معارك طاحنة في هلمند الأفغاني: المواطن والمصالحة أكبر المتضررين

16 أكتوبر 2020
ترك 35 ألفاً منازلهم بسبب المعارك الأخيرة (فرانس برس)
+ الخط -

تستمر المعارك الطاحنة بين القوات الأفغانية وحركة "طالبان" منذ عدة أيام في إقليم هلمند جنوبي البلاد، المعروف بوجود مصانع هيرويين وبأنه مركز لتجار المخدرات، علاوة على كونه أحد أهم معاقل "طالبان" طيلة حربها ضد القوات الأجنبية. كما تتوالى ردود الأفعال المناهضة لما يحدث هناك من مقتل المئات، بينهم مدنيون، ونزوح أكثر من خمسة آلاف أسرة، ونهب محتويات المنشآت الحكومية والمراكز الأمنية عقب هجوم الحركة على مدينة لشكر كاه مركز الإقليم.
وتمكّنت القوات الخاصة، المُعززة بالطيران الحربي الأفغاني والأميركي، من استعادة السيطرة على المناطق الحساسة التي سيطر عليها مسلحو "طالبان" داخل مدينة لشكر كاه قبل أيام، وكان متوقعاً سقوطها لولا تدخل القوات الخاصة وسلاح الجو، المحلي والدولي. وعلى الرغم من كل إعلانات الحكومة، ووصول وزير الدفاع أسد الله خالد إلى المدينة، الأربعاء الماضي، مع هيئة عسكرية مكونة من شخصيات في وزارة الدفاع والداخلية والاستخبارات للإشراف على العمليات الحكومية هناك، إلا أن مسلحي الحركة ما زالوا موجودين ومتحصنين في بعض ضواحي المدينة، ما يعني أن الخطر لا يزال قائماً، لا سيما أن للحركة قوة ونفوذاً أكبر من الحكومة في المديريات المجاورة للمدينة، كما تقول مصادر قبلية لـ"العربي الجديد".

أعلنت السلطات الأفغانية أنها قتلت أكثر من 200 عنصر من "طالبان"، بينهم عدد من القادة الميدانيين

وقالت السلطات الأفغانية إنها قتلت أكثر من 200 عنصر من "طالبان"، بينهم عدد من القادة الميدانيين فيها، مؤكدة أن الحركة وسعت رقعة عملياتها في الجنوب الأفغاني، وحاولت إسقاط إقليم هلمند من أجل الضغط على الحكومة على طاولة المفاوضات. وفي هذا الشأن، قال المتحدث باسم الرئاسة الأفغانية صديق صديقي، في مؤتمر صحافي، إن الحرب وشن العمليات ورقة ضغط وحيدة في يد الحركة، وهي تقتل الأبرياء من المواطنين، كي تمارس الضغط على الحكومة بهذه الطريقة، لكن الحكومة مستعدة للدفاع عن أراضيها، والمواطنين. أما وزير الدفاع الأفغاني أسد الله خالد فقال، في كلمة أثناء تفقد الخطوط الأمامية للجيش الأربعاء، إن هجمات "طالبان" الكبيرة والمتواصلة تثبت أن الحركة لا تزال ترغب في الاعتماد على الخيار العسكري بدلاً من الحوار، وحل المعضلة من خلال المباحثات، ولكن عليها أن تعي أنها لن تجني من هذا الخيار شيئاً.

تقارير دولية
التحديثات الحية

وكما تستمر المعارك قرب مدينة لشكر كاه والمديريات المجاورة لها، وتحديداً في مديريتي ناوه ونادعلي، حيث شنت "طالبان" هجوماً كبيراً على مقر الحكومة المحلية، وأسقطت مروحيتين للجيش نتيجة الصدام بينهما، ما أدى إلى مقتل تسعة من عناصر الجيش، توالت حركة النزوح الواسعة، إذ تشير الأرقام التي نشرتها البعثة الأممية في أفغانستان "يوناما" إلى أن 35 ألفاً من سكان هلمند تركوا هذا الأسبوع منازلهم بسبب المعارك الأخيرة، مؤكدة أن من بين القتلى والجرحى أيضاً أعداداً كبيرة من النساء والأطفال. كما علق القائم بأعمال السفير الأميركي في أفغانستان راس ويلسن، على تغريدات "يوناما"، قائلاً إن أفغانستان بحاجة فوراً إلى السلام، وإن المواطن الأفغاني بسبب إصرار "طالبان" على الحرب، وبسبب هذه المعارك يعاني كثيراً. وكان قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال سكوت ميلر قد طلب أيضاً من "طالبان" وقف عملياتها، معتبراً ذلك خرقاً لاتفاقية الدوحة.

كذلك، حذرت منظمة العفو الدولية من وقوع كارثة إنسانية في إقليم هلمند، إذا استمرت الحالة على ما هي عليه، مؤكدة أن حالة المواطنين في الإقليم كارثية، وأن على أطراف الحرب أن تتيح الفرصة للخروج الآمن للمواطنين من مناطق الحرب. وأشارت وزارة شؤون اللاجئين الأفغانية إلى أن خمسة آلاف أسرة أجبرت على ترك منازلها بسبب هجوم "طالبان" على مدينة لشكر كاه وعلى المديريات المجاورة لها. يذكر أن سلاح الجو الأميركي نفذ للمرة الثانية غارات جوية على "طالبان". وأكدت القوات الأميركية أن طائرات حربية أميركية قصفت ليل الأربعاء مواقع للحركة في مديرية نادعلي، وهي فعلت ذلك قبل ثلاثة أيام في مدينة لشكر كاه.

قصفت طائرات حربية أميركية مواقع للحركة في مديرية نادعلي

داخلياً، أثارت ظاهرة نهب محتويات بعض المراكز والمنشآت الحكومية، تحديداً مركز الكهرباء الأكبر على مستوى الأقاليم الجنوبية، استياء شريحة كبيرة من الأفغان. وفي هذا الصدد، قال عضو البرلمان السابق عبد الرشيد أيوبي، في تصريح صحافي، إن ظاهرة نهب المحتويات الحكومية تعيد إلى ذكريات الأفغان ما حدث في تسعينيات القرن الماضي في كابول، الذي جعل العاصمة أثراً بعد عين، معتبراً أنه كان على قبائل هلمند أن تتصدى لتلك الظاهرة، كما يتوجب على "طالبان" ألا تتيح الفرصة لمثل هذه الأعمال ولتجيب على التساؤلات بهذا الخصوص، لأنها تقلق الشعب الأفغاني برمته.

من جانبه دان الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، في بيان، المعارك الأخيرة في هلمند، والتي سقط فيها ضحايا مدنيون. وقال إنها مؤسفة للغاية، مطالباً أطراف الحرب الأفغانية بوقف المعارك وتجنب أي خطوة تُلحق الضرر بعامة المواطنين، مشدداً على أن الحرب في أفغانستان أجنبية، من أجل مصالح الأجانب، بينما يدفع المواطن الأفغاني الأعزل ثمن التجاذبات الأجنبية.

وفي الشأن ذاته، قالت مصادر قبلية، لـ"العربي الجديد"، إن سكان هلمند دفعوا أثماناً باهظة لما يدور حالياً في المنطقة. وقال محمد بلال، أحد رموز قبائل لشكر كاه، لـ"العربي الجديد": "لقد دمرتنا الحرب. لن يعود في وسعنا شيء تجاه ما يواجهه سكان بعض مناطق الحرب"، مشيراً إلى أن المواطنين هم وقود حرب، والمجتمع الدولي صامت، متابعاً "نواجه القصف العشوائي من جهة، وهجمات طالبان من جهة أخرى، علاوة على النزوح مع شح في الإمكانات". وما زاد معاناة المواطن هو الخوف من وجود الألغام على امتداد الطرق. إذ قالت مصادر قبلية إن الطريق الممتد بين قندهار وهلمند أغلقت في الأيام الأخيرة، وكان النازحون داخلياً يتوجهون إلى هناك، لكنهم لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك حالياً بسبب الألغام.

وعلى الرغم من أن معاناة المواطن الأفغاني بسبب موجة التصعيد الأخيرة، الأكبر في هلمند، فإنها لم تقتصر على هذا الإقليم فقط، إذ صعّدت "طالبان" من عملياتها في العديد من الأقاليم، منها بدخشان وقندوز في الشمال، وبكتيا وخوست وبكتيكا في الجنوب، فيما المواطن يدفع الثمن. ويفسر مراقبون التصعيد الحالي بأنه نتيجة تعثر عملية المفاوضات بين الأطراف الأفغانية في الدوحة، وأن "طالبان" تريد أن تضغط على الحكومة عبر هذا التصعيد. لكن تلك العمليات تزيد اليأس لدى المواطن، وقد تجبر الحكومة على شن عمليات من طرفها، لا سيما بإعادة المداهمات التي كانت تنفذها القوات الخاصة قبل توافق الدوحة، وهي الأخرى كانت تخلق مشاكل لعامة المواطنين. ويبدو أن الحكومة قد قررت العودة لذلك، إذ تشير إلى ذلك تصريحات وزير الدفاع أسد الله خالد الأخيرة، والتي مغزاها أن قوات الجيش ليست في حالة الدفاع بل هي الآن في حالة الهجوم. كما قال مصدر في وزارة الدفاع، لـ"العربي الجديد"، إن العمليات بدأتها قوات خاصة، وأولها كانت في إقليم ننجرهار شرقي أفغانستان قبل يومين. أما موقف "طالبان" إزاء كل تلك التطورات فصمت لا أكثر، ما عدا بياناً للمتحدث باسمها قاري يوسف قال فيه إن ما حدث في هلمند هو أن الحركة قامت باستعادة المناطق التي كانت تحت سيطرتها سابقاً، وذلك بطلب من سكان تلك المناطق.

المساهمون