تكليف ميلوني برئاسة الحكومة الإيطالية: تحديات عدة في وجه الائتلاف اليمني المتشدد

22 أكتوبر 2022
اتخذت ميلوني مواقف متشددة ضد الغزو الروسي لأوكرانيا (Getty)
+ الخط -

على الرغم من أن ائتلاف "إخوة إيطاليا"، المتهم بميول فاشية، بزعامة جورجيا ميلوني (45 عاما)، حقق مع شريكيه في "فورزا إيطاليا" و"ليغا" فوزا في انتخابات الشهر الماضي، فإن تكليف الرئيس الإيطالي، سيرجيو ماتاريلا، ميلوني، أمس الجمعة، بتشكيل الحكومة القادمة لا يعني أن الأمور سلسة بين مكوناتها.

وقبيل خروجها أمس الجمعة، أمام القصر الرئاسي، بجملتها "نحن جاهزون" (لتشكيل الحكومة)، كأول امرأة في المنصب، تجد ميلوني نفسها في مواجهة تحديات تتعلق بتعاون الشريكين المفترضين في ائتلاف التشدد، "ليغا" و"فورزا إيطاليا"، اللذين حققا سوية نحو 17 في المائة من أصوات الناخبين.

في العناوين العامة، يتفق التحالف الثلاثي، ميلوني وماتيو سالفيني وسلفيو بيرلسكوني، على تبني نهج أقرب إلى التشدد القومي المحافظ المنتهج (مثل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب). وذلك يمكن أن يسهل التوافق على بعض أهم قضاياه ووعوده الانتخابية المتمثلة في انتهاج سياسة هجرة صارمة جدا وتعزيز حراسة الحدود، بشكل خاص البحرية، لوقف تدفق لاجئي القوارب من الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، والتوعد بعملية نقل واسعة لطالبي اللجوء إلى خارج الأرض الإيطالية وبشكل محدد نحو القارة الأفريقية.

إضافة إلى ذلك، يوجد تقارب بين التحالف الثلاثي حول رفض قضايا تتعلق بالإجهاض والمثلية، بحجة "إعلاء القيم الكاثوليكية" حول الهوية الجنسية وحق المرأة في تقرير مصير جسدها. رغم ذلك، يحاول معسكر بيرلسكوني الظهور أقل تطرفا، وخصوصا أن زعيمه بيرلسكوني (86 سنة) مثير للجدل بنفسه بسبب ضجيج علاقاته النسائية.

وكان رئيس الوزراء الأسبق المثير للجدل، بيرلسكوني، قد ضُبط يدلي بتصريحات مؤيدة لموسكو و"استئناف العلاقة مع الصديق بوتين" وكتابات مهينة بحق ميلوني شخصيا. المشكلة أن بيرلسكوني يعبر عن مواقف معارضة لسياسات أوروبا الداعمة لأوكرانيا، وغير بعيدة عن ذلك مواقف سالفيني، ما يعني أنه يمكن التصادم مع الاتحاد الأوروبي مستقبلا.

مواقف متشددة ضد الغزو الروسي

حاولت جورجيا ميلوني طيلة الحملة الانتخابية تسويق نفسها أوروبيا، بمحو بعض مواقفها العلنية الناقدة، بشدة، بروكسل وسياسات أوروبا، واتخذت مواقف متشددة ضد الغزو الروسي لأوكرانيا. ووصل الأمر بها إلى مطالبة بيرلسكوني بمراجعة علاقاته ومواقفه مع بوتين والتلميح بفرط عقد التحالف والذهاب إلى انتخابات جديدة.

غير بعيد عن هذا المطلب، فإن سالفيني تربطه علاقة عميقة ببوتين ومحيطه، حتى إنه ضبط في زيارات "عمل" إلى موسكو وهو يرتدي قميصا يحمل صورة بوتين، وكرر انتقاده سياسات العقوبات الأوروبية منذ ضم شبه جزيرة القرم في 2014، ومؤخرا، شكل انقطاع الغاز الروسي ونشوء أزمة الطاقة وغلاء المعيشة عاملاً إضافياً لخلخلة الحكومة القادمة.

عولت ميلوني في الأيام الماضية على السياسي الإيطالي المخضرم في حزب بيرلسكوني (فورزا إيطاليا)، المفوض الأوروبي السابق أنطونيو تاجاني، لطمأنة ساسة بروكسل من أن حكومتها لن تحيد عن المجتمع الغربي وسياساته في مواجهة روسيا. بل أشاعت رئيسة الحكومة المكلفة، لزيادة طمأنة الأوروبيين ويسار الوسط في الداخل، أن تاجاني سيصبح نائبها ووزير خارجية حكومتها.

أزمات أخرى

وليست فقط المواقف من موسكو ما قد يؤدي إلى عمر قصير لحكومة ميلوني، بل حتى على مستوى السياسات الاقتصادية ووعود تخفيض ضرائب ضخمة، ما يجعل متخصصين اقتصاديين في روما ينظرون بحيرة حيال تلك الوعود. فلم يقدم اليمين المتشدد خطة واضحة لتمويل التخفيضات الضريبية التي تصل إلى مئات مليارات اليوروهات، في ظل اقتصاد مثقل بالديون والعجز ومتأثر بأزمة الطاقة، وهو أيضا ما يشيع قلق أوروبا من عودة الانهيار الذي جرى قبل نحو 10 سنوات، وكلف منطقة اليورو أثماناً مدمرة.

ولا يرى أستاذ كلية لندن للاقتصاد لورنزو كودوجنو تغييرا جذريا في مواقف ميلوني المتشككة بشكل طبيعي (بناء على الأيديولوجية القومية المتشددة عندها) من الاتحاد الأوروبي. ويعتقد كودوجنو، في تصريحات لصحيفة دنماركية، أنه "سيكون مفروضا على روما تقديم خطة إصلاحات لصرف حزمة التعافي من كورونا (نحو 200 مليار يورو)، وبالأخص من أجل خفض ديون البلد".

ويرى مراقبون محليون وأوروبيون أن السياسة المالية غير المسؤولة لحكومة التشدد القومي في روما ستؤدي لفوضى في الأسواق والوقوع في سيناريو مرعب على مستوى منطقة اليورو. وبحسب تقييم لورنزو كودوجنو، فإن هذا ما يفسر "أن ميلوني تخطو بحذر شديد، على الأقل في البداية".

من جانبه، ذهب يسار الوسط إلى الاعتقاد، على لسان القيادي فيه كارلو كاليندا، أن قنابل بيرلسكوني ستدمر الحكومة القادمة. في المقابل، تعتقد أستاذة العلوم السياسية في جامعة تورين، أنتونيلا سيدون، أنه "عندما تكون السلطة على المحك، سيكونون أكثر استقرارا".

وبالنسبة للشارع الإيطالي، رأت سيدون، خلال تصريحات صحافية، أنه أرهق وسيشعر بارتياح إذا تشكلت الحكومة، "فالناس بحاجة للاستقرار السياسي أكثر من أي شيء آخر في الوقت الحالي. سيكون البديل هو حكومة تكنوقراطية أخرى، والتي ستواجه ضغوطًا سياسية كبيرة من اليسار واليمين على حد سواء، لدرجة أنها ستلحق المزيد من الضرر بمصداقية إيطاليا دوليا".

على المستوى الأوروبي، هناك أيضا حاجة لاستقرار إيطاليا، وعلى عكس ما كان من الممكن أن تولده مواقف الدول من انتقادات لاذعة لوصول الأحزاب المتطرفة وشبه الفاشية إلى السلطة، فقد عبر كل من المستشار الألماني أولاف شولتز والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن أنهما على استعداد للتعاون الجيد مع الحكومة الإيطالية الجديدة.

على كل، بانتظار التشكيلة الحكومية، سيتعين على جورجيا ميلوني تقديم الأسماء إلى مجلس الشيوخ، ويبدو أن النساء سيحصلن على 6 حقائب من بين 24 حقيبة، حيث يعتقد المراقبون في روما أن سلفيو بيرلسكوني ستتم ترضيته بحقيبة النقل.

المساهمون