مصادر ليبية تكشف عن إجراءات وتوجيهات أصدرها الدبيبة لمواجهة أزمة لقاء المنقوش وكوهين

30 اغسطس 2023
قالت المصادر أن الدبيبة كان عاجزاً عن إيجاد تصور للخروج من الأزمة (Getty)
+ الخط -

كشفت مصادر حكومية في طرابلس، إن رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة قرر في اجتماعات أخيرة مع عدد من مستشاريه والمقربين منه، "الصمت والتجاهل" على الرغم من المطالبات الواسعة بضرورة خروجه لتوضيح موقفه حيال تداعيات أزمة لقاء وزيرة خارجية حكومته نجلاء المنقوش بنظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين في روما الأسبوع الماضي.

وأشارت المصادر في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الدبيبة شدد على عدد من وزراء حكومته بعدم الظهور في أي وسيلة إعلامية والبدء في إصدار قرارات تتصل بالخدمات المعيشية للمواطنين.

وفي أقل من ساعة على إعلان الجانب الإسرائيلي، مساء الأحد الماضي، عن لقاء روما السري، خرج العشرات من المواطنين في عدد من أحياء العاصمة طرابلس وعدد من مناطق ومدن غرب وجنوب ليبيا، للاحتجاج على "مساعي الحكومة للتطبيع مع إسرائيل".

وبحسب المصادر، فإن الدبيبة "عايش عجزا حقيقيا" خلال يومي الأحد والاثنين الماضيين عن الوصول إلى أي تصور لمواجهة أزمة حكومته، لكنه بدأ في "التقاط أنفاسه" مع تراجع موجة الاحتجاجات الشعبية.

وقالت المصادر إن الدبيبة بدأ في إجراءات لمعالجة بعض الاختراقات في وزاراته التي نتجت عما أبداه بعض وزرائه من تململ ورغبة في مغادرة مناصبهم جراء مخاوفهم من سقوط الحكومة في الأيام الأولى للأزمة. ومن بين هذه الوزارات، وزارتا التعليم العالي والمواصلات، حسب المصادر.

في ذات الوقت، وبحسب نفس المصادر، يبذل الدبيبة مساعي لتطويق اتساع رقعة موظفي وزارة الخارجية الغاضبين من لقاء المنقوش بالوزير الإسرائيلي، خصوصا أن بعضهم عبر عن مخاوفه من تكرار تجربة المنقوش -التي جاءت من خارج الكوادر الدبلوماسية لموقع قيادة الوزارة- مع وزير الرياضة فتح الله الزني، الذي كلفه الدبيبة بتسيير أعمال الوزارة. وهذا الأخير لم يسبق له العمل في السلك الدبلوماسي. 

وأصدر الدبيبة جملة من القرارات مساء الاثنين، منها الافراج عن مرتبات 28 ألف موظف من ضمن 87 ألفا، وصرف مخصصات ثلاثة أشهر من منح الأسرة والأطفال المقرة من قبل الحكومة في السابق كدعم، بالإضافة إلى إلغاء قرار سابق لوزير التعليم العالي بشأن إيفاد عدد من الطلاب للدراسة بالخارج، كان قد أشعل جدلا واسعا كون غالب الموفدين من أبناء مسؤولي الحكومة.

وكانت وسائل إعلام ليبية تداولت أنباء عن انضمام وزير المواصلات بالحكومة، محمد الشهوبي، إلى جبهة المعارضة السياسية والاجتماعية في مصراتة التي أعلنت قبل أيام عن تشكيل حراك تحت مسمى "حرك 17 فبراير"، اتهم في بعض بياناته الدبيبة بالفساد المالي والسعي للبقاء في السلطة.

ولم يصدر عن الشهوبي أي موقف حتى الآن. 

وقال أحد المصادر، وهو دبلوماسي حالي وموظف رفيع سابق بمكتب مستشاري الدبيبة، إن اجتماعات رئيس الحكومة الليبية الأخيرة مع مستشاريه تركزت في كيفية تفويت الفرصة على خصومه السياسيين "الساعين لاستغلال أزمة الحكومة منذ اندلاعها للإطاحة به"، مشيرا إلى اتفاقه مع عدد من التشكيلات المسلحة في طرابلس لتكثيف وجودها حول المقار الحكومية الهامة في طرابلس ومنع تجمع المتظاهرين حولها.

وشهدت طرابلس انتشارا أمنيا كثيفا ليل الثلاثاء الأربعاء، عمل على تفريق المتظاهرين في بعض الأحياء ومنع وصولهم من مدينة الزاوية إلى طرابلس.

استغلال الأزمة

وفي سياق حديثه عن كواليس اجتماعات الدبيبة، قال ذات المصدر إن الأخير عبر عن خشيته لبعض المقربين منه من فقدان حكومته لـ"مكاسبها السابقة"، ودعا لاستئناف العمل في ملف الخدمات، خصوصا الكهرباء وتوفير السيولة النقدية وإطلاق مشاريع تنموية أخرى، "كأنسب الحلول المتوفرة لتجاوز الأزمة".

وأضاف قائلا: "اجتماعات الدبيبة ناقشت أيضا إمكانية استئناف الاتصالات الخارجية من أجل إقناع الشركاء والحلفاء بتصور يقوم على إعادة تشكيل حكومته، مشيرا إلى أن التداعيات الخارجية التي خلفتها أزمة لقاء المنقوش بكوهين قد تساعد على ذلك "إذا أحسن الدبيبة استخدامها، خصوصا وأن الحكومة تلقت اتصالات بشأن رغبة وفد أميركي رفيع المستوى في اجراء زيارة لطرابلس منتصف سبتمبر/أيلول المقبل". 

وأضاف المصدر: "من المرجح أن تكون الزيارة الأميركية على صلة بملف أزمة الحكومة الأخيرة وامتداداتها الخارجية وكيفية معالجتها، كما أن مسؤولين أيطاليين تلقوا اتصالات من فريق الدبيبة لإبلاغهم بانزعاجه الكبير من الكشف عن اللقاء الذي كان بضمانة إيطالية"، مشيرا إلى أن عدم إعلان الدبيبة عن قرار إقالته المنقوش والإبقاء على وضعها قيد الإيقاف عن العمل يأتي في سياق محاولته الاحتفاظ بأوراق للتعاطي مع أي مستجد.

واستدرك المصدر قائلا: "رغم كل هذه الإجراءات، وعلى رأسها انتهاج سياسة التجاهل، إلا أن الوضع المحيط بالدبيبة وفريقه الخاص لا يزال يعيش تحت ضغط كبير مع قلة الخيارات المطروحة أمامه في حالة حدوث أي تداعيات جديدة". 

ولم يفلح قرار إيقاف المنقوش عن العمل وتحويلها الى التحقيق، وتوضيحات وزارة الخارجية، في إخراج الدبيبة من دائرة الاتهامات ووقف الاحتجاجات، بل استمرت في اليوم الثاني، وشملت وقفات أمام مقري وزارة الخارجية والحكومة. 

مفتعلة الأزمات

وطيلة السنوات الماضية ظلت المنقوش من بين الشخصيات المقربة والمدعومة من الدبيبة، على الرغم من سلسلة الخلافات التي تسببت فيها للحكومة، ومن بينها خلافاتها مع رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، على خلفية منعها من تولي أحد مرشحي المنفي لمنصب مندوب ليبيا في جامعة الدول العربية، ما أحدث شدا وجذبا لعدة أسابيع بين الحكومة، والمجلس الرئاسي الذي اتهم الأخيرة بالتعدي على صلاحياته كونه من يمثل السياسات الخارجية الى البلاد. 

ولاحقا تسببت المنقوش في تصعيد الخلافات بين حكومتها، والحكومة المصرية، إذ غادر وزير الخارجية المصري، سامح شكري، اجتماعا وزاريا لجامعة الدول العربية، في سبتمبر/أيلول العام الماضي، أثناء تسلم المنقوش رئاسة إحدى دورات مجلس وزراء الخارجية العرب، بسبب عدم اعتراف حكومته بشرعية حكومة الدبيبة، ما حدا بالدبيبة لدعم المنقوش في مساعيها لاستضافة الاجتماع الأول لمجلس وزراء الخارجية العرب في طرابلس، إلا أن الاجتماع انعقد في يناير/كانون الثاني الماضي بحضور عربي خجول. 

المساهمون