انتظرت الأمم المتحدة، طيلة الأشهر الماضية، تشكيل الحكومة اليمنية الجديدة بموجب اتفاق الرياض الذي رعته السعودية بين "الشرعية" و"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، حتى تكون الأجواء مواتية لإعادة تشكيل الوفد التفاوضي الحكومي الذي يفترض أن يشارك في مفاوضات السلام الهادفة لمناقشة الحل السياسي الشامل، بما يضمن مشاركة كافة الأطراف الشريكة بما تسمى بـ"حكومة الكفاءات". لكن الهجوم الذي استهدف مطار عدن الأسبوع الماضي فور وصول الحكومة الجديدة إليه، يبدو أنه سيطيح هذه الآمال، خصوصاً في ظلّ تمسك الحكومة المعترف بها دولياً بتحميل جماعة الحوثيين، الطرف الآخر على طاولة المفاوضات، مسؤولية القصف الصاروخي الذي استهدف المطار وتسبب بمقتل 26 شخصاً وأكثر من 100 جريح.
خلا اللقاء الذي عُقد بين هادي وغريفيث من أي إشارات حول الإعلان المشترك لوقف إطلاق النار
واصطدمت حماسة المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، بعقد جولة مشاورات جديدة في السويد أو جنيف، عقب تشكيل الحكومة، بتصلب حكومي، بدا واضحاً خلال اللقاء الذي جمعه بالرئيس عبدربه منصور هادي، مساء أول من أمس الأربعاء، قبل أن يتوجه المبعوث الأممي أمس الخميس إلى عدن، ثاني محطات جولته. وخلا اللقاء الذي عُقد بين الرجلين في الرياض، وبحضور نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، وهما (هادي والأحمر) آخر من تبقى من الحكومة الشرعية خارج عدن، من أي إشارات حول الإعلان المشترك لوقف إطلاق النار، الهدف الرئيسي الذي تسعى الأمم المتحدة لتمريره منذ طرحه مطلع مارس/آذار 2020.
وأبلغ الرئيس اليمني، المبعوث الأممي، ونائبه معين شريم، أنّ جماعة الحوثيين "لا تريد السلام"، وأنّ الجهود الأممية لتحقيق الحل السياسي تُواجه بـ"تمادي وعنهجية المليشيات التي تعمل على تنفيذ أجندة إيران"، في رفض ضمني لإجراء مشاورات مع الجماعة المتهمة بشن هجوم مطار عدن الدامي.
لم يكن هذا هو السبب الوحيد في نظر هادي لنسف فرص السلام، فالأنشطة التي يقوم بها سفير إيران لدى جماعة الحوثيين، حسن إيرلو، بما في ذلك تنظيمه أواخر الأسبوع الماضي فعالية تحيي ذكرى مقتل قائد "فيلق القدس" السابق في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، أثارت امتعاض "الشرعية" أيضاً. إذ اعتبر الرئيس اليمني الدعم الميداني من قبل إيران للحوثيين "من خلال أعمال ما يسمى سفيرها في صنعاء ونشاطه وتواجده المخالف للقوانين والأعراف الدبلوماسية"، بأنه "يكشف التدخل الإيراني الفاضح في اليمن".
وبعيداً عن الرواية الرسمية للقاء الذي جمع هادي مع غريفيث، والتي خلت من أي إشارات للحل السياسي، أصدر مكتب المبعوث الأممي، بياناً صحافياً، تلقى "العربي الجديد" نسخة منه، تمّ التأكيد فيه على التزام الأمم المتحدة بـ"التوصل إلى وضع حلّ مستدام وشامل للنزاع القائم، من خلال حل سياسي عبر المفاوضات".
بن مبارك: الحكومة لن تدخر جهداً لخدمة السلام الواقعي
كما أكد غريفيث، أمس الخميس، عقب لقاء جمعه بوزير الخارجية وشؤون المغتربين أحمد عوض بن مبارك، في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، والتي شكلت ثاني محطات جولته، أن استهداف الحكومة يهدف إلى تقويض السلام والأمن والاستقرار الذي يتطلع اليه اليمن بدعم من الإقليم والمجتمع الدولي، معبراً عن تعازيه وإدانته للهجوم الذي نفذ في مطار عدن، وذلك بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" بنسختها التي تديرها الحكومة.
من جهته، عبّر بن مبارك، خلال اجتماعه بغريفيث، عن تقديره للتضامن الذي أبدته الأمم المتحدة مع الحكومة جراء الاستهداف أثناء وصولها مطار عدن الدولي. وجدد بن مبارك التأكيد على استمرار الحكومة في شراكتها الفاعلة لعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، قائلاً إنها لن تدخر جهداً لخدمة السلام الواقعي والحقيقي الذي يعالج جذور المشكلة وينهي الانقلاب والحرب ويؤسس لمرحلة جديدة تلبي تطلعات اليمنيين للعيش بكرامة وسلام.
واستبقت مصادر حكومية، وصول غريفيث إلى العاصمة المؤقتة، بالقول لـ"العربي الجديد"، إن الأخير سيلتقي خلال زيارته التي تستمر ساعات عدة فقط، رئيس الحكومة معين عبد الملك، ووزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك، فضلاً عن وزراء يمثلون مكونات سياسية مختلفة. وأكد مصدر حكومي رفيع لـ"العربي الجديد"، أنّ الزيارة تنحصر بإدانة الهجوم الذي استهدف مطار عدن، وذلك بدليل أن الجولة الحالية لن تشمل صنعاء أو مسقط للقاء الجانب الحوثي.
وقال المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته "مجمل التركيز الآن، حتى في زيارة المبعوث، سيكون حول إدانة الهجوم الإرهابي الأخير، لا يمكن المضي قُدماً وكأن شيئاً لم يحدث، على العالم أن يعرف خطورة الإرهاب الحوثي".
مصادر أممية: من المبكر الحديث عن مشاورات مباشرة
وفور وقوع الهجوم الإرهابي، حمّلت الحكومة اليمنية، جماعة الحوثيين المسؤولية عنه بناء على التحقيقات الأولية، وفق قولها، لكن وزارة حقوق الإنسان في حكومة الحوثيين غير المعترف بها، أدانت الحادثة بشكل متأخر، واتهمت ما سمتها بـ"القوى الآثمة" بارتكابها.
ومع فشل جولة غريفيث لناحية الدفع بمفاوضات السلام، وتحوّل هذه الجولة إلى نشاط شكلي وتضامني ولم تخرج عن إطار تقديم الدعم المعنوي للحكومة الجديدة، أكدت مصادر أممية مطلعة على ملف المشاورات اليمنية لـ"العربي الجديد"، أنه "من السابق لأوانه الحديث عن مشاورات مباشرة في الوقت الراهن". وقالت المصادر، إنّ "تشكيل الحكومة الجديدة كان سيسهل الكثير من مهام الأمم المتحدة للمضي قدماً في مسار عملية السلام، خصوصاً بعد أن تجاوزت الرئاسة اليمنية مشاكلها الداخلية في ما يخص اتفاق الرياض، لكن الجولة الجديدة هي في إطار التواصل الروتيني لمناقشة جملة من القضايا، وعملنا لن يتوقف في ظلّ أي متغيّرات".
وفي حال تجاوز قضية هجوم مطار عدن، وبدء النقاشات حول تشكيل الوفد الحكومي خلال الأسابيع المقبلة، يطمح المجلس الانتقالي الجنوبي للمشاركة، للمرة الأولى، ضمن وفد المفاوضات، باعتباره قد أصبح شريكاً في الحكومة المعترف بها دولياً.
وفي مقابل الثبات الذي يعيشه الوفد الحوثي المفاوض منذ 2016، من المتوقع أن تطرأ تعديلات على الوفد الحكومي، وذلك بتسلم وزير الخارجية، أحمد عوض بن مبارك رئاسة الوفد، إذ جرت العادة على أن يتقدم وزراء الخارجية في الحكومات المتعاقبة، صدارة المشاورات التي رعتها الأمم المتحدة سواء في جنيف أو الكويت.