تسبّبت تصريحات أيوب الربيعي، القيادي البارز في مليشيا "كتائب الإمام علي"، إحدى المليشيات المنضوية ضمن فصائل "الحشد الشعبي" العراقية، أخيراً، بعودة الجدل حول مصير آلاف العراقيين المختطفين والمغيّبين خلال عمليات تحرير مدن شمالي وغربي العراق، بعدما أكد أن جميع من تمّ اعتقالهم في هذه المناطق قد جرت تصفيتهم، معتبراً أنه لا وجود اليوم لمن يُسّمون مغيبين أو مختطفين. من جهتهم،
وتعليقاً على الملف، أبدى سياسيون ومطلعون عراقيون على الملف، أسفهم، بعدما أصبح ملف المختطفين والمغيبين في العراق، أداة فقط للمتاجرة السياسية.
وأكد الربيعي، المعروف باسم "أبو عزرائيل"، والقيادي في "كتائب الإمام علي"، في تسجيل مصّور، أن جميع المختطفين والمغيبين الذين كان جرى اعتقالهم إبان نزوحهم خلال فترة اشتداد المعارك التي قادتها القوات العراقية ضد تنظيم "داعش"، قد قُتلوا، كون "الطائفية سحقت الأخضر واليابس"، على حدّ تعبيره. وأوضح أن المختطفين غير المتواجدين في سجون بغداد والناصرية، قد قُتلوا، ولم يبق أي واحد منهم على قيد الحياة. وسرعان ما انتشر مقطع الفيديو الذي تحدث فيه "أبو عزرائيل"، على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه لم يحظ حتى الساعة بأي تعليق حكومي، أو من السياسيين العراقيين الذين لطالما تعهدوا في أوقات سابقة، بمواصلتهم متابعة هذا الملف.
قيادي في مليشيا عراقية: المغيبون قتلوا كون الطائفية سحقت الأخضر واليابس
ولا يملك العراق، أو لم ينشر، حصيلة رسمية بعدد المواطنين المغيّبين خلال المعارك مع "داعش"، إلا أن سياسيين تحدثوا في تصريحات سابقة عن "قاعدة بيانات" بنحو 20 ألف مغيّب لا يزال مصيرهم مجهولاً، موزعين على مناطق عراقية مختلفة، في الأنبار وديالى وصلاح الدين ونينوى وكركوك وبغداد وبابل، فضلاً عن آخرين اختطفوا من مناطق عراقية أخرى. وأقرّ البرلمان العراقي أخيراً بنداً في موازنة العام الحالي 2021، يقضي بمنح رواتب شهرية لذوي المختطفين، إلى حين البتّ بمصير الضحايا، وما إذا كانوا لا يزالون أحياء أو تمّت تصفيتهم. وتضمّنت الموازنة التي صوّت عليها البرلمان (في نهاية شهر مارس/آذار الماضي) "مخصصات الشهداء" لذوي المغيبين في البلاد، في وقت لم يحدد فيه مصير واضح لهؤلاء المغيبين، ما أثار حفيظة ذويهم الذين يطالبون بالكشف عن مصيرهم، وما دفع لرفضهم قبول هذه المخصصات، معتبرين أنها تندرج ضمن محاولات تسويف الملف وإنهاء المطالبة به، وحماية للجهات المتورطة بالخطف من أي مساءلة قانونية. من جهته، لا يزال القضاء العراقي يرفض حتى اليوم التعامل مع مقاطع فيديو عدة، كانت بثّتها مليشيات مسلحة، لعمليات اقتياد المئات من المدنيين النازحين، الذين جرى تأكيد اختفائهم بعد ذلك، ولأسباب يصفها سياسيون بغير المنطقية.
وتواصلت "العربي الجديد" مع مسؤولين عراقيين إثنين يعملان عن قرب مع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، حيث أكدا أن الأخير "كان بادر فور تسلّمه رئاسة الوزراء (صوّت البرلمان على تشكيلته الحكومية في إبريل/نيسان 2020)، إلى فتح ملف المفقودين والمختطفين من أبناء مناطق شمالي وغربي البلاد، لا سيما المناطق التي شهدت معارك بين القوات الأمنية وداعش، إلا أن ذلك اصطدم برفض الفصائل المسلحة، خصوصاً الحليفة لإيران، وتحديداً كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وبدر والنجباء والإمام علي". وبيَّن أحد المصدرين، أن "الحكومة الحالية لا تملك أي معلومات عن المختطفين، لكن الكاظمي وفريقه الحكومي يعرفون بأن المليشيات الولائية (الموالية لإيران) متورطة بتغييب آلاف العراقيين لدوافع طائفية وسياسية وانتقامية".
من جهته، أشار السياسي المستقل وائل الحازم، إلى أن "الحكومة العراقية والكتل السياسية والقيادات النافذة، تعرف أن غالبية المغيبين قُتلوا على أيدي خاطفيهم، ولكن بعض القوى السياسية تسعى إلى إبقاء هذا الملف مفتوحاً من أجل استغلاله سياسياً بما يخدمها خلال الانتخابات وعمليات التفاوض الحزبي. ومنذ أن اختُطف عراقيون خلال عمليات تحرير المدن التي سيطر عليها داعش، لم يخرج أي معتقل إلى اليوم، ويروي حيثيات اعتقاله، ما يشكل دليلاً كافياً على أنهم (المغيبون) قد فارقوا الحياة".
واعتبر الحازم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "اختطاف آلاف العراقيين لمدة سبع سنوات تقريباً يؤدي إلى خسارة مالية للخاطفين، وبالتالي من غير المنطقي بقاء كلّ هؤلاء المغيبين في قبضة الجماعات الخاطفة، لذلك قد يكونون قد دفنوا في مقابر جماعية". أما بالنسبة لما يؤكد فكرته، فلفت الحازم إلى "لجوء البرلمان العراقي أخيراً إلى تضمين فقرة مالية مخصصّة لذوي المغيبين وتسليمهم رواتب شهرية لعائلات الضحايا، معتبراً هؤلاء المغيبين شهداء".
من جهته، بيَّن النائب العراقي عن تحالف "القوى" يحيى المحمدي، أن "أخبار المختطفين والمغيبين انقطعت منذ نحو 6 سنوات، ومعظمهم اختفوا بعد وأثناء عمليات تحرير المدن العراقية من سيطرة تنظيم داعش"، منتقداً المواقف الحكومية التي "لم تكن منذ ذلك الوقت على قدر المسؤولية، مع صمت كبير من قبل السلطات الأمنية والمحلية في المدن التي اختفى فيها رجال وشبّان المدن المحرّرة". وأوضح المحمدي، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "هؤلاء المغيبين ستبقى صفتهم كذلك (مغيبين) من الناحيتين القانونية والرسمية، طالما بقي الموقف الحكومي غير واضح بشأنهم". لكنه رأى أن "فرضية أن يكونوا قد فارقوا الحياة، تبقى أكبر من فرضية بقائهم أحياء إلى اليوم"، مشدداً على ضرورة بقاء هذا الملف على رأس أولويات الحكومة والسلطات الأمنية.
لا يزال 20 ألف عراقي مغيبين وفق "قاعدة بيانات" نشرها سياسيون سابقاً
بدوره، أعرب مدير "المرصد العراقي لحقوق الإنسان"، مصطفى سعدون، في اتصال مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده "أن كلّ المغيبين قد قُتلوا فعلاً، لأن من غيّبهم لم يفعل ذلك للتفاوض حولهم، كما أن لا جهة من الممكن أن تكون معنية باختطاف هؤلاء الرجال والشبّان وحمل تكاليف مأكلهم ومشربهم ومسكنهم طوال هذه السنوات". كما رأى أنه لو كانت عملية التغييب قد جرت لغايات مالية، لكان طلب الخاطفون ذلك، مشيراً إلى ذهاب الملف كلّ مرّة أدراج النسيان مع عودته قبيل كل موسم انتخابات". واتهم سعدون "أغلب السياسيين السُنّة"، بـ"المتاجرة بهذا الملف، واستخدامه كورقة انتخابية فقط". أما بالنسبة إلى أي مستجدات حول الملف، فجزم أن "لا جديد سوى متاجرة السياسيين بهؤلاء الضحايا، فضلاً عن "اكتشاف السلطات بأن بعض أسماء المسجّلين على أنهم مغيبون، كانوا عناصر في داعش"، وذلك وفقاً لـ"معلومات حكومية حصل المرصد عليها".