تزايدت حدة الصراع السياسي في تونس بين الرئيس قيس سعيّد وداعميه من ناحية، والائتلاف الحاكم الذي تقوده حركة "النهضة"، والداعم لرئيس الحكومة هشام المشيشي من ناحية أخرى.
وينتظر أن يقود التصويت في البرلمان على قراءة ثانية لتعديلات قانون المحكمة الدستورية، بعد رفضه من سعيّد في القراءة الأولى، إلى مزيد من الخلافات بين الطرفين، خصوصاً أن الرئيس خرج من جديد أمام تشكيلات مسلحة في جبل الشعانبي في القصرين، بمناسبة عيد العمال، ليؤكد أنه القائد الأعلى لكل القوات المسلحة، الجيش والشرطة والجمارك والدرك، ليزيد من مخاوف معارضيه.
الطاهري: اتحاد الشغل لن يقبل أن تطول فترة الشلل التام أكثر
وفي حين تذهب بعض القراءات إلى استحالة تنظيم حوار وطني بين هذه الأطراف، في هذه الظروف المتوترة، تشير أخرى إلى عكس ذلك، لأن اشتداد الأزمة وبلوغها حداً أقصى هو بالفعل درجة نضج أسباب الحوار ودوافعه، وستقود الجميع إلى طاولة المفاوضات، كما حدث في 2013 بعد اغتيال المناضلين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
وتشير تصريحات مسؤولي الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي طرح مبادرة حوار وطني ترعاه الرئاسة، إلى أن صبر هذه المنظمة قد نفد، من انتظار موافقة الرئيس الذي يؤكد أحياناً قبوله المبادرة، لكنه يتجاهلها بعد ذلك لأسابيع، بما أصبح يشكل تلاعباً بمصداقية الاتحاد.
وكان الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي قد دعا الرئيس إلى "التعجيل بالتفاعل الإيجابي مع مبادرته للخروج من المرحلة العصيبة التي تمر بها البلاد، وتجميع الفرقاء على قاعدة الولاء لتونس". واعتبر، في كلمة ألقاها بمناسبة عيد العمال، أن "على رئيس الجمهورية تفعيل نداء الاتحاد، والدعوة إلى حوار وطني جامع، والمبادرة قبل فوات الأوان بوضع المستلزمات والآليات الضرورية لإدارته". وأوضح أن "كل تأجيل للحوار من شأنه أن يزيد من التوجه نحو الأسوأ، وقد نبهنا وشددنا على تأكده وضرورته المطلقة".
الطاهري: الاتحاد فتح قنوات حوار من أجل بحث المرور إلى سيناريو ثانٍ للإنقاذ
ومساء الإثنين الماضي، أعلنت رئاسة الجمهورية أن "سعيّد أبدى، خلال لقاء جمعه بالأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، استعداده لتصوّر للحوار للخروج من الوضع الذي تعيشه تونس". ونقلت الرئاسة، في بيان نشرته على صفحتها في موقع "فيسبوك"، عن سعيّد تشديده على "ضرورة أن يكون الحوار مختلفاً عمّا عرفته تونس في الأعوام الماضية، وعلى وجوب البحث عن حلول جدّية لقضايا الشعب، باعتبار أن تشخيص المشاكل متفق عليه"، مشيراً إلى أن "موضوع الخلاف يتعلق بالنزاعات المعلنة، وغير المعلنة، حول المناصب والامتيازات".
ولم يعلن سعيّد صراحة على موافقته على مبادرة الاتحاد، لكنه يحاول كما في كل مرة امتصاص غضب المنظمة النقابية التي لا يمكنه أن يضحي بدعمها في هذا الصراع المفتوح. ويبدو أن المغزاوي، المقرب جداً من اتحاد الشغل ومن الرئيس، كان يحاول أن يبحث عن صيغة تقرب بين الاثنين، ولكن يبدو أن ذلك صعب، لأن سعيّد يرفض الجلوس مبدئياً إلى هذه المنظومة الحزبية التي يختلف معها في العمق. ولذلك فهو يكرر تسمية حوار جديد ومختلف، وحوار يشارك فيه الشباب، وغيرها من الصيغ التي قد تكون مهمة وجدية، لكنها تتطلب وقتاً طويلاً، وتبدو خارج موضوع الحوار السياسي بين فرقاء تستدعي الظروف جلوسهم سريعاً إلى طاولة الحوار.
وشدّد المتحدث الرسمي باسم اتحاد الشغل سامي الطاهري على أن الاتحاد لن يقف مكتوف الأيدي إزاء الوضع السياسي والاجتماعي في البلاد، ولن يقبل أن تطول فترة الشلل التام أكثر، مؤكداً إصرار منظمته على حوار وطني شامل في أقرب الآجال لإنقاذ البلاد من انهيار وشيك. وأكد الطاهري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الاتحاد يتابع الأوضاع يومياً، وفتح قنوات حوار مع العديد من المنظمات والأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية من أجل بحث المرور إلى سيناريو ثانٍ للإنقاذ، إذا تعذّر إجراء الحوار الوطني بسبب تصلّب مواقف الفاعلين الأساسيين في الحكم.
علي العريّض: الحوار دون الرئاسة ليس مستحيلاً
وأكد الطاهري أن "فرضية الحوار الوطني لا تزال جدية، واتحاد الشغل طلب رسمياً من رئيس الجمهورية قيس سعيّد حسم قراره نهائياً، وفي أقرب وقت، بشأن إشرافه على الحوار من عدمه". واعتبر أن "الخلافات السياسية العميقة، بعد أزمة المحكمة الدستورية والتعديل الوزاري، خلّفت نفوراً كبيراً بين رأسي السلطتين التنفيذية والتشريعية، ما قد يضعف الحظوظ في مبادرة الحوار الوطني الذي سيتمسك به اتحاد الشغل إلى حين". وأضاف أن "الأمل في الحوار لا يزال قائماً، لكن الأمل إذا طال، يمكن أن يتحول إلى وهم أو سراب، وهذا يفرض المرور سريعاً للبدائل التي تطرحها المنظمة"، مشيراً إلى أن "حماسة الاتحاد لمبادرة الحوار التي أطلقها في البداية ضعفت". وأشار، في ذات السياق، إلى أن "اتحاد الشغل وجّه رسائل شديدة اللهجة لكافة الأطراف السياسية في الخطاب الذي ألقاه الطبوبي بمناسبة عيد العمال العالمي في 1 مايو/أيار الحالي".
وأضاف أن "الاتحاد العام التونسي للشغل، وفي حال فشل كل محاولات الحوار، وفك الأزمة، سيتمسك بإعادة العهدة إلى صاحب العهدة، الشعب، والذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة، رغم كلفة هذا الحل، الذي يعتبر الخيار الأسلم في صورة فشل جمع الفرقاء السياسيين حول طاولة الحوار". وقال إن "الاتحاد سيعمل أن تكون الانتخابات السابقة لأوانها، إذا استحال إيجاد حلول للحوار، على أسس صلبة، من أجل تجاوز هشاشة المسار الديمقراطي الحالي، وذلك بتغيير القانون الانتخابي قبل الانتخابات"، معتبراً أن "القانون الانتخابي الحالي هو السبب الرئيسي لحالة التشتت التي آلت إليها البلاد وصعود الشعبويين للحكم". ورجّح أن "يساعد تغيير القانون الانتخابي، والذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة، على صعود أشخاص جدد، وتغيير المشهد السياسي برمته في البلاد".
لكن هذا السيناريو لا يزال بعيداً، لأن إمكانية الحوار لا تزال ممكنة ومطروحة. وحتى إذا رفضت الرئاسة رعايتها، وتنصل سعيّد من هذه المهمة التي يعتبرها بمثابة الورطة، فإن هناك سيناريو آخر يجرى الحديث عنه في الكواليس، وألمح إليه المشيشي، عندما شدّد، قبل أيام، على "أهمية الحوار بين كلّ مكوّنات الشعب، من أحزاب ومنظمات وكفاءات وطنيّة، اعتماداً على مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل، من أجل صياغة توافقات وطنيّة حول مجمل قضايا الشعب وطموحاته، في الأمن والتقدّم والاستقرار والعدالة الاجتماعية" ما يعني إمكانية استبعاد الرئاسة إذا أصرت على موقفها.
لكن نائب رئيس حركة "النهضة"، علي العريّض، أوضح، في تصريح لـ"العربي الجديد، أن "إمكانية وجود الرئاسة في الحوار لا تزال قائمة، والأفضل أن يكون الرئيس راعياً ومشاركاً، وبإمكانه استعادة موقعه إذا تجاوز حالة الاصطفاف. لكن الحوار دون الرئاسة ليس مستحيلاً إذا أصرت على ذلك، وبإمكانه أن يتم بين الأحزاب والمنظمات الإجتماعية، ويفضي إلى خير كثير للبلاد". وأوضح أن هناك دعوات للرئاسة، واتصالات مكثفة من الاتحاد والأحزاب، حتى تكون الرئاسة حاضرة في الحوار، وتشارك فيه أو ترعاه، وينبغي أن ندفع إلى وجود كل الأطراف المختلفة حول طاولة الحوار، وفي أقرب الآجال.