هل تستطيع حماس ان تقود حركة التحرر الفلسطينية؟

27 يونيو 2021
البحث عن السلطة يتعارض مع فكر المقاومة (أحمد زقوت/Getty)
+ الخط -

تحاول حركة حماس استثمار التأييد الواسع الذي حظيت به بين الفلسطينيين وفي العالم العربي وأبعد منه بعد قيادتها المقاومة العسكرية، في معركة كانت مختلفة نوعيا عن سابقاتها، لفرض نفسها قائدة وممثلة للشعب الفلسطيني، وإنهاء مرحلة حركة فتح، من دون إغلاق الباب على الجلوس على طاولة مفاوضات برعاية أميركية.
صحيح أن المعركة لم تكن عسكرية فحسب، بل إن الشرارة انطلقت من المواجهة البطولية من مدنيين عزل ضد الجيش الإسرائيلي في حي الشيخ جراح وسلوان المقدسيتين ودفاعاً عن  المسجد الأقصى، وهي مواجهة مستمرة وممتدة، ولم تنته بصمت صواريخ المقاومة، لكن شعور الفلسطينيين بأنهم وحدهم، وأداء السلطة الكارثي، وضع حماس في مركز القيادة وبخاصة وسط غياب حركة فتح  شبه الكلي وهي الفصيل الأكبر في منظمة التحرير الفلسطينية..
لكن المواجهة العسكرية لم ولن تحسم المعركة، إذ لا مقارنة لقدرة إسرائيل على تجديد وتطوير قدراتها بدعم أميركي بالغ السخاء، ولغياب مخجل للأنظمة العربية، تتباين في درجات التطبيع مع الدولة الصهيونية، إضافة إلى نوعية المعركة كونها أصبحت مواجهة شاملة على كل أرض فلسطين التاريخية، ولا يمكن تحديدها بحدود قطاع غزة أو الضفة الغربية، وبالتالي تحتاج لرؤية جديدة وتوظيف استراتيجي لكل أشكال ومقومات المقاومة..
تصريحات قادة حماس لا تدل على استيعاب للمرحلة، فهي تتحدث عن معركة أحدثت تغييرا في المعادلة الاستراتيجية للصراع، لكنها لا تتعامل لا نظرياً ولا عملياً مع متطلبات ثورة شعبية، لم تقتصر على الأراضي المحتلة عام 1967 بل امتدت إلى الأراضي المسلوبة التي أقامت عليها الدولة العنصرية نظامها الكولونيالي العنصري عام 1948.. لكن رؤية حماس، او غياب الرؤية، لا تلغي أن الحركة أصبحت، وفقا لاستطلاعات الرأي،  في نظر أغلبية الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة  القيادة الأقدر على قيادة  الشعب الفلسطيني وتمثيله.

(أنظر رابط الاستطلاع)
 

هذا شيء غير مستغرب فالشعب، الذي يكافح من أجل حريته، يثق بالخيار المقاوم وينبذ ما أصبحت تجسده السلطة الفلسطينية من تواطؤ وقمع اشكال المقاومة الشعبية وغيرها، وهي حقيقة يجب ان تستوعبها قيادة فتح، التي تساهم في تدمير جسم الحركة بالمشاركة مع السلطة الفلسطينية؛ إذ إنها من قواعد دينامكية تطور أو انحسار حركات التحرر فالحركة المقاومة تقود.
تدل تصريحات حماس على أنها تعتبر أن هذه لحظتها التاريخية بانتزاع التمثيل من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، تماما مثلما انتزعت فصائل المقاومة المسلحة وعلى رأسها حركة فتح قيادة منظمة التحرير عام 1969م من وصاية الأنظمة العربية المهزومة في حرب يوينو/ حزيران 1967، لكن نحن في وضع مختلف من حيث وجود فصائل أخرى لها وجودها على الأرض، لا يمكن استبعادها والتركيز على فصائل إسلامية صغيرة تابعة لحماس، وإذا اتبعت أسلوب الإقصاء في سعيها للقيادة سيرتد هذا عليها، فالنصر الذي يفتقر إلى رؤية تنبع من استراتيجية بعيدة المدى، يبدأ تأثيره بالتلاشي سريعاً.
فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح على وجه الخصوص خاضت معارك مستمرة، وكانت مطاردة إسرائيلياً  من حصار إلى حصار، وبالرغم من أخطائها، تضامنت معها شعوب وحركات تحرر كانت موجودة في حينها، فيما تعمل حركة حماس في ظروف مختلفة تماما وتفتقر الى التحالفات الثورية، وذلك قد يجبرها على عقد مساومات لتثبيت قيادتها، إضافة إلى أنها سلطة على الأرض، سلطة محاصرة ومنقوصة السيادة تلجأ إلى اتفاقيات "هدنة" غير مباشرة مع إسرائيل لضمان استمراريتها،  لكنها سلطة مجربة لها سجل فئوي وقمعي، ولن تستطيع ان تحافظ على التأييد الشعبي لمدة طويلة اذا استمرت على ذات النهج.
لا نستطيع إنكار ما حققته حماس بالدخول في حرب الصواريخ حتى لو فرضنا جدلا أنها دخلت حرب الصواريخ  لتولي السلطة، بعد إلغاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس الانتخابات التشريعية أو خدمة لأهداف إيران في إضعاف الحملة الإسرائيلية ضد استئناف المفاوضات الإيرانية –الأميركية حول مشروعها النووي،  فهي صدمت الإسرائيليين بتطور مقدراتها، وخرقت فقاعة الأمن والأمان للإسرائيليين في بيوتهم فيما تعود الإسرائيلي التمتع بحياته اليومية والليلية فيما يحرم  الصهيوني، حقاً مماثلا للفلسطينيين، إذ إن الفلسطيني  في عرف التفوق العنصري الذي زرعته الدولة،  كائن دوني لا يُقدِر ويفهم الاستمتاع أو العيش حتى.
إنجازات  حماس، وإن كانت نصرا، هو آني في تأثيره وقد يتبدد اذا نظرنا إلى حجم الخسائر الجسيمة في الأرواح وإبادة عائلات كاملة وتدمير بيوت ومبان وأحلام بالعيش المستقر والكريم، فالعدو الإسرائيلي يرتكب الجرائم دون رادع او عقاب، لكن هذا يستوجب على حماس مراجعة تجربتها، فتوظيف الكفاح المسلح مشروع، لكن غير واضح كيف تريد قيادة حماس توظيفه لصالح تقدم عملية التحرير وما هدفها تماما.
فتحركات حماس وتصريحاتها بعد المعركة، تشير أولا إلى أنها لم تحدد هدفا واضحا، فالقيادة تتحدث عن الالتزام بحل الدولتين فيما نسفت نفس المعركة التي شاركت بها حماس، إلى جانب الانتفاضة الشعبية هذا الحل، ليس نتيجة بقاء وتوسيع المستعمرات فحسب بل للتغيير العميق في نظرة الشعب الفلسطيني إلى معركته، فانتفاضة الفلسطينيين في كل أرجاء أرض فلسطين التاريخية هي عودة إلى المربع الأول، أي المطالبة بتحرير كل فلسطين. 
هذا تحد ليس لحماس فحسب بل لكل الفصائل وأولها فتح، التي لم تستطع حتى التحرك، وبقيت مكبلة بقيود قيادة مهزومة، لكن أيضا تحد كبير لحماس التي  حازت على دعم أغلبية الشعب الفلسطيني، لكنها الى الآن  تتجه عيونها الى أخذ مكان السلطة في كل شيء. والخطر أن تسعى الى مقعد بدلا من السلطة في المفاوضات، فقيادتها لمعركة مهمة، لم تغير موازين القوة على المدى البعيد ولا الشروط الأميركية –الإسرائيلية، وهي الشروط التي تقرر المخرجات حتى لو اعتمدت حماس أهم الخبراء في فلسطين والعالم.
أي إذا لم تتعلم حماس من منظمة التحرير وتجربتها، فتكون قد حازت على كرسي السلطة والمفاوضات وتخلت عن كل شعاراتها. مقاطعة الدول الغربية واميركا لحماس بعد فوزها بالانتخابات غير مشروع ويعبر عن استعلاء استعماري بشع، لكن فتح حوار مع أميركا والدول الغربية بشروط مجربة يفقدها شرعية سعيها لتمثيل الشعب الفلسطيني، إذ نحن نتحدث بعد عقدين من مفاوضات "سلام" فاشلة، وإن لم تتعظ حماس يكن جل همها السلطة لا غير..
هي ليست مسألة تكهنات غير مشروعة بل أسئلة توجه الى قيادة حماس، فغياب الوضوح في الرؤية والتحالفات قضايا مهمة بل مفصلية، توجه الكثيرون في النقد لحماس لمديحها إيران، والنظام السوري ( الأخير على لسان أسامة حمدان)، فالتناقض بين قيادة حركة تحرر والتماهي مع طهران، فيما يعاني الشعب العراقي من  تداعيات الغزو الأميركي وسطوة احزاب طائفية تؤيدها إيران، ومع سجل بشار الأسد في اضطهاد الشعب السوري، سؤال أخلاقي لا بد من طرحه ولكن ليس على حماس وحدها، فكل قيادة للشعب الفلسطيني، أياً كان توجهها، تواجه نفس الخيارات ونفس الأسئلة ونفس المأزق، فكيف تخطو أي قيادة محكومة بالجغرافيا وموازين مختلة بين اهدافها التحررية وسجلات أنظمة قد تحتاج دعمها في هكذا حقل ألغام؟
سؤال مطروح على الجميع يحتاج حواراً معمقا وصريحا، لكن في حالة حماس هناك سؤال أكثر إلحاحا يتعلق بأيديولوجيتها وعلاقتها بتنظيم الإخوان الدولي، ليس بطبيعة النظام الذي  قد تريد فرضه حماس فحسب، بل، وهو الأهم، هل حماس مستقلة عن أهداف تنظيم الإخوان الدولي؟ هذا تحديد لحماس وبخاصة بعد زيارة اسماعيل هنية المغرب ولقائه الحكومة التي يقودها الإخوان المسلمين في المغرب، التي أيدت معاهدة تطبيع مع إسرائيل بالرغم من معارضة واسعة بين الشعب المغربي بما فيها قاعدة حزب العدالة نفسه..
أجوبة المقربين من حركة حماس ليست مقنعة، إن شاءت حماس أو أبت فالزيارة تعطي غطاء لاتفاقيات تتضمن محاولة تطبيع ثقافية، وتدعم تيارا تطبيعيا يؤمن بالرواية الصهيونية ويتحدى أغلبية الشعب المغربي، هذه الزيارة بالذات هي دعم تنظيم إخواني لحزب إخواني آخر، وعذر فتح قناة إضافية  بديلة لمصر مع إسرائيل غير مقبول..
ما لم تلتفت حماس إلى المعادلة التي غيرها الشعب الفلسطيني بأكمله، وتعي أنها لم تكن إنجازا حصرياً لها، وأن يكون دورها مكملا للهبة الشعبية ونابعا من رؤية تحررية استراتيجية، وأن لا تحاول إخضاع كل فصول المعركة لطموحها، وتحدد أهدافا وطنية واضحة وأن تكون على استعداد للأسئلة الصعبة لن تكون مؤهلة لقيادة الشعب الفلسطيني، الذي التف حولها كحركة مقاومة وليس تأييدأ لأيديولوجيتها. وهناك فرق كبير بين المسألتين؛ فهي الآن مستفيدة من غياب أو تدهور حركة فتح، لكن إذا تمسكت بأيديولوجية دينية ضيقة فلن تقود الشعب الفلسطيني في حركة تحرر حتى إن كسبت تأييده مرحلياً.
 

المساهمون