هانس غروندبرغ... مهمة معقدة لتفكيك الألغام اليمنية

10 اغسطس 2021
يمنح الانهيار الاقتصادي دافعاً أكبر للتحرك الأممي (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -

تحولت الأزمة اليمنية، على امتداد سنواتها الطويلة، إلى حقل ألغام، أطاح بمبعوثين للأمم المتحدة إلى اليمن، الواحد تلو الآخر، من دون أن يحقق هؤلاء خرقاً كبيراً يمهد لنقل البلاد إلى مرحلة السلام. وبعد إعلان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، في 6 أغسطس/آب الحالي، رسمياً، عن تعيين الدبلوماسي السويدي هانس غروندبرغ، كرابع مبعوث أممي إلى اليمن، خلفاً للبريطاني مارتن غريفيث (الذي سبقه الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد والمغربي جمال بن عمر)، والترحيب الواسع الذي لقيه تعيين غروندبرغ من قبل أطراف الصراع المحلية واللاعبين الإقليميين والدوليين، لا يبدو أن مهمة هذا الدبلوماسي ستكون بدورها مجرد نزهة، في ظلّ استمرار التعقيدات التي جعلت أسلافه يغادرون تباعاً من دون "إنجازات".

يمتلك غروندبرغ الخبرة الكافية بتعقيدات الملف اليمني

وكعادتها عند تعيين أي مبعوث جديد لها، كالت الأمم المتحدة المديح لمبعوثها الجديد الذي أوكلت إليه إدارة ومتابعة الملف اليمني، واصفةً إياه في بيان، بأنه "دبلوماسي محترف"، موضحة أن غروندبرغ يمتلك خبرة أكثر من 20 عاماً في الشؤون الدولية، بما فيها أكثر من 15 عاماً من العمل في مجال حلّ النزاعات والتفاوض والوساطة، مع تركيز خاص على الشرق الأوسط. 
وفي أزمة معقدة تزداد تشعباً، كلما طال أمد الحرب، لا تحضر الإنجازات السابقة كمعيار أساسي لنجاح المبعوثين الدوليين في اليمن، بقدر ما يتوجب عليهم فهم طريقة تفكير أطراف الصراع، وتحديد النهج الذي سيسيرون عليه، ما يجعل مهمة المبعوث الجديد محاصرة مجدداً بالتعقيدات، على الرغم من الإمكانات التي يحظى بها.
مقومات عديدة للنجاح
خلافاً لسابقيه، يمتلك غروندبرغ مقومات مهنية عدة تؤهله للنجاح، على رأسها الخبرة الكافية بتعقيدات الملف اليمني، والتي تمنحه قدرة على الخوض مباشرة في جوهر الأزمة، دون الحاجة للبدء من المربع صفر، كما حصل مع غريفيث. فمن خلال منصبه كسفير للاتحاد الأوروبي إلى اليمن منذ سبتمبر/أيلول 2019، قاد غروندبرغ محاولات مختلفة لتجسير الهوة بين الفرقاء اليمنيين من أجل دعم الجهود الأممية. وقبلها، واكب الدبلوماسي السويدي عن قُرب المشاورات اليمنية التي استضافتها بلاده أواخر العام 2018، وانتهت بتوقيع اتفاق استوكهولم الهشّ لوقف معركة الحديدة، غربي اليمن.
وبعيداً عن هذا الامتياز الذي يمكنّه من تلافي الأخطاء التي وقع فيها أسلافه، تبدو الظروف مؤاتية إلى حد كبير أمام المبعوث الأممي الجديد، ابتداء من الزخم الأميركي الواسع الرامي إلى وقف الحرب، وصولاً إلى التقارب السعودي - العُماني، حيث تبدو الآمال معلقة على مسقط، في إقناع جماعة الحوثيين وحلفائهم الإيرانيين بوقف الحرب.
داخلياً، يمنح الانهيار الاقتصادي وشبح المجاعة الذي يطلّ بقوة مع انهيار الريال اليمني أمام الدولار، إلى مستويات قياسية، المبعوث الأممي الجديد، دافعاً أكبر للتحرك وممارسة الضغوط على طرفي النزاع لوقف الحرب، من أجل تفادي كارثة إنسانية وشيكة.

وسيكون على المبعوث الأممي الجديد أيضاً، استثمار الإنهاك الذي يسيطر على أطراف الأزمة اليمنية، وخصوصاً مع فشل جماعة الحوثيين في تحقيق أي اختراق جوهري نحو منابع النفط والغاز في مدينة مأرب، عاصمة محافظة مأرب، شمالي اليمن، وتعرض الجماعة لنزيف بشري غير مسبوق منذ بداية هجماتها العدائية على المحافظة، مطلع فبراير/شباط الماضي. ولن تكون هذه الأسلحة المتوفرة لدى غروندبرغ فعّالة، ما لم يتم استثمارها بالشكل الصحيح. ووفقاً لخبراء معنيين بالملف اليمني، يتوجب على المبعوث الأممي اتخاذ خطوات عملية حاسمة، ابتداء من الترتيب الفوري لمشاورات مباشرة بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين، بالتزامن مع وقف فوري لإطلاق النار ورفع الحصار الداخلي والخارجي عن كافة مدن اليمن.
وبحسب تقرير حديث لمجموعة الأزمات الدولية، يتعين على المبعوث الجديد "تغيير طريقة الوساطة وإيجاد طرق جديدة للتوسط، ليس فقط بين الأطراف المتناحرة في اليمن، ولكن ضمن حلفائها، قبل صياغة رؤية للسلام تشمل نطاقاً أوسع بكثير من اللاعبين مما يسمح به إطار عمل الأمم المتحدة الحالي".
حقل ألغام
قبيل وبعد تعيين أي مبعوث أممي جديد، تلجأ الأطراف اليمنية إلى ممارسة هوايتها المعتادة في إيصال رسائل مفخّخة عبر قنوات رسمية وغير رسمية إلى الوسيط الدولي، في محاولة منها للتأثير عليه منذ اللحظة الأولى، وطرح اشتراطات، ترى أن القفز عليها سيقود اليمن نحو المجهول. ولا تتورع بعض هذه الأطراف، في التلويح بحرب أهلية أو حالة تشظٍ أكبر مما تعيشه البلاد في الوقت الراهن.
عقب تعيين المبعوث الجديد، سارعت جماعة الحوثيين إلى طرح شروطها السابقة التي عطلت ما يسمى بـ"الإعلان المشترك" للأمم المتحدة والمبادرة السعودية للحل والوساطة العمانية، وذلك على لسان نائب وزير خارجيتها، حسين العزي، قبل أن يجددها كبير مفاوضي الجماعة، محمد عبد السلام. وأعلن عبد السلام، رفضاً ضمنياً لأي جولة مشاورات مباشرة محتملة يخطط لها المبعوث الجديد، قائلاً في تغريدة على "تويتر"، أول من أمس الأحد، إنه "لا جدوى من أي حوار قبل فتح المطارات والموانئ كأولوية وحاجة وضرورة إنسانية"، في موقف حوثي متمسك بفصل الشقّ الإنساني عن السياسي والعسكري.

لدى الحوثيين رغبة في عقد صفقة سلام مباشرة مع السعودية

وبحسب مصادر مقربة من الجماعة، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن لدى الحوثيين رغبة في عقد صفقة سلام مباشرة مع السعودية، والظهور كندّ لها، أكثر من رغبتهم في الجلوس إلى طاولة مشاورات ترعاها الأمم المتحدة مع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، ولذلك فإن المشاورات السرّية، والتي ترعاها سلطنة عمان، لم تنقطع بين الجانبين، منذ أشهر عدة. وفي تصريحات صحافية، الأحد الماضي، كشف كبير المفاوضين الحوثيين، للمرة الأولى، عن جانب من تلك المشاورات السرية، مؤكداً أنه التقى مسؤولين سعوديين في جدّة والرياض وظهران الجنوب وصنعاء. ولم يتطرق المسؤول الحوثي إلى تاريخ هذه الزيارات النادرة التي تنقل فيها بين الرياض وجدة، لكن من المرجح أنها تمّت في أعقاب التقارب السعودي - العُماني، وهي الفترة ذاتها التي شهدت انحساراً ملحوظاً للهجمات الحوثية في العمق السعودي، وتحديداً منذ أواخر يونيو/حزيران الماضي. وخلصت تلك المشاورات، بحسب المسؤول الحوثي، إلى تمسك الجماعة بضرورة إعلان السعودية وقف الحرب ورفع الحصار، في مقابل قيام صنعاء بتقديم ضمانات لسلطنة عمان بالترحيب بهذه الخطوة، وإعلان وقف أي خطوات من طرفها.
ولا يبدو أن هذا المقترح الحوثي سينال رضا السعودية، التي تتحاشى الظهور كطرف رئيسي في حرب اليمن أو عقد صفقة رسمية مع جماعة الحوثيين، حيث تحرص الرياض على تقديم الحكومة اليمنية في الواجهة لأي مشاورات رسمية، وأن يكون ذلك تحت رعاية أممية.
ووفقاً لخبراء، فإن الموقف الحوثي، إضافة إلى الغزل المتكرر للسعودية الذي أفصح عنه أخيراً القيادي حسين العزي، عندما دعا الرياض إلى "تدشين مرحلة جديدة من العمل الجاد لوقف الحرب واستعادة حسن الجوار"، يهدف إلى تجاوز الحكومة اليمنية والأمم المتحدة، وهو ما سيؤدي إلى تعقيد مهمة المبعوث الجديد في صياغة خريطة سلام شاملة للحل السياسي في اليمن.
في الجهة المقابلة، طرحت الحكومة اليمنية شروطاً عدة مسبقة لانخراطها في عملية السلام، وذلك في بيانين منفصلين صدرا عن وزارة الخارجية اليمنية ورئيس مجلس الشورى، أحمد عبيد بن دغر. ووفق البيانين، تتمسك الحكومة اليمنية بالمرجعيات الثلاث المتمثلة في القرار الدولي 2216 والمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وجميعها تنص على أن الرئيس عبد ربه منصور هادي هو الرئيس الشرعي لليمن، وتصنف جماعة الحوثيين كجهة انقلابية. ووسط مؤشرات تدل على توجه دولي لتجاوز هذه المرجعيات، من خلال قرار دولي جديد يجعل المشاورات القادمة بين أطراف الصراع اليمني، وليس بين "شرعية" و"انقلاب"، سارعت الحكومة اليمنية إلى إطلاق تحذيرات من سيناريوهات كهذه، وذلك على لسان بن دغر. وحذّر الأخير من تشظي اليمن إلى دولتين أو أكثر في حال تم اتخاذ تلك الخطوة، قائلاً في بيان صحافي، يوم السبت الماضي، إنه "يجب التفكير ألف مرة قبل الإقدام على أي خطوة سياسية من شأنها التأثير على الشرعية، أو القيام بما لم تستطع القيام به الانقلابات العسكرية". وترى "الشرعية" أنها ليست العقبة التي تقف أمام تحقيق السلام، بل "الأعمال العدوانية للحوثيين"، والتي تتحمل المسؤولية أيضاً عن تفاقم الأزمة الإنسانية وإطالة أمد الحرب.
الفرص الممكنة للنجاح
فضلاً عن مزايا فهم التعقيدات والمناورات السياسية للأطراف الداخلية، يراهن المبعوث الأممي الجديد على بداية مشجعة لمهمته الصعبة، وذلك بجمع طرفي النزاع في طاولة مشاورات مباشرة، بهدف تحاشي الوقوع في فخّ نقل الرسائل من طرف إلى آخر، كما فعل سلفه غريفيث. وقال مصدر أممي مطلع على عملية السلام في اليمن، لـ"العربي الجديد"، إنه "من المهم طيّ صفحة المشاورات غير المباشرة. جمْع الطرفين على طاولة مشاورات واحدة، سيجعلهما حريصين على التعاون بشكل أكبر وعدم الظهور كمعرقلين لعملية السلام أمام المجتمع الدولي".

يراهن المبعوث الأممي الجديد على جمع طرفي النزاع على طاولة مشاورات مباشرة

وعلى الرغم من المزايا التي يمتلكها غروندبرغ، والتوجهات لعقد مشاورات سلام مباشرة للمرة الأولى منذ مفاوضات الكويت قبل خمس سنوات، إلا أن مراقبين يرون أن فرص نجاح المبعوث الجديد لا تزال شبه معدومة.
وفي هذا الصدد، يعرب نائب المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، أسامة الروحاني، عن اعتقاده بأن فرص نجاح المبعوث الأممي تختلف من زاوية إلى أخرى، سواء في إعادة جمع الأطراف على طاولة واحدة، أو وقف إطلاق النار، أو تحقيق سلام دائم مبني على لبنات ثابتة، وهذه الأمور جميعها مرهونة بالأطراف اليمنية وميزان القوى. ويضيف الروحاني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ميزان القوى بين الحوثيين والأطراف الأخرى مختلّ. الانقسام الحاصل في طرف الشرعية والمناكفات السياسية الطاغية على هذا المعسكر، تجعله ضعيفاً، وهذا يعطي جماعة الحوثيين فرصة لتقرير المسار إلى الأمام بشكل أكبر، كونها لا ترى ندّا قويا لها في الساحة".
وفيما يستبعد نائب المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، توفر فرص النجاح المأمولة للمبعوث الجديد، حتى مع امتلاكه قدرات استثنائية، إلا أنه يرى أن غروندبرغ سيكون بمقدوره إحداث اختراق أولي، وليس تحقيق سلام دائم، في حال استخدام ضغوط دولية حقيقية وفعّالة، وقيام "الشرعية" بتوحيد صفوفها والظهور كقوة واحدة تمارس ضغوطاً أمنية وعسكرية وسياسية على جماعة الحوثيين.
وبخصوص التحذيرات من المساس بـ"الثوابت" التي أطلقتها الحكومة اليمنية، يشير الباحث إلى أن الإطاحة بالحكومة "ليست من مصلحة اليمن أو عملية السلام"، كون هذه الطريقة ستُنهي طرفاً وتقوي طرفاً آخر.
وبرأيه، فإنه "من المهم جداً أن يعاد تعريف الشرعية والأطراف السياسية. إذا استمرت الشرعية في ظل هيمنة حزب الإصلاح، لا أعتقد أن الأمور ستمضي إلى مساحة جيدة. تجب إعادة تعريف الشرعية بشكل أو بآخر، كما أصبح من المهم وجود مجلس رئاسي، بدلاً من ترك الأمر محكوماً بيد الرئيس هادي، صاحب الأداء السيئ في إدارة الدولة"، على حدّ قوله.

المساهمون