مقترح هدنة غزة: تباين أميركي إسرائيلي بشأن المرحلة الثانية

04 يونيو 2024
من قصف الاحتلال على مخيم للاجئين في المواصي، 28 مايو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- جدل داخلي في إسرائيل حول صفقة هدنة مقترحة مع حماس، تتضمن ثلاث مراحل بما في ذلك وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، مع تحفظات من نتنياهو الذي يؤكد على استمرار الحرب لتحقيق أهداف إسرائيل.
- المرحلة الأولى تشمل وقفًا لإطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية، تليها مفاوضات لوقف دائم للنار، بينما تثير المرحلة الثانية قلق نتنياهو بشأن إمكانية إنهاء الحرب قبل تحقيق الأهداف الإسرائيلية.
- عدم وجود إجماع داخل الحكومة الإسرائيلية حول الصفقة، مع استمرار الضغوط السياسية والتهديدات بحل الحكومة، مما يعكس التحديات الداخلية في التوصل إلى قرار بشأن الهدنة.

رغم أن مقترح الهدنة بغزة إسرائيليٌ إلا أن نتنياهو يواصل تنصله منه

المرحلة الثانية من مقترح الهدنة تشكل معضلة لدولة الاحتلال

أوساط عديدة تتهم نتنياهو بالمماطلة والألاعيب لعدم إبرام صفقة

يتواصل الجدل الإسرائيلي الداخلي بشأن التوصّل إلى صفقة مع حركة المقاومة الإسلامية حماس، بموجب مقترح هدنة غزة الذي تحدّث عنه الرئيس الأميركي جو بايدن يوم الجمعة الماضي وقال إنه مقترح إسرائيلي، مكوّن من ثلاث مراحل، لكنه قدّم تفسيراته الخاصة له. يأتي ذلك في حين تتجه الأنظار بشكل خاص إلى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي خرج إلى العلن في أكثر من مناسبة، منذ خطاب بايدن، مؤكداً استمرار الحرب حتى تحقيق جميع أهدافها، وعلى رأسها القضاء على حركة حماس.

وعلى الرغم من كون مقترح هدنة غزة هو إسرائيلي كما أعلن بايدن، إلا أن نتنياهو يواصل تنصله منه، في ظلّ ضغط جزء من شركائه في الائتلاف الحاكم، على رأسهم الوزيران إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وتهديدهم بحل الحكومة إن وافق على ما يصفانه بصفقة سيئة.

وكان بايدن كشف يوم الجمعة الماضي عن تفاصيل المقترح الإسرائيلي بشأن هدنة غزة، لكنه أضاف عليه لمساته وتفسيراته، مشيراً إلى أنه يتضمن في المرحلة الأولى ومدّتها ستة أسابيع "وقفاً كاملاً وتامّاً لإطلاق النار، وانسحاب القوّات الإسرائيليّة من كلّ المناطق المأهولة بالسكّان في غزة، والإفراج عن عدد من الرهائن بمن فيهم النساء والمسنّون والجرحى، وفي المقابل إطلاق سراح مئات من المساجين الفلسطينيّين".

 ولفت بايدن إلى أنّ الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني سيتفاوضان خلال تلك الأسابيع الستّة حول وقف دائم للنار، وأنّ الهدنة ستستمرّ إذا طال أمد المحادثات. وأضاف الرئيس الأميركي "طالما وفت حماس بالتزاماتها، فإنّ وقف النار الموقّت سيُصبح، وفق العبارة الواردة في الاقتراح الإسرائيلي، وقفاً دائما للأعمال العدائيّة".

 كما أشار بايدن إلى أن المرحلة الثانية من المقترح تشمل "إطلاق سراح بقية الرهائن والجنود وإدامة وقف إطلاق النار، بينما تتضمن المرحلة الثالثة أوضاع ما بعد الحرب وإعادة إعمار غزة"، من دون أن يذكر المدة التي ستستغرقها المرحلتان الثانية والثالثة من المقترح.

المرحلة الثانية من مقترح هدنة غزة المعضلة الأساسية لإسرائيل

ويبدو أن المرحلة الثانية من مقترح هدنة غزة تشكل المعضلة الأساسية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، التي تعتقد بأنها قد تؤدي إلى إنهاء الحرب قبل تحقيق الأهداف التي وضعتها. وهذا ما دفع نتنياهو في جلسة للجنة الخارجية أمس الاثنين، إلى وصف ما قدّمه بايدن في خطابه بأنه ليس صحيحاً.

وتشهد المرحلة الثانية وفق مقترح هدنة غزة الذي تحدث عنه بايدن، استكمال تبادل المحتجزين بما في ذلك الجنود وإدامة وقف النار، لكن بايدن لفت أيضاً الى وجود العديد من التفاصيل التي يجب التفاوض بشأنها من أجل الوصول إلى المرحلة الثانية.

ويتضح رفض نتنياهو لهذا التصور، مما قاله خلال جلسة لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، تحديداً لجهة أن "الادعاء بأننا وافقنا على وقف إطلاق النار من دون تحقيق شروطنا ليس صحيحاً".  وأكد نتنياهو أنه لن يوافق على إنهاء الحرب في إطار المقترح الذي عرضه بايدن، موضحاً: "المقترح الذي قدّمه بايدن جزئي. ستتوقف الحرب بغرض إعادة المختطفين، وبعد ذلك نتقدّم بالمناقشات. هناك تفاصيل أخرى لم يعرضها الرئيس الأميركي للجمهور"، ذكر منها أن "إسرائيل وحماس ستدخلان بعد 16 يوماً من انطلاق المرحلة الأولى من الهدنة مفاوضات للحديث حول استمرار شروط الصفقة"، وهو ما يعني عملياً أن الانتقال لن يكون فورياً وتلقائياً من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية بحسب رؤية بايدن.

وتصرّ إسرائيل على أن تنفيذ المرحلة الثانية من مقترح هدنة غزة، المتعلّق بالوقف الدائم لإطلاق النار، "يبدأ فقط بعد التوصل إلى تفاهمات حول شروط وقف إطلاق النار"، وبكلمات أخرى يعني هذا استمرار الحرب، ذلك أن إسرائيل تصرّ على تحقيق أهدافها المعلنة.

وبحسب قرار مجلس إدارة الحرب (كابنيت الحرب)، وفق وسائل إعلام عبرية، يتيح الاتفاق لإسرائيل "الحفاظ على حقها في تجديد القتال في أي وقت، حين ترى أن المفاوضات توظّف فقط في إضاعة الوقت (من قبل حماس)". 

وتشي تصريحات نتنياهو المتتالية منذ خطاب بايدن إلى أن إسرائيل ستستأنف القتال في حال خرجت الصفقة إلى حيز التنفيذ، ويعني هذا تلقائياً رفض حركة حماس لها، وهي التي تطالب بإنهاء الحرب وستتأكد حتماً من حدوث ذلك في إطار الصفقة.

وفي حديث لموقع "والاه" العبري مساء أمس الاثنين، قال مسؤولون إسرائيليون كبار لم يسمّهم الموقع، إنه في حين ترغب "حماس" في معرفة إن كان تطبيق الصفقة سيؤدي إلى نهاية الحرب، يقول نتنياهو على الملأ إن هذا لن يحدث. ويهدف "الغموض" في صياغة مقترح الصفقة، وفق المصادر ذاتها، إلى دفع الطرفين إلى الدخول في المرحلة الأولى من الصفقة التي تنص على إطلاق مجموعة من المحتجزين الإسرائيليين، وهدنة لمدة 42 يوماً، مع إرجاء قضية إنهاء الحرب إلى وقت لاحق.

وإذا كانت مواقف عدد من الوزراء في حكومة نتنياهو مثل بن غفير وسموتريتش واضحة في رفض الصفقة، فإن موقف وزير الأمن يوآف غالانت، بشأن الصفقة، لا يبتعد كثيراً عن موقف نتنياهو، وهو إن لم يعلن موقفاً صريحاً في رفضها، إلا أنه أشار يوم الأحد الماضي، إلى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تعمل على إعداد بديل سلطوي لحركة حماس في غزة، إلى جانب استمرارها في عملياتها العسكرية. ويرى غالانت أن هذا سيؤدي إلى تحقيق أهداف الحرب، من حيث القضاء على قدرات حماس العسكرية وإعادة المحتجزين.

لا موقف نهائياً بشأن مقترح هدنة غزة

في غضون ذلك، ذكرت إذاعة "ريشيت بيت" التابعة لهيئة البث الإسرائيلية اليوم، أنه على خلفية الضغط السياسي من الوزيرين بن غفير وسموتريتش الرافض للصفقة كما قدمها بايدن، يجري نتنياهو والمسؤولون في مكتبه، محادثات مع أعضاء كنيست من حزب الليكود، والذين يصنّفون ضمن من يمكن أن يعارضوا الصفقة لإقناعهم بقبوله. وتنضم هذه المحادثات إلى تلك التي يجريها نتنياهو مع وزراء في الحكومة. وذكرت الإذاعة، أن إجراء محادثات مع أعضاء كنيست وليس وزراء فقط، يشير إلى خشية نتنياهو ومكتبه، من الجوانب التي قد تهدد ائتلافه الحاكم، وليس لمحاولة حشد أغلبية مؤيدة للصفقة فقط. ويتناقض هذا السلوك إن صح، مع مواقف نتنياهو المعلنة. وأعلن عدد من الوزراء في الليكود وكذلك في أحزاب الحريديم على الملأ دعمهم مقترح هدنة غزة، من بينهم رئيس حزب يهدوت هتوراة يتسحاك غولدكنوف، الذي نقلت وسائل إعلام عبرية قوله "سندعم كل مقترح يقود إلى إطلاق سراح المحتجزين. ليس هناك أعظم من قيمة الحياة وفداء الأسرى".

ويشير كل ما تقدّم إلى عدم وجود موقف إسرائيلي واضح ونهائي من الصفقة، في حين لا تزال أوساط عديدة تتهم نتنياهو بالمماطلة والألاعيب لعدم إبرامها.

ربما يفسر ما كتبه المحلل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هارئيل، الفجوة ليس بين ما طرح بايدن وأعلن نتنياهو عدم صحته فحسب، ولكن أيضاً الوجوه المختلفة لنتنياهو نفسه. واعتبر الكاتب أن خطاب الرئيس بايدن كشف الفجوة بين نتنياهو في "كابنيت الحرب" ونتنياهو في المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابنيت)، وأن نتنياهو يحافظ على جميع الخيارات مفتوحة، ويربك كل من يحاول أن يفهم توجهاته. ويظهر نتنياهو في جلسات "الكابنيت" مع وزراء الليكود واليمين المتطرف، أنه متشدد ولا يساوم، ولكنه في "كابنيت الحرب"، يكون منفتحاً أكثر على المقترحات الجديدة. واعتبر الكاتب أن بايدن قلّص بخطابه مساحة المناورة لدى نتنياهو.