قالت مصادر رسمية مصرية، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "مرور الأفراد من قطاع غزة إلى مصر، من خلال معبر رفح البري، أصبح يخضع لإجراءات شفافة وتدقيق مشدد، حرصاً على منع أي تلاعب أو استغلال للأشخاص الراغبين في مغادرة القطاع، والحصول على أموال منهم بشكل غير رسمي".
وأوضحت المصادر أنه "تقرر فرض رسوم على العابرين بشكل رسمي، تُدفع في مقابل تسليم إيصال رسمي من الجهات المصرية"، مضيفة أن "تشديد إجراءات العبور، هدفه الحد من هجرة سكان قطاع غزة، التي تهدد بتصفية القضية الفلسطينية". ولفتت إلى أنه "يُسمح للمرضى والمصابين والحالات الخاصة وحملة الجنسيات الأجنبية، بمغادرة القطاع".
ويعمل معبر رفح البري، جنوبيّ قطاع غزة على الحدود مع مصر، على تسهيل سفر الفلسطينيين الذين يرغبون في مغادرة القطاع. إلا أن السفر لا يزال مخصصاً لفئات معينة فقط، هي: المرضى والجرحى وأصحاب الجوازات الأجنبية والمصرية، بالإضافة إلى من يدفعون مبالغ مالية مقابل الحصول على "تنسيق مصري" من خلال أحد الأجهزة الأمنية "السيادية" بمصر، وذلك من خلال وسطاء من جانبَي الحدود.
35 ألفاً غادروا قطاع غزة عبر معبر رفح
وفي تفاصيل إحصاءات السفر الرسمية، قال المتحدث باسم هيئة المعابر والحدود الفلسطينية بغزة، هشام عدوان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "منذ الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وحتى يومنا هذا، غادر قطاع غزة أكثر من 35 ألف مواطن، غالبيتهم من الفلسطينيين".
وأوضح أن ذلك "يشمل المرضى والجرحى وحاملي الجنسيات المزدوجة، بمعنى الفلسطيني الذي يحمل جنسية أجنبية أو مصرية، بالإضافة إلى عدد المدرجين في كشوفات التنسيقات المصرية".
وأضاف عدوان أن "عدد الجرحى والمرضى الذين غادروا غزة منذ بداية الحرب، يقدّر بألفَي شخص"، مشيراً إلى أن "إحصاءات المعبر المقدرة بـ35 ألف شخص، تشمل أيضاً الوفود الطبية والإغاثية والمؤسسات الدولية التي تتحرك من قطاع غزة وإليه بشكل دوري، بالإضافة إلى المرافقين للمرضى والجرحى".
هشام عدوان: هناك انخفاض في أعداد المسافرين عبر معبر رفح عن الوضع الطبيعي
وذكر عدوان أن "العدد الطبيعي للسفر عبر معبر رفح، كان يقدر بـ15 ألف شخص شهرياً، أي 45 ألف شخص في المدة نفسها التي عمل فيها المعبر منذ بداية الحرب، فيما غادر خلال هذه المدة 35 ألف شخص فقط". مع العلم أن المعبر حالياً، وفق عدوان، "يعمل على مدار أيام الأسبوع السبعة، بينما قبل الحرب كان يغلق أبوابه يومَي الجمعة والسبت من كل أسبوع، ما يشير إلى انخفاض أعداد المسافرين عن الوضع الطبيعي، وليس هناك أي زيادة".
معبر رفح لم يشكل دعماً منذ الحرب
الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عمار فايد، علّق في حديث لـ"العربي الجديد"، على أعداد المغادرين من قطاع غزة عبر معبر رفح، قائلاً إن "هذا الرقم لا يتجاوز الـ0.3 بالمائة من عدد المصابين في القطاع"، مضيفاً أنه "مع انهيار النظام الصحي وشحّ المستلزمات الطبية، فهذا معناه أنه مجرد رقم رمزي لا يمثل دعماً صحياً حقيقياً".
عمار فايد: مصر رفضت طلبات بإقامة مستشفيات ميدانية في رفح المصرية
ولفت فايد إلى أن مصر "رفضت طلبات لعدة دول بإقامة مستشفيات ميدانية في رفح المصرية لاستقبال المصابين وعلاجهم، تحت ذريعة التصدي لسيناريو التهجير".
وتابع: "كان في المقابل يُتوقع أن تستقبل مصر الحالات الحرجة في مستشفياتها أو في مستشفيات ميدانية مصرية"، معتبراً أن "عدم حدوث ذلك، لا يخدم سوى سياسة الاحتلال القائمة على العقاب الجماعي لسكان القطاع".
أسباب عدة لعدم مغادرة قطاع غزة
القيادي السابق في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ذو الفقار سويرجو، قال في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "موضوع خروج الفلسطينيين من قطاع غزة، موضوع حساس، والخوض في تفاصيله يحتاج للتأكد من دقة الإحصاءات حتى لا نخرج بنتائج وخلاصات خاطئة".
واعتبر أنه "في كل الأحوال، أن يدفع الفلسطيني من أجل أن ينتقل من قطاع غزة إلى مصر، أي مبالغ تتجاوز الرسوم الطبيعية عند معبر رفح مهما كانت منخفضة، فهي بلا شك عالية جداً لغالبية الناس في القطاع".
وأوضح أن "من يمتلك القدرة على دفع تلك المبالغ، هي شريحة لا تتجاوز الـ1 بالمائة، أما بقية الشرائح فهي بحاجة للخروج (من القطاع) والدعم، لا أن تدفع" الرسوم.
ذو الفقار سويرجو: الغالبية العظمى من الناس في قطاع غزة ترفض الخروج من حيث المبدأ
أما لماذا لا يخرج الناس من القطاع بأعداد ضخمة، فسببه الأول، وفق سويرجو، "أن الناس لن تتخرج نحو المجهول فقط من أجل الابتعاد عن الموت، فهي تفضل الموت على الضياع"، وثانياً فإن "الغالبية العظمى من الناس ترفض الخروج من حيث المبدأ، ولا تريد تكرار نكبة 1948 مرة أخرى تحت وعود بالعودة لم تتحقق منذ أكثر من 70 عاماً".
أما السبب الثالث فهو "غياب الأفق السياسي لما هو قادم، ما يجعل الناس تتمسك بما تملك من أرض ومكان إقامة، على أمل تغيير الوضع الراهن في اتجاه الانفراجة السياسية".
ابتزاز للمسافرين الفلسطينيين
وكانت "العربي الجديد" قد كشفت في وقت سابق، عن وجود حالات ابتزاز واسعة النطاق للمسافرين الفلسطينيين، حتى من حملة الجوازات الأجنبية والمصرية، لإجبارهم على دفع مبالغ مالية كبيرة، مقابل تسهيل سفرهم عبر معبر رفح البري. وبلغت الأسعار 10 آلاف دولار أميركي مقابل كل شخص يرغب بمغادرة القطاع، يذهب أغلبها لأشخاص نافذين في أجهزة الأمن المصرية.
إلا أن قراراً سيادياً قد صدر، وكشفت عنه "العربي الجديد"، بتغيير طاقم أفراد الأمن المسؤولين في معبر رفح، بشخصيات تحظى بثقة قيادة الأجهزة السيادية، للإشراف على السفر عند المعبر، والحد من حالة الابتزاز القائمة، من قبل عدة أشخاص قادرين على تسهيل سفر المواطنين من دون مقابل.
وبعد الكشف عن أن شركة رجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني، والمقرب من محمود السيسي نجل الرئيس ووكيل جهاز المخابرات العامة، كانت تسهّل سفر المواطنين مقابل مبالغ مالية، من خلال مندوبين لهم في الجانبين الفلسطيني والمصري، إلا أنه، بعد تغيير طاقم المعبر، ظهرت إعلانات لشركة "هلا" للسياحة والسفر، إحدى أكبر شركات العرجاني، تدعو الفلسطينيين الراغبين في مغادرة القطاع إلى دفع مبلغ مالي يقدَّر بـ5 آلاف دولار للشخص البالغ، و2500 دولار لأي طفل دون الـ12 سنة.
وبالفعل، بدأ التسجيل في مقر الشركة الواقع قرب حديقة الطفل بشارع مكرم عبيد بمدينة نصر، أحد أحياء القاهرة، للراغبين في مغادرة القطاع لأسباب مختلفة، ودفع المبالغ بعملة الدولار داخل مقر الشركة بعيداً عن البنوك والإجراءات الرسمية.