أحرقت ألسنة اللهب التي أشعلها الإرهابيون من المستوطنين في حوارة، تحت سمع وبصر جنود الاحتلال، كل ما كان تبقّى من وهم بإمكانية "تنسيق أمني" علني، علّه يفضي إلى "أفق سياسي" أياً كان، على الرغم من محاولات السلطة الفلسطينية تكرار استخدام التعبير الذي خرج للعلن أول مرة، قبل أكثر من عام، بعد لقاء جمع رئيس السلطة محمود عباس وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ مع وزير أمن الاحتلال السابق بني غانتس، في منزل الأخير في بلدة رأس العين.
وأظهرت عملية ديزنغوف في تل أبيب، ليل الخميس، مرة أخرى، أن الوهم الإسرلئيلي بإمكانية بناء درع أمني عازل لدولة الاحتلال وعاصمتها المعنوية، النابضة بالحياة، ليس ممكناً فيما الشعب الفلسطيني يرزح تحت الاحتلال.
وأظهرت العملية أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال، بل من المستحيل، القضاء على المقاومة مهما كان شكلها. كما أظهرت أنه إذا كان الاحتلال قادراً على اختراق قلب المدن الفلسطينية والوصول إلى كل نقطة فيها، فإن عنصر المقاومة الفلسطيني قادر هو الآخر، من دون أي من التدابير التي تملكها دولة كإسرائيل، بل على الرغم من كل تلك التدابير، على الوصول إلى قلب "المدينة" الإسرائيلية الأولى، وأن يثير فيها الرعب والخوف، الذي يثيره جيش جرار في قلوب الأطفال الفلسطينيين، وإن تفاوتت قوة الضربة.
احترقت تفاهمات العقبة، وأحرقت معها أيضاً كل خطط وبرامج "تمكين السلطة الفلسطينية" من إعادة سيطرتها، بعد أن ظلّت قوات أجهزة السلطة بعيدة كل البُعد عن مهمتها الوطنية الأولى، التي يفترض أنها موجودة لتأديتها. لكن الدرس الأهم من إحراق تفاهمات العقبة هو أن الشعب الحي، أياً كان هذا الشعب وأياً كانت مقدرات أبنائه، ومهما بُذل من جهد لقمعه، وتدجينه، لن يستكين للاحتلال الأجنبي. وسيبقى هذا الشعب الحي مقاوماً، وباحثاً عن طرق وأدوات لرفع رسالة الحرية.
هذا هو الواقع الذي تواجهه دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهو واقع لن تستطيع أي تفاهمات أمنية أو سياسية، إقليمية أو دولية، تغييره. فلا صفقات "التهدئة" قادرة أن تطرح ثمارها المرجوة، ولا سياسات تحسين "مستوى المعيشة" قادرة أن تنسي الفلسطيني أنه يعيش تحت احتلال قمعي. فالفلسطيني يواجه الاحتلال يومياً، في كل مكان، وفي كل تفاصيل حياته الصغيرة والكبيرة.
وما دام الفلسطيني يواجه الاحتلال بكل هذه التفاصيل، فإنه سيبقى ينشد الحرية بكل السبل، ومنعه من ذلك سيكون مهمة الاحتلال المستحيلة.