هجوم موسكو: فرصة الكرملين للترهيب واستنساخ عهد القمع السوفييتي

05 ابريل 2024
شرطيان روسيان في سان بطرسبرغ، 27 مارس الماضي (أناتولي مالتسيف/Epa)
+ الخط -
اظهر الملخص
- حادثة "كروكوس سيتي" في ضواحي موسكو تسفر عن مقتل 150 شخصًا، مما يثير مخاوف من عودة روسيا لممارسات النظم الأمنية الصارمة كما في الاتحاد السوفيتي، ويؤدي إلى تشديد قوانين الهجرة وزيادة الكراهية ضد الأجانب.
- الرئيس بوتين يتهم أوكرانيا بالوقوف خلف الهجوم، بينما تنفي بيلاروسيا ذلك، وتحذيرات أمريكية سابقة لروسيا من هجمات محتملة من "داعش - خراسان".
- دعوات داخل روسيا لعودة ممارسات سوفييتية مثل الاغتيالات، وتركيز على اعتقال المنفذين الطاجيك وسط جدل حول صحة اعترافاتهم ودعوات لإعادة عقوبة الإعدام، مع قلق حقوقي من الانزلاق نحو ممارسات قمعية.

أجج اعتداء "كروكوس سيتي" في ضواحي العاصمة الروسية موسكو، في 22 مارس/ آذار الماضي، والذي راح ضحيته نحو 150 شخصاً، المخاوف من انزلاق روسيا إلى ماضٍ أكثر تشابكاً مع النظم الأمنية التي كان معمولاً بها في أيام الاتحاد السوفييتي السابق، خصوصاً بما يتعلق بارتفاع الأصوات الرسمية الداعية للعنف تجاه منفّذي الاعتداء، ومن يقف وراءه بحسب الكرملين، فضلاً عن تشديد القوانين المتعلقة بالهجرة، في ظلّ تنامي موجة كراهية للأجانب، الذين بات العديدون منهم يعيشون حالة رعب في الأراضي الروسية. وقبل 5 أيام من اعتداء "كروكوس سيتي"، في 17 مارس الماضي، حقق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتصاراً انتخابياً، بفوزه بولاية رئاسية خامسة، وسط انتقادات داخلية وخارجية لعملية الاقتراع. وفي وقتٍ كانت الصور والفيديوهات التي تُظهر نقمة من روس في صناديق الاقتراع تنتشر في الخارج الروسي، حصلت صدمة الاعتداء.

وعلى الفور، باتت روسيا أسيرة أسئلة عدة، من قبيل كيفية نجاح المنفذين في اختراق الأمن الروسي، في ظلّ الغزو المستمر لأوكرانيا منذ 24 فبراير/ شباط 2022، وأيضاً في كيفية تمكن المنفذين من الهروب بسيارة لمسافات طويلة قبل توقيفهم في غابات كالوغا في الغرب الروسي. غير أن أهم الأسئلة التي طُرحت في حينه تمحورت حول ما ستكون عليه ردّة فعل الكرملين إزاء ما حصل. لم تتأخر الإجابات بالظهور، إذ تعهّد بوتين، في اليوم التالي للاعتداء، بـ"مطاردة العقول المدبّرة لهجوم 22 مارس"، متهماً أوكرانيا بالوقوف خلفه، بحجة أن المنفذين كانوا يحاولون الفرار إليها، وأن "أحداً ما كان ينتظرهم على الحدود الروسية الأوكرانية".

ميدفيديف: على روسيا أن تحذو حذو السوفييت في الاغتيالات

غير أن حليفه، الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، نفى بطريقة غير مباشرة الاتهامات الروسية لأوكرانيا، بالقول إن "المهاجمين كانوا يعتزمون في البداية دخول بيلاروسيا بدلاً من أوكرانيا". وأوضح لوكاشينكو، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء "بيلتا" البيلاروسية: "لم يتمكنوا من دخول بيلاروسيا... كان المسؤولون عنهم يعلمون أن محاولة دخول بيلاروسيا ستكون فكرة سيئة للغاية، لأن بيلاروسيا عززت على الفور الإجراءات الأمنية". وفيما كانت الإدارة الأميركية تسرب معلومات عن تحذيرات قدمت إلى روسيا قبل الهجوم بشأن رصد معطيات عن عزم تنظيم "داعش - خراسان" على تنفيذ هجمات داخل أراضيها، تمسك بوتين بسرديته، وإن بدا أكثر ميلاً للاعتراف بتورط متشددين، معتبراً في خطاب آخر أن "إسلاميين متطرفين" نفّذوا الاعتداء، لكن أوكرانيا تقف خلفه، على الرغم من نفي كييف بشدة هذه الاتهامات.

ومع تأكيده على روايته، لاقاه أحد أركان حكمه، وهو الأمين العام لمجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف، أول من أمس الأربعاء، بالقول إن "أجهزة خاصة أوكرانية تقف خلف اعتداء كروكوس سيتي". أما دميتري ميدفيديف، نائب باتروشيف، فذهب بعيداً بالدعوة إلى "نشر قَتَلَة في كل مكان لقتل قادة أوكرانيا، إذا ثبت تورّطهم في الاعتداء". وفي تعليق على تطبيق تليغرام، قال ميدفيديف "إن على روسيا أن تحذو حذو الممارسة السوفييتية في القرن الماضي من الاغتيالات، مثل اغتيالات القوميين الأوكرانيين يفغين كونوفاليتس وستيبان بانديرا". وكونوفاليتس كان قومياً أوكرانياً، أُعدم على يد السوفييت في عام 1938، بسبب مساعيه لاستقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي. أما بانديرا فقُتل بغاز السيانيد في عام 1959، في ألمانيا الغربية، على يد عملاء من "كا جي بي" (لجنة أمن الدولة السوفييتية)، بسبب عمله لتحقيق استقلال أوكرانيا.

ويركّز بوتين على اتهام أوكرانيا، متغاضياً عن واقع تلقّي أجهزته الأمنية تحذيراً مسبقاً من الأميركيين، في مطلع مارس الماضي، حول "تخطيط متطرفين لهجوم وشيك". ويقول منتقدو الكرملين إن قوات الأمن تركز بشدة على شن أقسى حملة على المعارضة منذ الحقبة السوفييتية. وخلال عمليات التوقيف التي تلت الاعتداء، ركزت السلطات الروسية على المنفذين الأربعة، وهم طاجيكيون. ونشرت وسائل إعلام روسية اعترافات بالفيديو عن تورطهم في الهجوم، لكن صحة هذه التصريحات أصبحت موضع تساؤل لأن الرجال تعرضوا للضرب المبرح على ما يبدو، وحملوا علامات وحشية أخرى عندما مثلوا أمام المحكمة. وتم تناقل مقاطع فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول تعرّض هؤلاء للضرب وسوء المعاملة، لكن السلطات الروسية رفضت التعليق، في مؤشر يوحي بإضفاء الرعب على النمط الأمني الجديد.

وحول هذا التطور، قالت تانيا لوكشينا، المديرة المساعدة لأوروبا وآسيا الوسطى في منظمة هيومن رايتس ووتش، لوكالة أسوشييتد برس، إنه "يبدو أن المشاركة السريعة والواسعة النطاق لمقاطع الفيديو ليست مصادفة، بل هي نوع من التباهي المروع من قبل حكومة بوتين". ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل طلب من يوصفون بـ"الصقور" وبعض كبار المشرعين إعادة العمل بعقوبة الإعدام، التي تم تعليقها منذ عام 1996 عندما انضمت روسيا إلى منظمة مجلس أوروبا، المعنية بحقوق الإنسان في القارة. إلا أن الأمر غير محسوم في الكرملين. مع ذلك، رأت مجموعة نت فريدومس، وهي مجموعة روسية تركز على حرية التعبير، أن "التصريحات القاسية من بوتين وميدفيديف تجيز فعلياً عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء". بل إن المجموعة اعتبرت في بيان على موقعها الإلكتروني منذ أيام أنه "نحن نشهد بداية محتملة للإرهاب العظيم الجديد"، في إشارة إلى عمليات التطهير التي قام بها الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين في ثلاثينيات القرن العشرين"، مؤكدة أنه "يجب ألا تكون هناك أوهام، إن الانزلاق (إلى المرحلة السوفييتية) يتسارع بسرعة".

في الواقع، ليس الروس المعارضون للكرملين وحدهم معرّضون للقمع، فقد دعا بوتين، الثلاثاء الماضي، إلى نهج جديد للهجرة، معتبراً أن "أنظمة الهجرة بحاجة إلى تحسين"، مضيفاً أنه "يجب أن يكون المبدأ الحاسم هو أن أولئك الذين يحترمون تقاليدنا ولغتنا وثقافتنا وتاريخنا هم فقط الذين يمكنهم القدوم للعيش والعمل في روسيا". وتسببت هذه التصريحات في قلق وسط ملايين الأجانب في روسيا، وأكثريتهم من الجمهوريات السوفييتية السابقة، وتحديداً الطاجيك منهم، الذين يُحاكم أربعة من مواطنيهم في موسكو بهجوم "كروكوس سيتي".


لوكشينا: تتباهى حكومة بوتين بتصوير اعتقال منفذي الهجوم

وقال مسؤولون طاجيك لـ"أسوشيييد برس"، إنهم شهدوا ارتفاعاً في عدد الطاجيك الذين يغادرون روسيا منذ حصول الهجوم، وذلك على وقع إعلان وسائل إعلام روسية عن مداهمات للشرطة ضد المهاجرين غير المسجلين. وفي سان بطرسبرغ وحدها أمرت المحاكم بترحيل أكثر من 400 مواطن أجنبي. وهناك تقارير عديدة عن احتجاز العمال المهاجرين ومطالبتهم بالاختيار بين الترحيل أو حظر العودة إلى روسيا لمدة خمس سنوات، أو الموافقة على القتال في أوكرانيا مع القوات الروسية.

وقالت الناشطة في مجال حقوق الإنسان فالنتينا تشوبيك، التي تقدم المشورة المجانية للمهاجرين العاملين في روسيا، لوكالة ميديازونا، إنها تلقت في اليومين الأولين بعد هجوم "كروكوس سيتي" أكثر من 2500 مكالمة من مواطنين أجانب في روسيا. ويتعلق أكثر من نصف الرسائل بمداهمات الشرطة والاعتقالات غير القانونية. ويتعرض المهاجرون الطاجيك لمعاملة قاسية بشكل خاص. وفي إحدى الحوادث، أضرم مجهولون النار في سوق يملكه الطاجيك في مدينة بلاغوفيشتشينسك، في جنوب الشرق الروسي على الحدود مع الصين، وهو حادث عزته البلدية إلى "أسباب عرقية". وفي كالوغا، غربي روسيا، هاجم مجهولون ثلاثة مهاجرين من طاجيكستان.

(العربي الجديد، أسوشييتد برس)