كشفت مصادر سياسية وحزبية مطلعة في مصر أنّ دائرة الرئيس عبد الفتاح السيسي استقرت على استمرار علي عبد العال في منصب رئيس مجلس النواب خلال الفصل التشريعي الجديد، المقرر انعقاده في مطلع يناير/كانون الثاني المقبل، ويستمر لمدة 5 سنوات. ويأتي ذلك بعد ضمان فوز "القائمة الوطنية" المدعومة من النظام بجميع مقاعد القائمة المغلقة، واستحواذ حزب "مستقبل وطن" على الأغلبية الكاسحة من المقاعد الفردية في الانتخابات البرلمانية المستمرة، والتي تبقى منها جولة الإعادة أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.
وقالت المصادر، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، إن قرار السيسي استند إلى توصية من رئيس المخابرات العامة، عباس كامل، باعتبار أن عبد العال تمرّس في مهمات رئيس البرلمان خلال السنوات الخمس الماضية، واستطاع خلالها تمرير جميع القرارات والتشريعات المرسلة من الرئيس والحكومة من دون تعديلات جوهرية. ومن الصعوبة إيجاد بديل له بنفس القدر من الموالاة للسلطة، لا سيما مع ضيق الوقت باقتراب انعقاد المجلس الجديد.
وبحسب المصادر، فإنّ عبد العال سيؤدي دوراً هاماً في التنسيق مع رئيس مجلس الشيوخ الجديد، رئيس المحكمة الدستورية السابق عبد الوهاب عبد الرازق، من أجل تمرير مشاريع القوانين التي تطلبها السلطة تحقيقاً لمصالحها على حساب الشعب. مع العلم أن عبد الرازق هو صاحب حكم عدم الاعتداد بأحكام القضاء الإداري بشأن مصرية جزيرتي تيران وصنافير.
ينتظر أن يتم استحداث شروط تمهد لتصفية عدد من الأحزاب
ولفتت المصادر نفسها إلى أنّ الفصل التشريعي المقبل سيشهد مناقشة وإقرار حزمة من التشريعات الشائكة المؤجلة، على غرار تعديلات قوانين الإيجارات القديمة، والأحوال الشخصية، والإجراءات الجنائية، والإدارة المحلية.
وتابعت المصادر أن البرلمان الجديد (بغرفتيه) منوط به العديد من المهمات العاجلة مع انعقاده، ومنها تمرير حزمة من التشريعات الاقتصادية التي أقرتها الحكومة أخيراً، مثل قانون الصكوك السيادية (تشبه السندات التقليدية ولكن من دون فائدة)، والذي سيفتح الباب أمام مصر لدخول عالم التمويل الإسلامي. ويأتي ذلك في إطار سياسة التوسع في الاقتراض من الخارج التي ينتهجها النظام الحالي عبر أدوات عدة، كان أحدثها السندات الدولية الخضراء التي أدرجتها الحكومة المصرية في بورصة لندن بقيمة 750 مليون دولار.
كما سيناقش البرلمان تعديل قانون الضريبة على القيمة المضافة، والهادف إلى إخضاع مزيد من السلع والخدمات للضريبة، بعد أن كانت مدرجة في بند الإعفاء، مثل المخبوزات والحلوى والمقرمشات والمنتجات المصنعة من الدقيق (عدا الخبز)، وكذلك منتجات الصابون والمنظفات الصناعية للاستخدام المنزلي. وكل ذلك ينتظر أن يؤثر سلباً على تكلفة إنتاجها، ومن ثم ارتفاع سعر بيعها للجمهور. كذلك سيناقش البرلمان قانون المالية العامة الموحد الذي يستهدف رفع كفاءة الأداء المالي في وزارة المالية والجهات الإدارية المختلفة.
وحسب المصادر، فإن الحكومة تستهدف إدخال تعديلات جديدة على قانون تنمية الموارد المالية للدولة، تشمل فرض مزيد من الرسوم على المحررات الرسمية بمصلحة الشهر العقاري، وأجهزة وخطوط التليفون المحمول، وفاتورة الإنترنت للأفراد والشركات والمنشآت التجارية، وتراخيص تسيير السيارات الجديدة، واستخراج رخص القيادة الشخصية، واستخراج أو تجديد جواز السفر، ورخص السلاح، وأذون العمل في الخارج.
وأفادت المصادر بأن اقتطاع نسبة 1 في المائة من رواتب العاملين في القطاع الحكومي والخاص والبنوك، و0.5 في المائة من دخول أصحاب المعاشات، بحجة المساهمة في احتواء تداعيات أزمة تفشي وباء كورونا، لن يقتصر على مدة الـ12 شهراً المحددة في قانون إنشاء "صندوق مواجهة الأوبئة والفيروسات". وعزت ذلك إلى أن مواد التشريع مهّدت لتمديد هذه المدة، بما يعني استمرار الحسم من رواتب الموظفين وأصحاب المعاشات إلى "أجل غير مسمى".
واستكملت المصادر أن مجلس النواب الجديد سيصوت قطعاً على قرار رئيس الجمهورية في شأن رسوم الإذاعة والأجهزة اللاسلكية، والذي آثر المجلس الحالي عدم تمريره في الفصل التشريعي المنقضي بسبب حالة الرفض الشعبي. وينص على أن "يؤدي كل مالك سيارة بها أجهزة إلكترونية أو ترفيهية (راديو) أو مجهزة لاستعمالها رسماً سنوياً مقداره مائة جنيه (نحو 6 دولارات)، يُحصّل عند سداد أية ضرائب أو رسوم مستحقة على السيارة، وتؤول حصيلته إلى الخزانة العامة للدولة".
تحذر المصادر المصرية من التمهيد لتطبيق الطوارئ بصورة دائمة
في موازاة ذلك، تسعى دائرة السيسي لإدخال تعديل آخر على مواد الدستور بعد الانتهاء من تشكيل مجلس النواب، بحيث يشمل مواد تكوين الأحزاب، والنقابات المهنية والعمالية. وينتظر أن يتم ذلك باستحداث شروط تمهد لتصفية عدد كبير من الأحزاب القائمة، خصوصاً المشهرة في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وتقييد عمل النقابات المستقلة مقابل توسيع دور النقابات الرسمية، وفقاً للمصادر نفسها.
وأشارت المصادر إلى أن التعديل سيطاول مواد الصحافة والإعلام بحذف نص "عدم توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية". ويُضاف إلى ذلك حذف عبارة "لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات"، بوصفها تقف حائلاً أمام وضع الدولة للقيود على مواد الحريات.
كذلك رجحت المصادر حذف التعديل المرتقب للنسبة الدستورية المخصصة لقطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمي بواقع 10 في المائة من الناتج القومي الإجمالي، لتلافي مسألة الطعن بعدم دستورية مشروع الموازنة العامة للدولة.
كما حذرت المصادر من التمهيد لتطبيق حالة الطوارئ بصورة دائمة، منذ فرضها للمرة الأولى في جميع أنحاء البلاد في إبريل/نيسان 2017، على ضوء تشكيل مجلس النواب الجديد الذي سيكون أكثر موالاة من سابقه.
وكان مجلس النواب (القائم حالياً) قد وافق على حزمة من التشريعات المثيرة للجدل في الدور الأخير لانعقاده السنوي. وأهمها تعديل قانون "إنشاء صندوق مصر السيادي" الذي أجاز لرئيس الجمهورية نقل ملكية الأصول المستغلة المملوكة للدولة، أو غير المستغلة إلى الصندوق، ومن ثم إعادة طرحها للبيع أمام القطاع الخاص لصالح الصندوق غير الخاضع لأي شكل من الرقابة.
كما أقرّ تعديلات موسعة على قانون شركات قطاع الأعمال العام من أجل الانتقاص من حقوق العاملين في شركات القطاع، والتمهيد لتصفية الشركات الخاسرة منها، إيذاناً بطرح أسهمها أمام المستثمرين المحليين والأجانب. ويضاف إلى ذلك إجازة مادتين في قانون الاستثمار تستهدفان تحصين قرارات بيع شركات قطاع الأعمال العام، والحد من منازعات التحكيم الدولي ضد الدولة المصرية.
ومن المتوقع أن يصوت المجلس الحالي في 15 ديسمبر/كانون الأول المقبل (جلسته الختامية)، على تقرير لجنة الشؤون التشريعية في المجلس حول تعديل الحكومة بشأن قانون "الفصل بغير الطريق التأديبي"، والذي يرمي إلى إبعاد (عزل) الموظفين المنتمين فكرياً إلى "الجماعات "الإرهابية"، يقصد بذلك جماعة "الإخوان المسلمين"، عن العمل في جميع الجهات والمؤسسات التابعة للدولة، تحت مزاعم "ما يشكله ذلك من خطر داهم على الصالح العام".
ونص تعديل القانون على "اتخاذ إجراءات العزل للمخاطبين بأحكامه من وحدات الجهاز الإداري للدولة، ووحدات الإدارة المحلية، والجهات المخاطبة بأحكام قانون الخدمة المدنية، والهيئات العامة الخدمية والاقتصادية، وشركات القطاع العام، وشركات قطاع الأعمال العام، والعاملون الذين تنظم شؤون توظيفهم لوائح خاصة، من دون المساس بما قد يكون مقرراً لبعض الفئات من ضمانات دستورية في مواجهة العزل".