هجوم أربيل: لجنة تقصي الحقائق تدحض رواية الحرس الثوري

21 مارس 2022
من آثار القصف على أربيل (صافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -

كشفت مصادر عراقية رفيعة المستوى، لـ"العربي الجديد"، أن لجنة تقصي الحقائق التي شكّلها البرلمان الأسبوع الماضي، برئاسة حاكم الزاملي، حول القصف الصاروخي على مدينة أربيل في 13 مارس/آذار الحالي، خلصت إلى أن الصواريخ سقطت على مواقع مدنية لا وجود لأي نشاط أجنبي فيها، فضلاً عن عدم وجود مواقع تحت الأرض.

وجاءت خلاصات اللجنة التي زارت المواقع المستهدفة برفقة خبراء عسكريين، مخالفة للادعاءات الإيرانية بأن القصف الصاروخي على أربيل استهدف مقرات لـ"الموساد" الإسرائيلي. وترافق ذلك مع ضغوط لمنع حكومة مصطفى الكاظمي من تدويل الهجوم بتقديم مذكرة للأمم المتحدة حوله، وفق ما كشفت المصادر.

ضربات الحرس الثوري تستهدف مواقع مدنية

وكان الحرس الثوري الإيراني قد تبنّى رسمياً قصف أربيل فجر 13 الحالي، مؤكداً في بيان، أنه استهدف "المركز الاستراتيجي للمؤامرة والشر للصهاينة بصواريخ قوية ودقيقة"، معتبراً أن القصف جاء رداً على "الجرائم الأخيرة للكيان الصهيوني".

لكن مصادر في هيئة رئاسة البرلمان العراقي، أكدت لـ"العربي الجديد"، أن التقرير الميداني الخاص بلجنة تقصي الحقائق، والمشفوع بتسجيلات مصورة وإفادات خبراء عسكريين وأمنيين مستقلين ونواب في البرلمان، خلص إلى أن المواقع المستهدفة مدنية ولا وجود لأي منشآت تحت الأرض أو أماكن سرية أو أنشطة غير مدنية.


المواقع المستهدفة مدنية ولا وجود لأي منشآت تحت الأرض أو أماكن سرية أو أنشطة غير مدنية

وأشار التقرير إلى أن المواقع التي سقطت فيها الصواريخ، كانت فيلا سكنية داخل مزرعة خاصة لرجل الأعمال الكردي باز البرزنجي الرئيس التنفيذي لشركة (كار كروب)، إضافة إلى مجمّع سكني قيد الإنشاء. كما سقطت صواريخ أخرى في ساحات مفتوحة قريبة من قناة "كردستان 24"، وكلها ضمن محيط لا يبعد أكثر من 6 كيلومترات عن القنصلية الأميركية الجديدة شمال شرقي أربيل ضمن منطقة ملا عمر.

ومن المرتقب أن تكمل لجنة تقصي الحقائق البرلمانية أعمالها من داخل بغداد، باستضافة مسؤولين من الحكومة، قبل تقديم تقريرها رسمياً في البرلمان خلال الجلسات المقبلة.

ولا تمتلك اللجنة أي صلاحيات تنفيذية بقدر ما يُتوقّع أن تُقدّم توصيات نهائية للحكومة، التي شكّلت هي الأخرى لجنة تحقيق برئاسة مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، والذي وصل أمس الأحد إلى مدينة أربيل. وهذه ثالث زيارة رسمية يجريها مسؤولون عراقيون للمدينة بعد الهجوم، بعد وفد ضم الكاظمي ووزيري الدفاع والداخلية، ووفد برلماني.

وقال الأعرجي الذي تفقّد مواقع القصف، للصحافيين أمس الأحد: "سنجري لقاءات مع الإخوة في إيران للاطلاع على أسباب القصف". أما المتحدث الرسمي لقيادة العمليات المشتركة اللواء تحسين الخفاجي فقال خلال تواجده مع أعضاء الوفد: "نحن هنا من أجل استكمال التحقيقات والاطلاع عن كثب على المناطق التي تعرضت للقصف وجمع الأدلة والوثائق. سيتم الإعلان عن النتائج بعد الانتهاء من التحقيقات".

وتقدّم العراق بطلب رسمي للجانب الإيراني لتقديم ما يثبت صحة مزاعم وجود مقرات لـ"الموساد" في أربيل، بعد استدعاء وزارة الخارجية في بغداد السفير الإيراني إيرج مسجدي وتسليمه مذكرة احتجاج. لكن على الرغم من مرور أكثر من أسبوع، لم يقدّم الإيرانيون أي معطيات تدعم رواية قصف مقرات لـ"الموساد".

ضغوط على حكومة الكاظمي لمنع التدويل

في هذه الأثناء، تحدث مسؤول في الحكومة العراقية، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، عن وجود ضغوط كبيرة إيرانية وأخرى من قوى عراقية حليفة لطهران لمنع حكومة الكاظمي من تدويل الهجوم أو طلب تحقيق دولي فيه. وأكد أن تلك الضغوط منعت العراق من تقديم مذكرة احتجاج كان من المقرر تقديمها إلى الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية.

وكشف أن زيارة زعيم "فيلق القدس" إسماعيل قاآني والسفير السابق في العراق حسن دنائي فر، إلى بغداد الأسبوع الماضي، منعت حكومة الكاظمي من خطوة التدويل. لكنه لفت في المقابل، إلى أن هناك قوى عراقية تؤيد تدويل القصف والتقدّم بشكوى وطلب تحقيق، أبرزها التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني.

ضغوط كبيرة إيرانية وأخرى من قوى عراقية حليفة لطهران لمنع حكومة الكاظمي من تدويل الهجوم

من جهته، قال عضو البرلمان العراقي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني محما خليل، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة في بغداد "تواجه ضغوطاً كبيرة من قبل طهران وحلفاء طهران في العراق لمنع تقديم مذكرة احتجاج رسمية لمجلس الأمن والجامعة العربية والأمم المتحدة". وتابع: "الكاظمي مطالَب بإبعاد الملف عن أي ضغوط وأجندات سياسية، وننتظر ما سيتم اتخاذه في الأيام المقبلة".

ولفت خليل إلى أن لجنة تقصي الحقائق البرلمانية، والحكومية أيضاً، توصلتا إلى أن القصف الإيراني استهدف مساكن مدنية، ولم يتم العثور على أي دليل يثبت ادعاء إيران بأن القصف طاول مقراً لـ"الموساد".

وتابع "الحكومة طالبت رسمياً طهران بتقديم ما لديها من أدلة تثبت وجود مقرات للموساد في أربيل، لكن مر أكثر من أسبوع ولم ترد إيران، لأنها ببساطة لا تملك دليلا كهذا، فكل القصة الإيرانية هي غير صحيحة وبعيدة كل البعد عن الحقيقة". واعتبر أن "عدم تقديم بغداد مذكرات احتجاج دولية، سيترتب عليها تكرار مثل هذه الاعتداءات الإيرانية".

وتتألف لجنة تقصي الحقائق المشكلة من قبل البرلمان العراقي، من النائب الأول لرئيس البرلمان حاكم الزاملي، والنائب الثاني شاخون عبد الله، وعضوية كل من: عطوان العطواني، وعباس الزاملي، وهريم كمال آغا، ونايف الشمري. وهؤلاء أعضاء في البرلمان عن كتل برلمانية مختلفة، بينها "الإطار التنسيقي"، الذي ما زال يُصر على تبني الرواية الإيرانية بأن القصف استهدف مقرات إسرائيلية في أربيل.

أما لجنة التحقيق الحكومية فتتألف من مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي رئيساً لها، وعضوية رئيس أركان الجيش الفريق الركن عبد الأمير يار الله، ورئيس جهاز الأمن الوطني حميد الشطري، وعدد من الضباط والمسؤولين الأمنيين والعسكريين.

ويصر "الإطار التنسيقي" على تبنّي الرواية الإيرانية، مشككاً بمخرجات لجنة التحقيق البرلمانية وحتى الحكومية التي لم تصدر تقريرها لغاية الآن. وقال عضو "الإطار" سعد السعدي، لـ"العربي الجديد"، إن "التواجد الإسرائيلي في إقليم كردستان واضح ومنذ وقت طويل، والقصف الإيراني استهدف مواقع موجودة".

وأضاف السعدي: "المطلوب من الحكومة محاسبة من يوفر مأوى للموساد وليس تقديم مذكرات احتجاج، ومن الغريب أن نسمع إدانات من قبل جهات وشخصيات سياسية للقصف الإيراني، لكن لم نسمع أي إدانة ورفض للتواجد الإسرائيلي داخل الأراضي العراقية".

في المقابل، كشف القيادي في تحالف "السيادة"، النائب شعلان الكريم، عن قرار داخل البرلمان لاستضافة السفير الإيراني إيرج مسجدي، ضمن عمل لجنة تقصي الحقائق داخل بغداد، قبل أن يتجه البرلمان إلى تبني قرارات للتصويت عليها تلزم حكومة الكاظمي بتقديم شكوى رسمية ضد إيران، في حال لم تفعل الحكومة ذلك.

وأضاف الكريم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "على الحكومة تقديم شكوى رسمية ضد إيران لتجاوزها على سيادة العراق وتهديد الأمن وحياة وسلامة العراقيين داخل الأراضي العراقية، فهذا العمل لا يجب السكوت عليه مهما كانت الضغوط التي تواجهها الحكومة".

واعتبر أنه "لا يوجد أي مبرر لإيران لقصف مدن عراقية، والحكومة العراقية هي الجهة الوحيدة التي يمكنها محاسبة الإقليم أو أي شخص على أي تواجد أجنبي غير شرعي وغير قانوني داخل الأراضي العراقية، وليس من حق أي دولة التجاوز على سيادة العراق تحت أي مبرر كان".

المساهمون