- حقوقيون يرون أن الإفراج عن سجناء وإغلاق قضية التمويل لا يعكسان تحسناً حقيقياً في الوضع الحقوقي بمصر، مع استمرار تقييد حرية المنظمات الحقوقية.
- تقارير تشير إلى أن إغلاق القضية 173 لم يشمل كل المنظمات ولم ينهِ التحديات أمام العمل الحقوقي، مع دعوات لمراجعة التشريعات القمعية والإفراج عن المزيد من السجناء السياسيين.
لم تمرّ ساعات قليلة على لقاء رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو، الذي تتولى بلاده رئاسة الاتحاد الأوروبي، بثلاثة من الحقوقيين المصريين، وبعدها إبرام السلطات المصرية والاتحاد الأوروبي، مساء الأحد الماضي، اتفاقات تضمنت حزمة تمويل لمصر بقيمة 7.4 مليارات يورو على مدى أربعة أعوام، تشمل قروضاً واستثمارات وتعاوناً في ملفي الهجرة إلى أوروبا ومكافحة الإرهاب، حتى تم الإعلان في مصر عن غلق ملف القضية رقم 173 لسنة 2011 المعروفة إعلامياً بـ"التمويل الأجنبي"، وإصدار عدة قرارات بإخلاء سبيل عدد محدود للغاية من السجناء السياسيين وأبرزهم صحافيا قناة "الجزيرة" ربيع الشيخ وبهاء الدين إبراهيم، وهو ما اعتبره مراقبون "استجابة" من السلطات المصرية لضغوط أوروبية.
المدافع المصري عن حقوق الإنسان، بهي الدين حسن، قال في حديثٍ لـ"العربي الجديد" تعليقاً على القرار: "هناك مطالبات دولية للحكومة المصرية بإغلاق القضية 173 منذ 13 عاماً"، مضيفاً أنه "مع فراغ خزينة الحكومة المصرية وتعاظم ديونها، اضطرت للاستجابة لأحد مطالب مقرضيها". وتابع حسن: "من المحتمل أيضاً أن يجري الإفراج عن بعض الأبرياء، لكن هذا لا يعني بالطبع أن هناك انفراجة حقوقية أو سياسية جادة".
بهي الدين حسن: من المحتمل الإفراج عن البعض لكن هذا لا يعني أن هناك انفراجة
ترويج لصحوة حقوقية في مصر
المدير التنفيذي لمؤسسة "كوميتي فور جستس"، أحمد مفرح، أبدى اعتقاده أيضاً أن هناك "ترويجاً حكومياً" لوجود "انفراجة وصحوة حقوقية في مصر"، خصوصاً بعد اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. وقال في حديث لـ"العربي الجديد"، إن ذلك "يأتي في إطار موجة جديدة من حملات البروباغندا التي سيعتمدها النظام المصري خلال الفترة المقبلة، للترويج لتحركات يظهر من خلالها كأنه بدأ في التراجع عن سياساته السابقة في مواجهة المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية في مصر، في حين أنه ما يزال يعمل على تكبيلهم وتجريم عملهم بقوانين مختلفة، واستهدافهم بأحكام غيابية وقرارات ضبط وإحضار، ووضعهم على قوائم الإرهاب، والانتقام من أسرهم بسبب عملهم الحقوقي".
واعتبر مفرح أن "القضية 173، لن تكون الأخيرة" من نوعها، مضيفاً أنه "فيما يخص الاتحاد الأوروبي، فأعتقد أنه يتغاضى عن الاهتمام بملف حقوق الإنسان في مصر، من أجل مصالح معينة مرتبطة بالأمن والمهاجرين مع نظام السيسي". وشدّد على أن دور الحقوقيين: "يقوم على موقف ثابت، ولن تنطلي علينا مثل تلك القرارات من قبل النظام المصري أو مثل تلك الشراكات التي تتم معه".
وقال: "سنعمل بعزم على تصحيح ذلك المسار، لوضع الملف الحقوقي في أولوية أي مسار للشراكة مع النظام المصري"، مضيفاً أن "سياستنا واحدة، أنه لا بد أن يتم ربط أي شراكة مع النظام المصري بتغيير في سياساته المرتبطة بالملف الحقوقي وفي مقدمتها عدم تجريم العمل الحقوقي وفتح المجال العام والإفراج عن المعتقلين السياسيين".
خطوة غلق القضية 173 التي وصفها البعض بأنها "انفراجة حقوقية"، لم تخل من بعض "التلاعب" من قبل السلطات المصرية، إذ ذكرت مؤسسة دعم العدالة بالمركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، في بيان أول من أمس الخميس، أن "قرار قاضي التحقيق في القضية رقم 173 لسنة 2011 المعروفة إعلامياً بالتمويل الأجنبي، لم يشمل كل المنظمات ولم يغلق القضية نهائياً، وأن القضية لم تنته تماماً بعكس كل التصريحات". وأضافت أنه "حتى الآن ما يزال ملف المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة لم يحسم بعد، وهي أول منظمة مصرية يتم التحقيق معها أمام قضاة التحقيق في القضية 173، ومؤسسو المركز ما يزالون مدرجين على قائمة الممنوعين من السفر".
أحمد مفرح: الاتحاد الأوروبي يتغاضى عن الاهتمام بملف حقوق الإنسان في مصر
تحقيقات سابقة
بدوره، اعتبر رئيس مؤسسة دعم العدالة بالمركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ناصر أمين، لـ"العربي الجديد"، أن "لا صحة لما تردد بأن القضية الخاصة بالمؤسسة هي قضية مستقلة بخلاف القضية الخاصة بقضية التمويل الأجنبي"، كاشفاً عن أنهم "حصلوا على وثيقة رسمية تفيد بأن التحقيقات تمت في ذات القضية، التي حملت الرقم 173 لسنة 2011 حصر قضاة تحقيق التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني"، وهي المذكرة المرسلة من رئيس محكمة استئناف القاهرة وقتها المستشار أيمن عباس، إلى النائب العام في حينه المستشار نبيل صادق، المتعلقة بالتحقيق بشأن المركز العربي لاستقلال القضاء.
مركز "القاهرة لحقوق الإنسان"، اعتبر أيضاً أن القرار الصادر في القضية 173 "لا يشير إلى تغيير جذري في نهج السلطات المصرية القمعي، ولا ينم عن بداية لعملية إصلاح جادة". وذكر المركز في بيان أن القرار "يعد رد اعتبار متأخرا، ويبقى أن نرى ما إذا كانت السلطات المصرية ستحترمه وتباشر تنفيذه"، مؤكداً أنه "فقط من خلال المراجعة الشاملة للتشريعات المصرية القمعية، والإفراج عن عشرات الآلاف من السجناء السياسيين السلميين، وفتح حقيقي للمجال العام، يمكن للسلطات المصرية إظهار إرادة سياسية حقيقية للإصلاح".