معبر باب الهوى... شريان حياة وحيد لملايين السوريين

12 يوليو 2022
يعتمد جل القاطنين شمال سورية على المعبر (عارف وتد/فرانس برس)
+ الخط -

"روسيا هجرتنا من بيوتنا وقتلت الآلاف منا بنيرانها، والآن تهددنا بالموت جوعاً"، بهذه العبارات يلخص النازح السوري أبو سعيد مخاوفه، لـ"العربي الجديد"، من استمرار روسيا في تهديداتها بإغلاق معبر باب الهوى أمام المساعدات الدولية لأكثر من 4 ملايين سوري في شمال البلاد، جلهم نازحون، في وقت يُعتبر هذا المعبر الحدودي مع تركيا بمثابة الشريان الذي يمدهم بكل أسباب الحياة، وإغلاقه يفتح الباب لأزمات إنسانية هائلة.
ويضيف أبو سعيد، الذي يسكن في خيمة في ريف إدلب الشمالي بعد نزوحه مطلع العام 2020 من ريف إدلب الشمالي بسبب القصف الجوي الروسي، أن معبر باب الهوى هو الرئة التي يتنفس منها الملايين في إدلب وريف حلب، أكثر من مليون بينهم يعيشون في خيام. ويتابع: "لقد جرّب الروس أسلحتهم بأجساد السوريين والآن يلاحقوننا لقطع المساعدات التي من دونها لا يمكننا الاستمرار".


اعتبر شحود العبد الله أن انقطاع المساعدات سيؤدي لكارثة إنسانية

تلبية الشروط الروسية في مجلس الأمن

ومنذ العام 2014 تتدفق المساعدات عبر المعبر، وذلك حين اعتمد مجلس الأمن الدولي آليات لضمان إيصال المساعدات الإنسانية الممولة من قبل الأمم المتحدة مباشرة إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. وسمحت هذه الآليات في البداية بنقل المساعدات الإنسانية عبر أربعة معابر حدودية هي: الرمثا (من الأردن إلى جنوب سورية)، واليعربية (من العراق إلى شمال شرق سورية)، وباب الهوى، وباب السلامة (من تركيا إلى شمال غرب سورية). لكن الجانب الروسي كان وراء إغلاق 3 معابر بعد ذلك، بحيث بقي معبر باب الهوى الوحيد الذي تدخل عبره المساعدات الدولية.

وتوقف تدفق المساعدات عبر المعبر في الأيام الماضية بعدما انتهى يوم الأحد التفويض الأممي الذي يسمح باستخدامه، قبل أن يتم التوافق مساء أمس الإثنين من قبل الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن الدولي على تمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سورية لستة أشهر، وذلك تلبية لرغبة روسيا في مواجهة الدول الغربية التي طالبت بتمديد الآلية لعام، وفق ما أفادت مصادر دبلوماسية لوكالة "فرانس برس". كما أن تمديد الآلية لم يمر من دون تلبية شروط روسية إضافية. وينص الاتفاق الجديد على أن تستأنف الأمم المتحدة استخدام معبر باب الهوى مع تقديم تقرير خاص إلى الأمين العام للأمم المتحدة بشأن الاحتياجات الإنسانية بحلول 10 ديسمبر/ كانون الأول كحدّ أقصى. كما يطلب من الأمين العام رفع تقرير منتظم كل شهرين عن الآلية عبر الحدود وعن تلك التي تلحظ إيصال مساعدة إنسانية انطلاقاً من دمشق عبر خطوط الجبهة. وقال مساعد السفير الروسي لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي لوكالة فرانس برس "سنعتمد مشروعنا مع إجراء تعديل طفيف". 

ويقع معبر باب الهوى، الذي كان "الجيش السوري الحر" سيطر عليه منتصف العام 2012، إلى الشمال من مدينة إدلب بنحو 40 كيلومتراً. وشهد منذ ذلك الحين العديد من المواجهات العسكرية الدامية بين فصائل "الجيش الحر" وبعض التنظيمات المتطرفة، حتى انتزعته "جبهة النصرة" بشكل نهائي في العام 2017، عقب اقتتال مع فصيل "أحرار الشام" أودى بحياة العشرات من الجانبين. وجرى في حينه اتفاق بين الجبهة وفصائل المعارضة السورية على تحييد المعبر عن أي خلافات فصائلية، وتسليمه لإدارة مدنية.

معبر باب الهوى تحت سيطرة المعارضة

"معبر باب الهوى هو المنفذ الحدودي الوحيد المعترف به دولياً، ويقع تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية"، يقول الناشط الإعلامي شحود العبد الله، الموجود في ريف إدلب الشمالي الغربي. 

ويضيف العبد الله، في حديث مع "العربي الجديد": يعتمد جل القاطنين في الشمال السوري على هذا المعبر. 90 في المائة من سكان الشمال هم تحت خط الفقر، وإذا انقطعت عنهم المساعدات الدولية، كما تهدد روسيا، سنكون أمام كارثة إنسانية بكل المقاييس. 

ويبدي العبد الله تخوفه من عدة سيناريوهات في حال لم يستمر تدفق المساعدات عبر معبر باب الهوى لملايين المحتاجين لها "منها الهجرة عبر الحدود أو التحول إلى التسول، أو تشكيل عصابات للسطو وقطع الطرقات"، مضيفاً أن الجوع والعوز ربما يدفعان كثيرين للخيارات الأسوأ.

وطيلة سنوات، بات الشمال السوري ملاذاً شبه آمن لملايين السوريين النازحين أو المهجرين، من قبل قوات النظام وأجهزته الأمنية من مختلف المناطق السورية، والذين يعتمدون على المساعدات الدولية في معيشتهم في ظل ندرة فرص العمل، وانخفاض أجور العاملين. 

وينتشر هؤلاء في أرياف إدلب وريف حلب الشمالي، ويواجهون ظروفاً معيشية "صعبة وقاهرة"، كما يقول أبو أحمد، المهجر من الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق إلى مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي. وأضاف: في كل عام يحاول الروس ابتزاز العالم مقابل السماح بدخول المساعدات لنازحين ومهجرين بسببهم.

مازن علوش: معبر باب الهوى يُدار من جهة مدنية لا تتبع لأي جهة

وكان الطيران الروسي هجّر في الربع الأول من العام 2020 أكثر من مليون سوري، من أرياف إدلب وحلب وحماة، أثناء عمليات عسكرية لقوات النظام انتهت بنزوح كل سكان مدن خان شيخون، ومعرة النعمان، وسراقب. كما أشرف الروس على تهجير آلاف السوريين من ريف دمشق ودرعا وريف حمص الشمالي إلى إدلب وريف حلب في الشمال السوري.

إخضاع موسكو الملفات الإنسانية للمساومات

وتُخضع موسكو الملفات الإنسانية للمساومات السياسية التي تهدف إلى إعادة تعويم النظام السوري في المحافل الدولية، لكن المسعى الروسي لا يجد قبولاً من قبل أعضاء مجلس الأمن، باستثناء الصين. وتريد موسكو إغلاق معبر باب الهوى أمام المساعدات الدولية وتحويل مسارها إلى النظام، وهو ما يرفضه المجتمع الدولي. 

وتحدثت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، أمس الأول الأحد، مع جماعات إغاثة أبلغتها أنه بدون عملية الأمم المتحدة لن تتم تلبية 70 في المائة من الاحتياجات الغذائية. وكتبت، في تغريدة أمس الأول، إن "جيلاً كاملاً في خطر. طلبت المنظمات غير الحكومية (جماعات الإغاثة) من مجلس الأمن مواصلة العمل لإنقاذ هذه الأرواح". 

وحاول نائب المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي الدفاع عن بلاده. وكتب، في تغريدة، إن موسكو لا تحاول قتل عملية الأمم المتحدة، و"لا تريد سوى أن تجعلها أكثر كفاءة وشفافية".

جهة مدنية تدير معبر باب الهوى

وفي السياق، يوضح مازن علوش، وهو مدير العلاقات العامة في معبر باب الهوى والمتحدث باسم إدارة المعبر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن معبر باب الهوى يُدار من جهة مدنية "لا تتبع لأي جهة، سواء كانت عسكرية أو سياسية، داخل سورية أو خارجها". ويضيف أن "إدارة المعبر تنسق مع الجميع، ولكن لا تبعية لأي طرف كان". 

ويبيّن علوش أنه "يدخل عبر المعبر جل مستلزمات السوريين في الشمال السوري"، مضيفاً: تعتمد الحياة الاقتصادية في محافظة إدلب على الاستيراد من الخارج، وكل المستورد يمر عبر معبر باب الهوى. ويشير إلى أن الفائض من المنتجات الزراعية في الشمال الغربي من سورية يُصدّر إلى الأسواق الخارجية عبر معبر باب الهوى، كما أن هناك تصديراً لمواد أخرى مثل الحجر السوري المشغول.

ويشير إلى أن قوافل المساعدات، سواء الدولية منها أو من منظمات أخرى وجمعيات إغاثة تركية عاملة خارج نطاق الأمم المتحدة، تدخل من المعبر، مضيفاً أن هناك حركة قادمين من الجانب التركي من تجار وعاملين في منظمات إنسانية يعبرون بشكل يومي المعبر، كما أن هناك مغادرين من سورية إلى تركيا، وخاصة المرضى الذين تستقبلهم المستشفيات التركية.

ويوضح علوش أن المعبر يُدار "من النخب بمختلف المجالات"، مبيّناً أن في باب الهوى كل الأقسام الموجودة في كل المعابر في العالم. ويوضح: لدينا قسم جمركي ومختبر متكامل ومركز صحي لفحص كل البضائع القادمة، وفي حال كانت غير مطابقة للمواصفات نتلفها ونغرّم صاحبها. ويبيّن أن نحو 100 ألف قافلة تجارية تدخل من خلال معبر باب الهوى سنوياً.