تصدرت المشهد الفلسطيني أخيراً الاعتقالات السياسية التي طاولت شخصيات وطنية ونضالية لها تاريخها، بعدما خرجت للتصدي لمشاريع التسلط والقمع الذي يحكم المشهد الداخلي في الضفة الغربية منذ مقتل الناشط السياسي نزار بنات بعد ساعات من اعتقاله من قبل الأجهزة الأمنية.
في حال نظرنا لطبيعة الشخصيات التي خرجت للتظاهر والتنديد بجريمة الاغتيال السياسي، كذلك طبيعة من خرجوا من أجل صون الحقوق والحريات في فلسطين المحتلة، فإننا سنجد القاسم المشترك الأول والمحرك لهم بجانب حرصهم على حريات المواطنين، أنهم من قادة معارك الأمعاء الخاوية في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
من الشخصيات النضالية التي تم الاعتداء عليهم وعلى عائلاتها الشيخ خضر عدنان الذي خاض معارك الأمعاء الخاوية في سجون الاحتلال لأكثر من مرة، كذلك تعرضت زوجته التي اعتصمت من أجل الإفراج عنه لاعتداءات لفظية من قبل عنصر أمن فلسطيني توعدها بعدم وجود حرية وطالب المعتصمين بإخلاء المكان.
من المفارقات بأن نفتالي بينت رئيس الوزراء الإسرائيلي اتصل معتذراً من عائلة الجندي الذي أصيب في حدود غزة (بارئيل شموئيلي)، لأنه لفظ اسمه بشكل خاطئ، وذهب لمساندة الجندي المصاب في المشفى، بينما تقوم القيادة الفلسطينية والأجهزة الأمنية بالتنكيل بالشخصيات الوطنية مثل عمر عساف وخضر عدنان وفادي قرعان والدكتورة نادية حبش وغيرهم، مما دفع المواطنين الفلسطينيين لانتقاد تلك المفارقات، وإدانة سلوك السلطة القمعي، الذي يقوم على أساس محاولات كسر الإرادة الوطنية الفلسطينية.
من راقب سلوك المناضلين الفلسطينيين عند اعتداء أجهزة أمن السلطة عليهم يلاحظ أنهم يعبرون عن قناعة تامة بضرورة مواجهة قمع الحريات التي تمارسها أجهزة أمن السلطة كسبيل لعدم تغول أدوارها في المجتمع الفلسطيني ولارتباطها العضوي مع أمن الاحتلال الإسرائيلي.
جنحت الشخصيات الفلسطينية المناضلة التي تم الاعتداء عليها والتنكيل بها لتداول خطاب فلسطيني جامع يدعو الأجهزة الأمنية للعودة عن مسار التنسيق الأمني مع الاحتلال، والرجوع عن خط مساندة قمع الحقوق والحريات إلى خط تقوية وتعزيز الشارع الفلسطيني المُطالب بأن يتصدى لقمع وممارسات الاحتلال عوضاً عن تشتيت مجهوداته في التصدي لقمع أجهزة أمن السلطة.
في حين اتجهت أنظار حركة التضامن العالمية أثناء معركة سيف القدس/ حارس الأسوار لمساندة الشعب الفلسطيني، وفي الوقت الذي التف فيه الشعب الفلسطيني حول تحشيد وتوحيد مجهودات المقاومة الفلسطينية نحو الاحتلال وممارساته الاستيطانية التي تغولت على مدينة القدس وأحيائها، خطفت الممارسات القمعية للسلطة الفلسطينية الأنظار، ووجهتها لطرقات فرعية بعيداً عن المأمول والمتوقع من الطرف الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، وهذه الانتهاكات اليومية من قبل الأجهزة الأمنية تمثل طعنة في خاصرة العمل الوطني الفلسطيني، والمجهودات الفلسطينية الموجهة لمقاومة تعسف وظلم الاحتلال بشكل يومي.
إن الشخصيات الفلسطينية التي اعترضت على عملية الاغتيال السياسي وقمع الحقوق والحريات في الشارع الفلسطيني الذي وصل لأوج غضبه نتيجة تلك الممارسات عبرت عن غضب ووعي مسؤول ونظرة فلسطينية جامعة لهموم الشعب الفلسطيني، كما عبرت عن إدراكها لعدم سوية الادعاء بوجود مشروع وطني وبنفس الوقت ممارسة كل تلك الأعمال القمعية اتجاه الفلسطينيين الأحرار، وأخذت على عاتقها إعادة توجيه البوصلة الفلسطينية نحو الهم الفلسطيني الأوحد وهو التصدي لممارسات الاحتلال وكل من يعبر في ممارساته التسلطية عن انسجام مع الاحتلال.
لا يمكن مواجهة الاحتلال وظلمه وتماديه وممارساته الاستيطانية والإلغائية للحق الفلسطيني، دون تربية الأجيال المقهورة على التصدي لهذا القهر والإذلال، ويمثل التصدي لبطش الأجهزة الامنية الفلسطينية وعمليات التنسيق الامني مع الاحتلال جزء مهم في سبيل للتصدي الواسع لمخطط الاحتلال بتشويه الهوية الفلسطينية وحرف البوصلة السياسية الفلسطينية من التصدي للاحتلال لتحويل السلطة الفلسطينية لكيان منتفع من استمرارية الاحتلال.
إنه أمر يتنافى مع طبيعة الفلسطينيين في كافة أماكن وجودهم أن تتم محاولات ترويضهم وثنيهم عن المطالبة بحقوقهم، فأمام سيل الغضب الشعبي الفلسطيني ستدرك السلطة الفلسطينية أنها بنت آمالها على أوهام ورهانات خاسرة بأن الشعب الفلسطيني قابل للانكسار، أو للانحراف عن مساره الذي يعده وجودياً، وكما فاجأ الشعب الفلسطيني العالم بالمواجهة الأخيرة مع الاحتلال، فإنه سيفاجئ آلة قمع السلطة بالرد الدائم وعدم الصمت على الممارسات القمعية وسيدفع عجلة الزمن نحو وضع نهاية لمشهد عبث سلطة أوسلو بمصائر ومقدرات وإرادات الشعب الفلسطيني.