كشفت مصادر مصرية خاصة، أن من ضمن المسائل الرئيسية التي بحثها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مع نظيره السنغالي ماكي سال، في القاهرة، أول من أمس السبت، مسألة "تدخّل مصر بفاعلية" في منطقة الساحل الأفريقي لمحاربة الإرهاب.
وقالت المصادر إن "الأمر ذاته بحثته القيادة المصرية مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال زيارته إلى القاهرة الأسبوع الماضي". ويأتي ذلك، مع تراجع الدور العسكري الفرنسي في مالي، ومنطقة الساحل الأفريقي عموماً، والصعوبات التي تواجهها قوة "تاكوبا" الأوروبية في المنطقة.
عرض مصري عسكري في الساحل الأفريقي
وأوضحت المصادر، لـ"العربي الجديد"، أن مصر "ترغب في توسيع الدور الذي تلعبه في أفريقيا، من خلال التدخّل بفاعلية في عمليات محاربة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، بعد تسع سنوات من فشل المحاولات الفرنسية، التي أعاقت الجهود المصرية السابقة في هذا المجال، والتي بدأت في مارس/ آذار 2015، حيث قامت بالتدخل العسكري المباشر في كل من مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى".
مصر ترغب في توسيع دورها في أفريقيا، من خلال التدخّل بفاعلية في عمليات محاربة الإرهاب
ورجّحت المصادر أن يكون "العرض المصري، الذي اتفق مع رغبة سنغالية، بالمساعدة في جهود محاربة الإرهاب في الساحل الأفريقي، جاء بعد تنسيق مع فرنسا، التي تريد إنهاء وجودها العسكري في المنطقة بعد سنوات من الفشل العسكري والخسائر المادية والبشرية".
وأوضحت المصادر أن "السيناريو المرسوم، يمكن تنفيذه على أرض الواقع، عبر تشكيل قوات عسكرية أفريقية مشتركة، ولكن الدور الفرنسي لم يتم تحديده بشكل واضح حتى الآن".
ولفتت المصادر إلى أن "المقاربة المصرية المقترحة في ما يتعلق بجهود مكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي، تنقصها بعض التفاصيل المهمة، مثل قيادة القوات المشتركة، وسبل التعاون مع فرنسا، وغيرها من التفاصيل الفنية".
تجمع عسكري لمحاربة الإرهاب
وأشارت المصادر إلى أن المقاربة المصرية تعتمد على فكرة تحويل التجمع الاقتصادي المسمى بتجمع "دول الساحل والصحراء" (25 دولة)، الذي أنشئ عام 2002، إلى تجمع عسكري لمحاربة الإرهاب، ولذلك انبثقت عن اجتماع الدول الأفريقية، اجتماعات لوزراء الدفاع الأفارقة، استضافتها مصر في عام 2015 وأصبحت تعقد سنوياً.
وأضافت المصادر أن تجمع "دول تجمع الساحل والصحراء تسعى للحصول على تدريبات عسكرية متقدمة على الأراضي المصرية، باعتبار أنه الأسلوب الأنسب للحرب على الإرهاب، وتشارك مصر في تلك الرؤية". وذكّرت المصادر بأن "مصر عادة ما تروج لنجاحها في ما يسمى بالحرب على الإرهاب على أراضيها، وأنه يمكن أن يكون نموذجاً دولياً في هذا المجال".
وقال دبلوماسي مصري سابق، إن المقترح المصري بتكوين القوة الأفريقية المشتركة، جاء حتى تطمئن شعوب الساحل الأفريقي إلى أن القوة المشتركة، ليست لها أهداف استعمارية، ولا تخدم مصالح خاصة لدول كبرى، وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة، ولكن الهدف منها مصلحة شعوب القارة والأمن الأفريقي.
وأشار المصدر إلى أن "قرار تشكيل واستخدام هذه القوة هو في أيدي الاتحاد الأفريقي، المخوّل له التصديق على استخدامها، وذلك بعد اقتراحها من قبل مجلس الأمن والسلم الأفريقي، الذي يعد أهم مؤسسة داخل الاتحاد، والذي ينتخب من الجمعية العمومية للاتحاد، والذي انبثقت عنه لجنة فنية من الخبراء المتخصصين في الشؤون العسكرية".
المقاربة المصرية تعتمد على فكرة تحويل تجمع "دول الساحل والصحراء" الاقتصادي إلى تجمع عسكري
ومن المقرر أن يتسلم الرئيس السنغالي ماكي سال، رئاسة الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي لعام 2022 عن دول غرب القارة. وستعقد أعمال القمة الأفريقية العادية الـ35 لرؤساء الدول والحكومات يومي 5 و6 من فبرير/شباط المقبل (في أديس أبابا).
الدبلوماسي المصري السابق، والخبير في الشؤون الأفريقية، قلّل من احتمالات التدخل العسكري المصري المباشر في الساحل الأفريقي.
وقال إن "محاربة الإرهاب يمكن أن تتم عبر تنسيق التعاون، وتقديم التدريب العسكري لجيوش تلك الدول، بالإضافة إلى تكوين قوات من الاتحاد الأفريقي، لكن لا أن تتدخل مصر عسكرياً بشكل مباشر، لأن ذلك من شأنه أن يتسبب في أضرار جسيمة للقوات المصرية، ووقوع خسائر بشرية ومادية".
وأشار المصدر إلى أن مصر "لديها تجربة ناجحة في مكافحة الإرهاب، وفي التعاون الأمني والعسكري مع الدول الأفريقية، إضافة إلى تجربة اجتماعات دول الساحل والصحراء التي نتجت عنها بعض الآليات المهمة، منها إنشاء مركز إقليمي في القاهرة لمكافحة الإرهاب، وتنظيم التدريبات العسكرية المشتركة مع دول الساحل والصحراء، وتقديم مصر 2000 منحة دراسية عسكرية لدول الساحل والصحراء".
وقال السيسي، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع ماكي سال، أول من أمس السبت، إنه أكد خلال المباحثات على "الاهتمام المصري بجهود صون السلم والأمن وتحقيق الاستقرار في القارة، بما فيها منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، فضلاً عن منطقة الساحل الأفريقي، والتي تشهد تطورات وتحديات متشابكة نظراً لتفاقم وتمدد الجماعات الإرهابية".
وأضاف السيسي: "أكدت استعدادنا لدعم الجهود الأفريقية لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف من خلال توفير برامج التأهيل وبناء القدرات عن طريق الأجهزة المصرية المتخصصة، وكذلك مؤسساتها الدينية العريقة، وذلك لإعلاء قيم الإسلام الوسطي المعتدل الذي تنادي به مصر في سبيل القضاء على الإرهاب".
وخلال استقبال الرئيس السنغالي، أكد السيسي "حرص مصر على تعزيز العلاقات وترسيخ التعاون الاستراتيجي مع السنغال في شتى المجالات لإقامة شراكة مستدامة بين البلدين، خصوصاً في ضوء أهمية الدور السنغالي في منطقة غرب أفريقيا، بما يعكس مزيداً من التنسيق والتعاون في ما يتعلق بقضايا الأمن الإقليمي والعمل التكاملي لإرساء السلام والاستقرار في القارة الأفريقية".
وأشارت الرئاسة المصرية، إلى أنه "تمت مناقشة سبل تعزيز التعاون بين البلدين خلال الفترة المقبلة في مجال مكافحة الإرهاب في منطقة السـاحل، والارتقاء بقدرات القوات العسكرية الوطنية في المنطقة لمواجهة التنظيمات الإرهابية".
وذكّرت الرئاسة بـ"الجهود التي تقوم بها مصـر لمكافحة الإرهاب من خلال إقامة الدورات التدريبية لبناء مؤسسات دول الساحل والقارة ككل، وكذا رفع قدراتها في شتى المجالات الفنية والعسكرية، فضلاً عن برامج مكافحة الفكر المتطرف المقدمة عن طريق مختلف المؤسسات المصرية الدينية العريقة بهدف إعلاء قيم الإسلام الوسطي المعتدل على مستوى القارة الأفريقية".
من جهته، أكد سال "الحرص على الاستفادة من الجهود والتجربة والرؤية المصرية لتعزيز العمل الأفريقي المشترك وقيادة دفة الاتحاد الأفريقي، خصوصاً في ضوء قرب تسلم السنغال لرئاسة الاتحاد خلال القمة الأفريقية السنوية المقبلة، إلى جانب ما تشهده القارة الأفريقية بشكل عام، ومنطقتي الساحل وشرق أفريقيا على وجه الخصوص، من تحديات متلاحقة ومتزايدة".
واعتبر سال أن هذا الأمر "يفرض تكثيف التعاون والتنسيق مع مصر وقيادتها على خلفية الثقل المحوري الذي تمثله في المنطقة والقارة بأسرها على صعيد صون السلم والأمن".
نتائج عكسية للانخراط الفرنسي
وحثّت فرنسا و14 دولة أخرى، مالي، الأربعاء الماضي، على السماح للقوات الخاصة الدنماركية بالبقاء ضمن قوة "تاكوبا" الأوروبية المنتشرة في الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، غير أن الحكومة الانتقالية العسكرية في باماكو أصرت على انسحابها على الفور.
وعبّرت الدول الـ15 في بيان، عن "أسفها الشديد إزاء مزاعم حكومة مالي، بأن الوحدة الدنماركية في تاكوبا تفتقر إلى الأساس القانوني المناسب".
وأنشئت "قوة تاكوبا" لتحل جزئياً محل عملية مكافحة الإرهاب الفرنسية في منطقة الساحل بغرب أفريقيا، إذ بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تقليص العملية التي تضم أكثر من خمسة آلاف جندي. وتضم القوة 14 دولة أوروبية تقدم قوات خاصة ودعماً لوجستياً وتكتيكياً للعمل جنباً إلى جنب مع القوات الإقليمية لاستهداف المتشددين.
وقالت مصادر دبلوماسية غربية في القاهرة، إن الرئيس الفرنسي "يعول على دور أفريقي أوسع، بقيادة مصرية، لمحاربة الإرهاب في الساحل الأفريقي".
ولفتت المصادر إلى أن "انتشار القوات العسكرية الأجنبية، لا سيما الأميركية والفرنسية، في منطقة غرب أفريقيا وخصوصاً منطقة الساحل، بات يواجه انتقادات عديدة وعلنية، لأنه ينظر إليه على أنه بمثابة احتلال لجزء من أراضي الدولة، كما أنه في أوقات كثيرة لا تستطيع تلك القوات التصدي للعمليات العسكرية المضادة التي تتسبب في عدم الاستقرار، إضافة إلى الخسائر المادية والبشرية الضخمة".
وأوضحت المصادر أنه "بعد 9 سنوات من التدخل العسكري المباشر، اقتنعت فرنسا بأن وجودها العسكري وانتشارها في منطقة الساحل الأفريقي قد أدى إلى نتائج عكسية، ولذلك فهي تبحث الآن عن بديل عملي وفعّال، قد يكون بمساعدة مصر".
ويتخذ التعاون العسكري جانباً مهماً من العلاقات بين مصر وفرنسا، إضافة إلى التعاون المعلوماتي وعلى مستوى التدريب، حيث يوجد أكثر من 70 نشاط تعاون (تدريب، أجهزة وحوار استراتيجي) في الخطة السنوية للتعاون في مجال الدفاع بين البلدين.
وشهدت الأعوام الثلاثة الأخيرة بدءاً من 2015 عقد عدد كبير من الصفقات العسكرية بين البلدين، خصوصاً في ما يخص القوات الجوية والبحرية.
ووقّع الجانبان في 2015 عقوداً لتوريد حاملتين للمروحيات من طراز "ميسترال"، و24 طائرة "رافال" متعددة المهام في العام ذاته وصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وفرقاطة، ومعدات عسكرية أخرى. ووصلت أولى دفعات الطائرة الفرنسية "رافال"، بـ3 طائرات في يوليو/تموز 2015، وتوالى تسليم الدفعات خلال السنوات الماضية.
كما شملت الصفقات المصرية فرقاطات بحرية، ووصلت أولى حاملة المروحيات في يونيو/حزيران 2016، إلى القاعدة البحرية في مدينة الإسكندرية. وإجمالاً تسلمت مصر 4 قطع بحرية "فرقاطة" كانت آخرها الفرقاطة "الفاتح" المصرية فرنسية الصنع من طراز "جويند" في 2017.