أثارت وثيقة استخبارية أميركية مسرّبة نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أول من أمس الاثنين، وتفيد بطلب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من كبار المسؤولين العسكريين المصريين، في الفترة السابقة، إنتاج ما يصل إلى 40 ألف صاروخ، لتُشحَن سرّاً إلى روسيا، ردود فعل سريعة من الأطراف المعنية.
ورداً على تساؤلات بشأن الوثيقة وصحة المحادثات التي وردت فيها، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، للصحيفة الأميركية، إن "موقف مصر منذ البداية يقوم على عدم التدخل في هذه الأزمة والتزام المحافظة على مسافة متساوية مع الطرفين، مع التأكيد على دعم مصر لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة".
كذلك سارعت قناة "القاهرة الإخبارية" إلى نقل تصريحات عمن قالت إنه "مصدر مصري مسؤول" نفى فيها ما جاء في تقرير "واشنطن بوست"، وقال إن ما نشرته الصحيفة "عبث معلوماتي ليس له أساس من الصحة، وإن مصر تتبع سياسة (متزنة) مع جميع الأطراف الدولية، وإن محددات هذه السياسة هي السلام والاستقرار والتنمية". كذلك شنت القناة هجوماً عنيفاً على الصحيفة الأميركية واتهمتها بانعدام المصداقية، وكذلك على معدي التقرير.
مسؤول في الحكومة الأميركية: لسنا على علم بأي تنفيذ لتلك الخطة
من جهته، قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أمس الثلاثاء، إن "الأنباء عن خطط مزعومة لمصر، لتزويد روسيا بآلاف الصواريخ "سرّاً"، أنباء مزيفة ومضللة وملفقة أخرى، يوجد منها الكثير الآن، لذا يجب التعامل مع مثل هذه التقارير على هذا الأساس".
وقال مسؤول في الحكومة الأميركية، تحدث للصحيفة شرط عدم الكشف عن هويته: "لسنا على علم بأي تنفيذ لتلك الخطة"، في إشارة إلى مبادرة تصدير الصواريخ. وأضاف المسؤول: "لم نرَ ذلك يحدث".
وشدّد السيناتور الديمقراطي كريس مورفي، عضو العلاقات الخارجية والمخصصات في مجلس الشيوخ، للصحيفة، على أن "مصر واحدة من أقدم حلفائنا في الشرق الأوسط ". ورأى أنه "إذا كان صحيحاً أن السيسي ينتج سرّاً صواريخ لروسيا يمكن استخدامها في أوكرانيا، فنحن بحاجة إلى حساب جاد بشأن حالة علاقتنا".
وبحسب الصحيفة، تضمنت الوثيقة المسربة، المؤرخة في 17 فبراير/ شباط 2023، محادثات بين الرئيس المصري وكبار المسؤولين العسكريين في بلاده، تشير إلى خطة لتزويد روسيا بقذائف مدفعية وذخائر. وبحسب الوثيقة، فقد طلب السيسي من المسؤولين الحفاظ على سرّية إنتاج الصواريخ وشحنها "لتجنب المشاكل مع الغرب".
وتعليقاً على الوثيقة، قال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية (مركز دراسات مصري غير حكومي)، العقيد المتقاعد أيمن سلامة، إن مصر "نفت على لسان مصدر رسمي مسؤول أدلى بتصريحات لوسائل إعلام مصرية، ما ورد من تسريبات مزعومة لواشنطن بوست، وأكدت الإدارة الأميركية أيضاً أن لا علم لها بمثل هذه الأنباء والتسريبات، ولا توجد لديها أي معلومة عما ورد في التقرير".
ولفت سلامة في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "الحكومة المصرية ليست بهذه السذاجة والتسرع والرعونة لأن تقوم بتصدير هذا الرقم من الذخائر إلى روسيا الاتحادية، فالحكومة المصرية حتى هذه اللحظة، تتبنى سياسة التوازن في الحرب الأوكرانية". وأضاف سلامة أنه "إذا كانت الحكومة المصرية قد وقفت مرتين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في صف الدول التي أدانت الغزو الروسي لأوكرانيا، وهذا موقف رسمي واضح، فسيكون من الغريب والشاذ جداً أن تقف مصر هذا الموقف الرسمي، وبعد ذلك تأتي بتصرف آخر مغاير، وهذا في القانون الدولي يعتبر تصرفاً خارقاً ومنتهكاً لقواعد القانون الدولي العام".
وأضاف سلامة أن مصر "تتلقى ثاني أكبر معونة اقتصادية وعسكرية من الولايات المتحدة بمقتضى مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين في عام 1980، وتعد هذه المذكرة أهم معاهدة دولية عقدتها مصر منذ أن أبرمت معاهدة مع "الحيثيين" (قبل الميلاد)، ومن ثم فإن مصر لن تضحي بهذه المعونة الضخمة من أجل روسيا، لا سيما في حرب ليست لها فيها ناقة ولا جمل".
عبد الله الأشعل: التسريب هدفه تخويف مصر من التوجه للشرق
من جهته، رأى الباحث العسكري، والضابط السابق في القوات المسلحة، العميد صفوت الزيات، أن "الوثائق الأميركية المسربة ما زالت في مرحلة تقييم المصداقية، خصوصاً مع التلاعب الروسي في بعض فقراتها، وهو ما تأكد في إحصائيات الخسائر البشرية في الحرب الأوكرانية، ومرحلة مدى انكشاف الاتصالات الاستراتيجية البينية داخل الدول الحليفة للولايات المتحدة".
وقال الزيات في حديث لـ"العربي الجديد": "يبقى الأمر في المسألة المصرية مرتبطاً بمصداقية هذه المعلومات، وهو ما تقع مسؤوليته على الجانب الأميركي تحديداً، التي على أساسها ستُرصَد ردود الفعل الأميركية التي تبدو الآن في مرحلة المراجعة، وإن كانت في كل الأحوال ستوفر لجماعات معارضة النظام المصري في الكونغرس فرصة الضغط على الإدارة الأميركية لتقليص حجم وطبيعة الدعم الأميركي، ولا سيما العسكري لمصر".
ولفت الزيات إلى أنه "في كل الأحوال يبقى السؤال الأهم من مسألة إمكانية فرض العقوبات الأميركية على مصر، هو مراجعة حلفاء الولايات المتحدة مدى مناعة اتصالاتها الاستراتيجية البينية عن الاختراق والنفاذية أمام تغول قدرات وكالات الاستخبارات الأميركية على المستويين التكنولوجي والبشري". وتابع: "ربما الوثائق، سواء في ما تناولته أو في ردود الأفعال لأطرافها كافة، لا تزال في بداياتها بعد".
أما المساعد السابق لوزير الخارجية المصري عبد الله الأشعل، فأعرب لـ"العربي الجديد" عن اعتقاده "كمراقب بأن تقرير واشنطن بوست حول صفقة تصنيع وتصدير صواريخ مصرية إلى روسيا، غير صحيح، وإنما هدفه إرهاب مصر عن التوجه نحو الشرق، خصوصاً أن العلاقات المصرية الصينية شهدت تحسناً كبيراً في الفترات الأخيرة، كذلك لا يمكن تجاهل أن الولايات المتحدة لديها حساسية شديدة تجاه الحرب في أوكرانيا، وهذه الحرب في الحقيقة هي أقرب إلى مسرح صراع بين روسيا والقوى الغربية، لقياس الإمكانات العسكرية لكل طرف".