نقل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، فجر اليوم الخميس، السلطة إلى مجلس قيادة رئاسي، كما أعفى نائبه علي محسن الأحمر من منصبه، في مفاجأة من العيار الثقيل يُعتقد أنها تمت تحت ضغوط من السعودية، التي كافأت الخطوة بتقديم دعم للاقتصاد بقيمة 3 مليارات دولار، بالشراكة مع دولة الإمارات.
وكان هادي، الذي أنهى أواخر فبراير/شباط الماضي عشرة أعوام في الحكم، يرفض المساس بمنصبه في كافة النقاشات الخاصة بعملية السلام، ودائماً ما كان يربط أي حلول مقترحة بالمرجعيات الثلاث التي تمنحه "الشرعية الدستورية" باعتباره رئيساً منتخباً لليمن.
وكانت مصادر مطلعة قد كشفت لـ"العربي الجديد"، في فبراير الماضي، عن وجود قناعة لدى السعودية بتشكيل مجلس رئاسي من أجل تصحيح الاختلالات التي تعاني منها منظومة الرئاسة اليمنية، ولذلك، صُممت المشاورات اليمنية في الرياض كغطاء قانوني لإظهار هذه الصيغة.
ولكن الأمر اللافت هو أنّ الإعلان عن نقل السلطة جرى عشية الموعد المفترض لختام مشاورات الرياض، التي كان من المقرر أن يتم في وقت لاحق اليوم الخميس، قبل أن تُقلب الطاولة على المتشاورين الذين دخلوا، أمس الأربعاء، في جدل حاد حول طريقة تقليص صلاحيات الرئيس هادي.
وتزايدت الشكوك حول وجود مخطط غامض بعد الاستدعاء المفاجئ لمحافظ مأرب الشيخ سلطان العرادة إلى الرياض، والذي كان قد رفض المشاركة في افتتاح المشاورات تحت مبرر التهديدات الحوثية الدائمة على تخوم المحافظة الغنية بالنفط.
من هو رئيس مجلس القيادة وما صلاحياته؟
أسند الرئيس هادي رئاسة مجلس القيادة الرئاسي إلى رشاد العليمي، أحد أبرز مستشاريه السياسيين منذ العام 2014، وقبل ذلك، كان أحد أبرز وجوه النظام السابق، عندما تقلد مناصب أمنية واستخباراتية رفيعة منذ العام 2000 وحتى العام 2011 عندما نجا من انفجار دار الرئاسة بصنعاء.
ظل العليمي خلال السنوات الماضية يتحرك في الظل كقائد لجناح "المؤتمر الشعبي العام" الموالي للحكومة الشرعية، كما كان المحرك الأول لما يسمى بأحزاب التحالف الوطني المناهضة الانقلاب الحوثي.
وخلافاً لعلاقاته الودية مع كافة المكونات السياسية داخلياً، يرتبط العليمي بعلاقات وطيدة مع السعودية وكذلك مع الولايات المتحدة الأميركية، وقبل ساعات من تعيينه، كان المبعوث الأميركي إلى اليمن تيموثي ليندركينغ قد عقد لقاء معه بخصوص مشاورات الرياض.
ونظراً لوجود شخصيات نافذة في عضوية المجلس تستند إلى قوة عسكرية، حرص مهندسو قرار نقل السلطة على عدم تجربة الرئاسة الهشة للرئيس هادي، وذلك من خلال منح رئيس المجلس الرئاسي صلاحيات مطلقة لا يمكن للأعضاء منازعته عليها وتحويله إلى رئيس صوري.
وخلافاً للمهام العامة الموكلة لمجلس القيادة، من إدارة الدولة سياسياً وعسكرياً واعتماد سياسة خارجية وتيسير ممارسة الحكومة اختصاصاتها، منح القرار رئيس المجلس فقط صلاحيات حصرية، على رأسها "القيادة العام للقوات المسلحة" و"تمثيل الجمهورية في الداخل والخارج".
كما يمتلك رئيس المجلس فقط صلاحيات حصرية في تعيين محافظي المحافظات ومدراء الأمن وقضاة المحكمة العليا ومحافظ البنك المركزي، بعد التشاور مع رئيس مجلس الوزراء، على أن يتم التوافق على الأسماء مع أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، وكذلك تعيين السفراء والمصادقة على القوانين.
نواب رئيس المجلس الرئاسي
نص قرار نقل السلطة على تعيين 7 أعضاء في مجلس القيادة الرئاسي بدرجة نائب رئيس المجلس، وعلى رأسهم الشيخ سلطان العرادة، الذي لا يُعرف إن كان سيحتفظ بمنصبه محافظاً لمأرب خلال الفترة القادمة أم لا.
وإلى جانب رئيس المجلس رشاد العليمي الذي ينتمي إلى حزب المؤتمر، شملت عضوية المجلس أيضاً شخصيتين من الحزب ذاته، هما نجل شقيق الرئيس اليمني السابق العميد طارق صالح، ومستشار الرئيس هادي، الشيخ عثمان مجلي.
وجرى التقسيم بالمناصفة شمالاً وجنوباً، إذ ينحدر رئيس المجلس ومعه طارق صالح وسلطان العرداة وعثمان مجلي من شمال اليمن، فيما ينحدر عبد الرحمن المحرمي وعيدروس الزبيدي وفرج البحسني وعبد الله العليمي باوزير من محافظات الجنوب.
حصة الجنوب بدت موالية للإمارات بشكل خالص، إذ شهدت حضور رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، والقائد العام لـ"ألوية العمالقة" السلفية عبد الرحمن أبو زرعة، ومحافظ حضرموت فرج البحسني، إضافة إلى وجود طارق صالح في حصة محافظات الشمال.
حزبياً، حظي حزب التجمع اليمني للإصلاح بمقعدين في المجلس، وذلك بإشراك مدير مكتب الرئيس هادي، عبد الله العليمي باوزير، ومحافظ مأرب الموالي للحزب الشيخ سلطان العرادة.
ويبدو أنّ الانسجام الحزبي لم يكن هو الهدف الأول لصنّاع عملية السلطة، بقدر إيجاد توافق ظاهري بين أكبر القوى العسكرية الفاعلة على الأرض، وخصوصاً "ألوية العمالقة" والمجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات طارق صالح ومحافظ حضرموت، الذي يشرف على قوة ضاربة في المنطقة العسكرية الثانية وستؤول إليه المنطقة العسكرية الأولى ربما.
ونظراً للتقلبات التي تحكم القوى اليمنية بين فترة وأخرى، فقد حدد نص قرار تسليم السلطة أنه في حال عدم وجود توافق في اتخاذ القرارات داخل المجلس الرئاسي، فإنه "تُتخذ القرارات عند التصويت عليها بالأغلبية البسيطة، وعند تساوي الأصوات يرجح الجانب الذي صوت له رئيس مجلس القيادة الرئاسي".
ووفقاً للقرار، فإنه "إذا تعذر وجود الأغلبية البسيطة، فإنه يصار إلى إحالة الموضوع إلى اجتماع مشترك مع رئاسة هيئة التشاور والمصالحة"، كما تتخذ القرارات في الاجتماع المشترك لمجلس القيادة الرئاسي ورئاسة هيئة التشاور والمصالحة بالأغلبية البسيطة للحاضرين، وعند تساوي الأصوات، يُرجح الجانب الذي صوت له رئيس مجلس القيادة الرئاسي.
ما موقف الحوثيين من المجلس؟
وبما أنّ كافة القوى الفاعلة باتت شريكة في المجلس، فإنه لا يُعرف حتى الآن كيف ستكون ردة فعل الحوثيين، الذين خاطبهم القرار بـ"أنصار الله" للمرة الأولى، وذلك بفتح الحوار معهم، ولم يصفهم بالمليشيات الانقلابية كما جرت العادة.
وكان القيادي الحوثي البارز محمد علي الحوثي قد سارع إلى انتقاد خطوة نقل السلطة، وقال في تغريدة على "تويتر" إنّ هادي "لا يمتلك أي صلاحيات حتى ينقلها لغيره"، لكنه سرعان ما عاد ليشطب ذلك من حسابه الرسمي.
ويرى المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات ماجد المذحجي أنه حتى الآن، من غير الواضح كيف ستكون انعكاسات هذا التغيير في العلاقة مع الحوثيين، لكن إعادة اصطفاف كامل في المعسكر المناوئ للجماعة "أمر مثير لقلق الحوثي في كل الأحوال"، كما يقول.
ويضيف المذحجي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنّ "تشكيل المجلس يمنح فرصة إما لبدء مسار فعلي للتفاوض أو إعادة تنظيم المعركة عسكرياً وسياسياً في مواجهة الحوثيين". وأضاف "القرار سيمنح زخماً في أي مسار، لكن الأمر سيستغرق وقتاً قبل رؤية هذه النتائج، لأننا سنشهد مرحلة انتقالية ومقاومة من بعض المصالح التي نشأت وأحاطت بالرئيس هادي خلال الفترة الماضية".
ويعتقد الباحث اليمني أنه مع طيّ صفحة هادي ومنح صلاحيات حاسمة لرئيس المجلس الرئاسي، فقد يشهد اليمنيون نمطاً مختلفاً من المقاربات السياسية. وقال "الفرص والسيناريوهات من وراء هذه الخطوة متعددة، إعادة إدماج الإمارات وحلفائها بشكل فعلي في المشهد وبتوافق سعودي، يمكن أن يمنح زخماً ويخفف من حدة الاحتقانات التي كانت قائمة".