانت فون دير لاين قد أكدت، منذ العام الماضي، حاجة أوروبا إلى ما سمته "اتحاداً دفاعياً أوروبياً"، وهو أيضاً ما انعكس في تبني قادة القارة في الأسبوع الماضي على تعزيز العمل المشترك في المجالين الأمني والدفاعي. 

ورغم أن الرئيس الفرنسي، ماكرون، يشعر بسعادة للخطوة الأوروبية، إلا أن ساسة دول أخرى يؤكدون أنها "ليست خطوة نحو إقامة جيش أوروبي".

ويجادل ساسة دول أوروبا الشمالية في أن حلف شمال الأطلسي "يبقى الحيز الأفضل للدفاع عن القارة والحلفاء الغربيين"، وهو على الأقل موقف هولندا والدنمارك، حيث إن الأخيرتين متحمستان للانخراط في التعاون المشترك، رغم أن تحفظاتها حيال السياسات الدفاعية والأمنية الأوروبية (منذ 1993) ستضعها مؤقتاً خارج المشاركة فيها. وعلى سبيل المثال اختارت أخيراً حكومة كوبنهاغن برئاسة ميتا فريدركسن، في ضوء التطورات المتسارعة في توتر الأجواء مع روسيا، وبدعم لافت من اليسار ويسار الوسط والمعارضة المحافظة والليبراليين، الذهاب إلى استفتاء شعبي في الأول من يونيو/ حزيران للتخلص من التحفظات والدخول في التعاون الدفاعي والأمني الأوروبي. 

وأشار وزير خارجية الدنمارك، ييبا كوفود، الذي كان حتى قبيل الغزو الروسي، يرفض دخول بلاده في التعاون الدفاعي الأوروبي، بضرورة قبول الشعب لواقع أوروبي آخر تتعاون فيه القارة دفاعياً. واعتبر كوفود (من يسار الوسط) أنه "حين يتعلق الأمر بجيراننا، يمكننا أن نتعاون أفضل ونكون حصناً ضد الحكام المستبدين والديكتاتوريين أمثال (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين، الذين يحاولون بالقوة والحرب تدمير أمننا الأوروبي". وأيد زميله، وزير الدفاع الجديد، مورتن بودسكوف، حماسته للتعاون في القارة، وإن عاد ليؤكد أن "الأمر لا يتعلق أبداً ببناء جيش أوروبي كما يدعي معسكر اليمين المتشدد".  

ويشدد الأوروبيون على أن "الناتو" يبقى الأساس في الجهود الأوروبية، معتبرين في الوقت نفسه أن القوة العسكرية الجديدة من الممكن أن تكون رديفة له وتساعده على حيوية الاستجابة للأزمات وتحقيق الاستقرار.