مظاهرات جديدة في الجزائر.. الحراك يتجاهل الانتخابات المبكرة ويرد على "الجيش"
لم يكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يوقع مرسوم استدعاء الهيئة الناخبة، حتى كانت مكونات الحراك الشعبي قد صاغت موقفها المناوئ مجددا لإجراء الانتخابات في الظروف الراهنة ودون حوار سياسي، وهو موقف يشكل استمرارا لموقفها المناوئ لإجراء الانتخابات في أربع محطات سابقة، منها اثنتان ألغيتا بفعل قوة موجة المظاهرات، في إبريل/نيسان ويوليو/تموز 2019، واستحقاقان آخران أجريا وسط مقاطعة شعبية وتوترات سياسية، هما الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر/كانون الأول 2019، واستفتاء الدستور في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ولم تخرج مظاهرات الحراك الشعبي اليوم الجمعة عما كان متوقعا لها، من حيث الموقف والشعارات المرفوعة. كل الأنظار كانت موجهة لرصد الكيفية التي سيرد بها الحراك على تحديد الرئيس تبون 12 يونيو المقبل، تاريخا لإجراء الانتخابات المبكرة، لكن شعارات مظاهرات الجمعة كانت أقل التفاتا إلى حدث استدعاء الهيئة الناخبة ولم تتردد كثيرا الشعارات الرافضة للانتخابات "ماكانش (لا توجد) انتخابات مع العصابات"، ما يعني تجاهل الحراك للحدث الانتخابي برمته من جهة، وظل الجزء الغالب من الشعارات متمركزا وموجها للرد على مضمون الافتتاحية المثيرة للجدل التي نشرتها مجلة الجيش قبل يومين، والتي اتهمت المتظاهرين في الحراك بالعمالة للخارج والتطرف اليساري والإسلاموي.
وكان واضحا أن افتتاحية الجيش شكلت أكبر استفزاز بالنسبة للحراك، أكثر من توجه تبون لتنظيم الانتخابات، حيث تجدد ترديد المتظاهرين لشعار "دولة مدنية وليس عسكرية"، وشعار آخر ضد جهاز المخابرات، وشعارات تطالب بسلطة الشعب، في تأكيد جديد على تمسك الحراك بهذا الشعار، والذي يؤكد الناشطون أنه "لا يستهدف الجيش كمؤسسة وإنما مجموعة الجنرالات الذين تحكموا في مصير الجزائر والجزائريين"، مثلما يقول الناشط عمار بوراوي في تصريح لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أنه "يكفي أن تتم محاكمة الرجل الذي كان قائدا لجهاز الأمن الداخلي، الجنرال واسيني بوعزة، حتى إبريل/نيسان 2020، بتهمة التدخل في القضاء ومحاولة تزوير الانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2019، والاستيلاء على محجوزات مالية، لنعرف أن من يوزع الاتهامات ضد الحراك هو نفسه متورط من أخمص قدميه إلى رأسه في الفساد السياسي، ولنتأكد أن مطالب الحراك بتمدين الدولة واستبعاد الجيش من صناعة القرارات، هو مطلب مشروع ويجد تفسيراته الواضحة في الواقع الجزائري".
وشهدت مدينة جيجل مظاهرة حاشدة هي الأكبر منذ سنة، رفعت فيها شعارات تعلن رفضها للانتخابات المقبلة وتطالب بسلطة الشعب وتمدين الحكم ،كما شهدت مدن ولايات تيزي وزو وبجاية والبويرة في منطقة القبائل مظاهرات صاخبة رفضا للانتخابات، وتوعد المتظاهرون بمنع إجراء الاقتراع في المنطقة التي سجلت نسبة مشاركة بواقع واحد في المائة في الاستفتاء الأخير.
وفي السياق منعت قوات الأمن في مدينة وهران غربي الجزائر المتظاهرين من الخروج من ساحة أول نوفمبر وسط المدينة، واستخدمت القنابل المسيلة للدموع، لكن المتظاهرين نجحوا في كسر الطوق الأمني وساروا باتجاه الشوارع الرئيسة للمدينة. وفي ولاية الأغواط وسط البلاد، منعت السلطات المتظاهرين من التجمع وطوقت الشرطة ساحة وسط المدينة وهددت باعتقال كل من يحاول الاقتراب من الساحة. وفي ولاية تيارت تم اعتقال العشرات من الناشطين واقتيادهم إلى مراكز الأمن.
ويصف ناشطون في الحراك، ولافتات رفعت في مظاهرات اليوم الجمعة، المرحلة التي يمر بها الحراك الشعبي، بعد توضح المسار الانتخابي، بأنها مرحلة الغربلة الحقيقية لمكوناته، حيث ستظهر المكونات الأكثر التزاما بمسار الحراك ومطالبه المعلنة منذ فبراير 2019 ، فيما قد تعدل مكونات أخرى من مواقفها وقد تقدم على تبني فكرة المزاوجة بين حراك الشارع للضغط والعمل من داخل المؤسسات لتحقيق المطالب السياسية.
وتحدث هذه التطورات وسط حديث متواتر عن وجود اتصالات بين شخصيات ونشطاء بارزين في الحراك الشعبي مع السلطة، لمناقشة التفاهمات الممكنة لعقد لقاءات بهدف تحصيل أكبر ضمانات لنزاهة الانتخابات المقبلة وإمكانية توفير عوامل إضافية من شأنها دفع مكونات الحراك للمشاركة في الانتخابات البرلمانية المبكرة، من دون أن تؤكد أي من مكونات الحراك صحة هذه المعلومات من عدمها.