حملت الدورة الـ 19 من مناورات "الأسد الأفريقي" المشتركة بين المغرب والولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى، التي اختتمت، أمس الجمعة، إشارات ورسائل سياسية واستراتيجية، في ظل وضع إقليمي ودولي يتسم بالتوتر والاضطراب.
وشارك بالتدريبات حوالي 6000 جندي، يمثلون 14 بلداً من أفريقيا وخارجها، بما فيها المغرب والولايات المتحدة، فضلاً عن مشرفين عسكريين من 8 دول، هي سيراليون ومصر وليبيريا والبرتغال والرأس الأخضر وباكستان وأذربيجان والمجر.
وشملت التدريبات، التكوين والمحاكاة في مجال أنشطة القيادة، وتمارين مشتركة، ومناورات في مختلف المجالات العملياتية البرية والمحمولة جواً والجوية والبحرية، وإزالة التلوث (النووي والإشعاعي والبيولوجي والكيميائي).
وتهدف هذه التدريبات الدولية بشكل أساسي إلى تطوير قابلية التشغيل البَيني، وتعزيز قدرات التدخل في إطار متعدد الجنسيات.
وبحسب الخبير في الشؤون العسكرية والأمنية، محمد شقير، فإنّ التعاون العسكري بين المغرب وأميركا يقوم على أسس استراتيجية وطيدة تنعكس عملياً ومادياً، معتبراً أنّ الشراكة العسكرية الممتدة ما بين 2020 و2030 هي إطار لتزويد الولايات المتحدة المغرب بالتكنولوجيا العسكرية التي تحتاجها القوات المسلحة الملكية في تطوير ترسانتها العسكرية وتقويتها في المنطقة.
وقال، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، إنّ تنظيم مناورات "الأسد الأفريقي" التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية، وحرصها على تنظيمها في مناطق مغربية بحرية أو صحراوية عدة، تزيد من تمرس الجيش المغربي، وتعزيز التنسيق العسكري مع الجيش الأميركي في مواجهة التهديدات الإرهابية في المنطقة الأفريقية، خاصة في دول الساحل.
من جهته، رأى الباحث في العلاقات الدولية، بوبكر أونغير، أن مناورات "الأسد الأفريقي" بالمغرب هي تجسيد للتعاون الوثيق بين المملكة المغربية وباقي المؤسسات العسكرية العظمى بالعالم، خاصة الولايات المتحدة الأميركية التي ساهمت بقوات عسكرية مختلفة واستعملت آليات وتقنيات عسكرية متطورة في الدورة الـ19 من تمرين "الأسد الأفريقي".
وأضاف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنها تعبير عن عمق العلاقات بين البلدين في جميع المستويات، وحرص أكيد منهما على تطوير جهودهما من أجل تحديث وتطوير ترسانتهما العسكرية، وتأهيل طواقمهما العسكرية لتستجيب للتحديات الكبرى التي تهم أمن واستقرار البلدين.
وأوضح أونغير أن هذه الدورة مكنت من اختبار جهوزية الجيشين لمواجهة المخاطر المحدقة بالأمن والسلم الدوليين، كما جرى تجريب عدد من الأسلحة والمعدات التقنية واللوجيستيكية الفائقة الدقة، واستعمال الذخيرة الحية.
ولفت إلى أن تمرين "الأسد الأفريقي" حمل رسائل سياسية واستراتيجية عدة موجهة إلى من يهمه الأمر، مشيراً إلى أن "أولها أن التحالف المغربي الأميركي هو تحالف استراتيجي وليس ظرفياً تكتيكياً، بل هو في صميم العلاقات المتميزة بين الرباط وواشنطن". وتوقع أن يتعزز هذا التعاون ليشمل التفكير جدياً في وضع خطط مستقبلية مشتركة للمحافظة على أمن واستقرار الساحل الأفريقي.
وتكمن ثاني الرسائل، وفق أونغير، في كون المغرب "دولة مهمة استراتيجياً في السياسة العسكرية الأميركية، وأن أي تهديد لسلمه ووحدته هو تهديد للمصالح الاستراتيجية الأميركية"، لافتاً إلى أن هذا الارتباط الاستراتيجي في العلاقات المغربية الأميركية يحمل رسائل مطمئنة للمستثمرين الدوليين ويحمل آفاقاً واعدة بخصوص حرص واشنطن والرباط على تطوير كل مستويات ومجالات الشراكة، لتكون سياسية واقتصادية وعسكرية.
واعتبر أن "المناورات العسكرية بين الجانبين كان لها الأثر الكبير في معنويات الجيش المغربي وعلى قدراته القتالية"، مضيفاً أنّ المغرب استفاد عسكرياً وتقنياً وسياسياً، وأن ذلك سيؤثر إيجاباً في الجانب الاقتصادي الاستثماري، بفضل الاستقرار والأمن والثقة الدولية التي يحظى بها لدى جميع الشركاء الدوليين.
وتعد مناورات "الأسد الأفريقي" أكبر تمرين متعدد الجنسيات في القارة الأفريقية، ويعكس تنظيمه كل عام بالمغرب، منذ ما يقرب من عقدين، "متانة علاقات التعاون بين المغرب والولايات المتحدة، باعتبارها شريكاً استراتيجياً متميزاً للمملكة"، وفق بيان الجيش المغربي.
وانطلقت أول نسخة من مناورات "الأسد الأفريقي" بين المغرب والولايات المتحدة عام 2007، حيث تشارك فيها دول أوروبية وأفريقية، وهي تجرى سنوياً، وأحياناً أقيمت أكثر من نسخة في العام الواحد.