تصاعد الخلافات بين بايدن ونتنياهو بشأن حكم غزة بعد الحرب: طلب الضغط على مصر لاستقبال الفلسطينيين
يتصاعد التوتر بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي على خلفية الحرب على غزة، ويبدو أن الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يتّجهان نحو التصادم بشأن أجندة ما بعد الحرب وحكم غزة.
ونقل تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، الخميس، عن دبلوماسيين قولهم إنّ الحالة الذهنية لنتنياهو تنعكس في سعيه للضغط على مصر لاستقبال مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين سيهجرون منازلهم.
وكشف ثلاثة دبلوماسيين ومسؤول كبير في الإدارة الأميركية، للصحيفة، أنه إلى جانب حثه بايدن على الضغط على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن هذه القضية، وجّه نتنياهو طلبات مماثلة إلى كلّ من رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارتهما لإسرائيل، لكن كلا الزعيمين رفض الاقتراح جملة وتفصيلاً، بينما أكد الدبلوماسيون أنّ المسؤولين الإسرائيليين يواصلون التعبير عن مخاوفهم من عدم قبول خيار استقبال مصر لسكان غزة، في القاهرة أو العواصم الغربية.
وأصرّ بايدن مراراً على ضرورة أن تقوم السلطة الفلسطينية بحكم قطاع غزة بعد القضاء على حركة حماس، وقيام دولة فلسطينية ذات يوم، تضمّ كلاً من غزة والضفة الغربية. في المقابل، يستمرّ نتنياهو في رفض هذه المبادئ بتصريحات علنية على نحو متزايد، ما يجعل من غير الواضح كيف ستحلّ الولايات المتحدة وإسرائيل الخلافات الجوهرية حول مستقبل المنطقة.
وتنقل الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن المشكلة الأكثر إلحاحاً هي تحديد من سيكون مسؤولاً عن حكم غزة في اليوم التالي من الحرب.
وفي الوقت الذي تسعى فيه إدارة بايدن لاحتواء الحرب في غزة، وإنهاء القتال المكثف هناك قريباً، إلا أن مسؤولين إسرائيليين يضغطون، وفق الصحيفة، لاستهداف "حزب الله" في لبنان بعد ذلك، وهي خطوة عمل المسؤولون الأميركيون أسابيع لتجنّبها.
Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu and President Biden disagree with growing vehemence on a two-state solution and the viability of the Palestinian Authority. https://t.co/FbF98CWLyZ
— The Washington Post (@washingtonpost) December 21, 2023
كذلك، يختلف المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون حول شدة معاقبة المستوطنين اليهود المتشددين في الضفة الغربية. وبعبارة أخرى، فإنّ بايدن ونتنياهو على خلاف بشأن كلّ المسائل الرئيسية تقريباً، التي ستصبح حاسمة في اللحظة التي تنهي فيها إسرائيل حربها على قطاع غزة.
ويرى محلّلون أن هذا الانقسام مدفوع جزئياً بالسياسة الداخلية للبلدين. فبعد عملية 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تحرّك الناخبون الإسرائيليون بشكل أكثر حدة باتجاه اليمين، في وقت انخفضت شعبية نتنياهو، وهذا ما يدفع به لاحتضان اليمين المتطرّف كوسيلة للنجاة سياسياً. من جانبه، يواجه بايدن ضغوطاً متزايدة من قاعدته الديمقراطية للوقوف في وجه إسرائيل، واتخاذ خطوات ملموسة لمساعدة الفلسطينيين في وجه الصور المدمّرة لسفك الدماء والخراب.
وفي السياق، يقول الخبير في العلاقات الأميركية-الإسرائيلية في جامعة "بار إيلان" إيتان جلبوع لـ"واشنطن بوست": "أعتقد أن نتنياهو وبايدن يتحدثان إلى قاعدتيهما الشعبية"، لافتاً إلى أن بايدن يريد إعادة تنشيط السلطة الفلسطينية، من دون أن يوضح ما يعنيه ذلك، كما أنه يريد حلّ الدولتين، في وقت يرفض نتنياهو الاثنين.
ويرى المسؤولون الأميركيون أنه لا يوجد بديل للسلطة الفلسطينية كقوة براغماتية تمثل الفلسطينيّين، وغالباً ما يتحدث بايدن عن غزة ما بعد الحرب، التي ستنضمّ إلى الضفة الغربية في كونها مدارة من قبل سلطة فلسطينية "متجدّدة".
وفي هذا الشأن، يقول ممثل الولايات المتحدة في محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية الفاشلة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما مارتن إنديك إن المسؤولين الأميركيين يصرّون على أن غزة يجب أن تكون تحت الحكم الفلسطيني، بطريقة تربط الحكم في الضفة الغربية بغزة، مشيراً إلى أن هناك مرشحاً واحداً مؤهلاً قانونياً لهذه الوظيفة، وهو السلطة الفلسطينية.
ويوضح إنديك أن نتنياهو يرفض هذه الفكرة جملة وتفصيلاً، لأنّ شركاءه في الائتلاف عازمون على التخلص من السلطة الفلسطينية، قائلاً: "هم يريدون استيطان الضفة الغربية بدلاً من أن تحكم السلطة الفلسطينية هناك، لذلك لا يريدون إعادة إحيائها من خلال دور جديد في حكم غزة".
وفي وقت يتوقّع الخبراء أن يخسر نتنياهو وظيفته فور انتهاء القتال في غزة، فإنّ الأخير يسوّق لفكرة أن 7 أكتوبر كان يمكن أن يكون أسوأ لولاه بقوله إنه فخور بمنعه إنشاء دولة فلسطينية "لأن الجميع اليوم يفهمون ما كان يمكن أن تكون عليه تلك الدولة الفلسطينية، بعد أن رأينا الدولة الفلسطينية الصغيرة في غزة"، على حدّ قوله.
ويقرّ المسؤولون الأميركيون بأنّه ليست هناك حماسة كبيرة في صفوف الإسرائيليين لمناقشة إقامة دولة فلسطينية، نظراً لاستمرار غضبهم وحزنهم على عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر، لكنهم يؤكدون أن بايدن ملتزم بمتابعة الاقتراح على المدى الطويل، ولا يرى أي حلّ آخر للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ووفق مسؤول كبير في البيت الأبيض، فإنّ إدارة بايدن تركّز حالياً على إقناع إسرائيل بقبول فكرة عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة بعد القتال. وزمع أن نتنياهو يرفض الفكرة بشدة، إلا أنه لم يذكر من يعتقد أنه يجب أن يتولّى حكم غزة بدلاً من ذلك، على الرغم من أنه طرح فكرة الاحتلال الإسرائيلي للقطاع إلى أجل غير مسمّى، وهي فكرة يرفضها العديد من الإسرائيليين وتشكّل مصدر إحباط لبايدن، وفق مصدر مطلع على تفكير الرئيس الأميركي تحدث للصحيفة شرط عدم الكشف عن هويته.
وعلى الرغم من ذلك، يعتقد المسؤولون في البيت الأبيض أن بإمكانهم في النهاية إقناع نتنياهو بقبول حكم غزة من قبل السلطة الفلسطينية، كما عاد وقبل بدخول المساعدات إلى القطاع، وبهدنة إنسانية، بعد الضغوط الأميركية.