تثير تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، والتي أطلقها الأربعاء الماضي، بشأن استعداد بلاده لدعم النظام السوري إذا ما قرّر مواجهة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، اهتمام الأوساط السياسية السورية، خصوصاً في ضفة المعارضة، لجهة ما إذا كانت تحمل تغييراً في الموقف التركي إزاء النظام السوري، وتالياً حيال المعارضة التي لا تزال تركيا من الدول القليلة التي تحتضنها.
وقال جاووش أوغلو، في تصريحات نقلتها وكالة أنباء "الأناضول" مساء الأربعاء الماضي، إن بلاده أجرت سابقاً محادثات مع إيران بخصوص إخراج "الإرهابيين" من المنطقة، في إشارة إلى المسلحين الأكراد، وإنها ستقدّم كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام السوري في هذا الصدد، معتبراً أنه حق طبيعي للنظام أن يزيل "التنظيم الإرهابي من أراضيه، لكن ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة إرهابية".
أكد جاووش أوغلو أن لدى بلاده اختلافات في الرأي مع روسيا وإيران حول سورية
وأضاف جاووش أوغلو، في حديثه عبر قناة "تي في 100" التركية، وفق ما نقلت "الأناضول"، أن "الولايات المتحدة وروسيا لم تفيا بوعودهما بإخراج الإرهابيين من المنطقة، وهذا يدل على عدم إخلاصهما في محاربة الإرهاب".
تصريحات جاووش أوغلو و"تفاهمات" قمّة طهران
ويتساءل مراقبون عما إذا كان تصريح الوزير التركي يعكس تفاهمات جرى التوصل إليها في قمّة طهران الأخيرة التي جمعت في 19 يوليو/ تموز الحالي قادة تركيا وإيران وروسيا، الرؤساء رجب طيب أردوغان وإبراهيم رئيسي وفلاديمير بوتين، أم هي تكرار لمواقف تركية قديمة، وإن كانت غير واضحة، تدعم أن يحل النظام السوري محل المسلحين الأكراد في السيطرة على المناطق الحدودية مع تركيا.
وخلال قمّة طهران وبعدها، صدرت تصريحات عدة من مسؤولين إيرانيين وروس، تعارض العملية التركية المحتملة في الشمال السوري، وهو ما أكده جاووش أوغلو، بقوله إن لدى بلاده اختلافات في الرأي مع روسيا وإيران في سورية.
المعارضة السورية تتوجس
وتلقت أوساط المعارضة السورية تصريحات جاووش أوغلو بكثير من التوجس، على الرغم من عدم صدور تعليقات مباشرة من جانب مؤسسات المعارضة الرسمية، لأسباب مفهومة، إذ تحتضن تركيا معظمها.
ودعا المجلس الإسلامي السوري العلماء والخطباء للتأكيد على أن نظام بشار الأسد ومليشياته يشكلان "الإرهاب الأكبر" بالنسبة للشعب السوري.
وطالب المجلس في بيان له على موقعه الرسمي، مخاطباً المشايخ من الخطباء والمفتين، بأن يكون محور خطبة الجمعة (أمس) في جميع المساجد، التركيز على أن "أكبر إرهابٍ يُمارس اليوم داخل سورية هو إرهاب العصابة المجرمة الطائفية الحاكمة، وأن يكون المحور الثاني هو أن قسد والعمال الكردستاني والوحدات الكردية عصابات إرهابية، وهي من أدوات النظام المجرم في حربه على السوريين وجوارهم التركي، وإن محاربة إرهابهم لا تكون بدعم وتقوية إرهاب آخر أكبر منه"، في إشارة إلى تصريحات الوزير التركي.
أكد قياديون في المعارضة السورية المسلحة أن محاربة نظام الأسد هي الأولوية
من جهته، قال أبو أحمد نور، قائد الفيلق الثالث في "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا، إنه "لا إرهاب في سورية يفوق إرهاب عصابة الأسد المجرمة المارقة"، وأضاف في حسابه على "تويتر"، أن "حزب العمال الكردستاني" و"وحدات حماية الشعب" الكردية، "عصابات أنتجها نظام بشار المجرم، وحربها لا تكون بدعم أو بالتنسيق أو حتى بالتعاون مع مُشغلها وصانعها"، معتبراً أن محاربة نظام الأسد سوف تنهي "مشكلة المليشيات الانفصالية والإرهابية والظلامية وعصابات المخدرات، فهو محركهم ومديرهم"، وفق تعبيره.
بدوره، قال العقيد حسين حمادي، قائد حركة "التحرير والبناء" التابعة لـ"الجيش الوطني": "نحن السوريين نعمل ضمن خريطة حدودها الشهداء الأحرار، فلا يمكن تحت أي ظرف كان أو قاعدة سياسية مهما كانت، أن تجعلنا نخرج نظام الأسد وإرهاب وحدات حماية الشعب من قائمة أعدائنا".
ونقلت شبكة "الخابور" عن حمادي تساؤله عن جدوى التعاون مع نظام الأسد "إذا كانت الوحدات الكردية والعمّال وكل التنظيمات الإرهابية من صنع نظام الاستبداد في سورية؟".
بالون اختبار أو تغير جوهري؟
وتعليقاً على هذه التطورات، رأى الباحث السياسي في مركز "جسور" للدراسات وائل علون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه ينبغي التريث في التعامل مع تصريحات الوزير التركي إلى حين اتضاح السياق الذي جاء فيه، وهل هو مجرد بالون اختبار تكتيكي، أم يعبّر عن تغيير جوهري في الموقف التركي.
شادي عبد الله: التقارب بين النظام وتركيا إن حصل فسيواجه تعقيدات
من جهته، حذّر العميد عوض العلي، الذي تسلم سابقاً وزارتي الدفاع والداخلية في الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة، الجانب التركي "من الثقة بنظام الأسد الذي استقدم عشرات المجموعات الطائفية لقتل شعبه، ولا يستحق أن يتلقى أي دعم من تركيا".
ولفت العلي إلى أن نظام الأسد "هو الذي صنع تنظيم العمال الكردستاني في القرن الماضي وما تفرع عنه، بهدف ابتزاز أنقرة"، معتبراً أن "القضاء على الإرهاب، لا يكون بدعم إرهاب أشدّ منه". ورأى العلي أن تركيا والمنطقة لن ترتاحا من شرور الإرهاب "ما دامت هذه العصابة تسيطر على القرار في دمشق"، مؤكداً أن "ثمن الابتعاد عن هذه العصابة الحاكمة في دمشق، مهما كان كبيراً، يظل أقل بكثير من ثمن الاقتراب منها".
وكانت قمة طهران الأخيرة قد تزامنت مع وصول وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد إلى العاصمة الإيرانية، حيث أجرى مباحثات مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وأطلق من هناك تصريحات اعتبرت أنها لا تحمل شحنة عدائية تجاه تركيا.
وخاطب المقداد تركيا بقوله: "لا ينفع تركيا أو غير تركيا أن تخترق الحدود السورية، وأن توجد مناطق آمنة، لأن هذا سيخلق نوعاً آخر من الصراع بين الدولة السورية والدولة التركية"، واعتبر أن اختراق تركيا الحدود السورية "سيؤثر على علاقة الشعبين الشقيقين والصديقين في تركيا وفي وسورية".
وحرص المقداد على التذكير بفترات انتعاش العلاقات بين تركيا وسورية سابقاً بقوله إنه "من المعروف أننا خضنا تجربة طويلة في هذا المجال، انتعش خلالها الاقتصاد التركي وشهد الاقتصاد السوري قفزات مماثلة".
وتحدثت العديد من وسائل الإعلام التركية في الفترة الأخيرة عن أن الحكومة التركية تجري عملية تقييم للملف السوري بشقيه الإنساني والسياسي، بهدف بحث خياراتها قبل حلول عام 2023، موعد الانتخابات الرئاسية، مع عدم استبعاد أن يقوم الجانب التركي ببعض التعديلات في سياسته تجاه الملف السوري.
ووفق تلك الوسائل، فإن الانفتاح على النظام السوري قد يوفر لتركيا فرصاً سياسية، خصوصاً لجهة التعاون بشكل أوثق مع روسيا لمحاربة ما تعتبره أنقرة تنظيمات إرهابية كردية على حدودها، إضافة إلى إمكانية توسيع تركيا نشاطها العسكري والأمني ضمن الأراضي السورية لمطاردة ما تعتبره تنظيمات إرهابية، بالتعاون مع النظام السوري.
في المقابل، رأى المحلل السياسي شادي عبد الله، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذا التقارب إن حصل فهو سيواجه تعقيدات إضافية، كأن يطالب النظام تركيا بالانسحاب من الأراضي السورية كشرط للتعاون معها، وهذا يعني تخليها عن المعارضة التي استثمرت تركيا الكثير في دعمها خلال السنوات الماضية.
وأضاف عبد الله أن هذا يعني خسارة تركيا نفوذها في الملف السوري، مع احتفاظها بملايين اللاجئين السوريين الذين يعتبر معظمهم من المعارضين لنظام الأسد، ولا يمكنها إجبارهم على العودة إلى مناطق سيطرته، بينما تخطط حالياً لإعادة الكثير منهم إلى مناطق تسيطر عليها فصائل المعارضة المدعومة من قبلها.