أعلنت الحكومة الجزائرية استكمالها صياغة مسودة قانون جديد للأحزاب السياسية، تتضمن حزمة تعديلات جديدة تخص تحديد عهدة القيادة في الحزب، وتجريم تلقي الأموال، ومنع من وصفتهم بالمتسببين والمتورطين في الأزمة الأمنية في التسعينيات من إسلاميي جبهة الإنقاذ المحلة من كل نشاط سياسي، وتنظيم حالات حل الأحزاب بما فيها عدم المشاركة في استحقاقين انتخابيين متتاليين.
وأفادت وثيقة "بيان السياسة العامة للحكومة"، التي أحيلت إلى البرلمان أمس الخميس، بأنّ مسودة القانون الجديد للأحزاب السياسية جاهزة، وسيجرى التداول بشأنها في مجلس الوزراء قبل نقاشها في البرلمان خلال الدورة البرلمانية الحالية، التي تنتهي بداية يناير/ كانون الثاني المقبل.
وتلزم مسودة القانون، بعد إقرارها في غضون الفترة المقبلة، الأحزاب السياسية القائمة التي لم تقم بتسوية وضعيتها القانونية بمطابقة وضعيتها مع مقتضيات القانون الجديد في غضون ستة أشهر، تحت طائلة الحل النهائي، فيما تسمح للأحزاب التي توجد في وضعية منتظمة بمطابقة نظمها الداخلية مع القانون الجديد في أول مؤتمر عام لها يعقد بعد ذلك.
وبحسب المسودة التي تتضمن 97 مادة، فقد فُرض، للمرة الأولى، التداول في قيادات الأحزاب عبر تحديد المسؤولية في قيادة الأحزاب السياسية "بعهدة واحدة مدتها خمس سنوات كأقصى حد، ويمكن تجديدها مرة واحدة على الأكثر"، ما أثار تحفظات استباقية لدى عدد من قادة الأحزاب السياسية.
وتحظر مسودة القانون الجديد كل علاقة أو ارتباط عضوي للأحزاب مع النقابات والجمعيات، أو أي تنظيم آخر ليس له طابع سياسي، كما تمنع تلقي الحزب بصفة مباشرة أو غير مباشرة أي تمويل من مصدر أجنبي، على أن يجرى التصريح لدى السلطات بأية هبات ووصايا وتبرعات من مصدر وطني.
وتشدد المسودة على منع الأحزاب السياسية من استعمال العلامات والشارات الخاصة بالدولة في وثائقه ومحرراته، أو استخدام اللغات الأجنبية في جميع نشاطاته داخل "التراب الوطني"، "ومنع كل تبعية للمصالح والجهات الأجنبية أياً كان شكلها".
كما تلزم المسودة الحزب السياسي "في حال إقامة علاقات تعاون مع أحزاب سياسية أجنبية، لا تتعارض مبادئها وتوجهاتها مع مصالح الجزائر"، الحصول على موافقة مسبقة من وزير الداخلية، بعد أخذ رأي وزير الخارجية، على "ألا يجرى استغلال هذه العلاقات للقيام بأعمال في الخارج لفرض المساس بالدولة ورموزها ومؤسساتها ومصالحها الاقتصادية والدبلوماسية".
وكانت قوى سياسية أبدت قلقها من مضمون المسودة، واعترضت بشكل خاص على بند تحديد عهدة قيادة الحزب. وقال رئيس حزب جيل جديد جيلالي سفيان، في حديث سابق: "إن هذا تدخل في شؤون الأحزاب التي يقرر فيها مناضلوها حرية اختيار الهيئات القيادية".
وكانت حركة مجتمع السلم، أكبر أحزاب المعارضة، قد طالبت السلطة بفتح حوار والتشاور بشأن القوانين الناظمة للشأن السياسي والمدني وعدم صياغتها بشكل منفرد.
استبعاد إسلاميي الانقاذ
وأبقت مسودة القانون مناضلي وقادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة منذ 1992، وعناصر الجيش الإسلامي للإنقاذ المحل والتائبين من النشاط المسلح، خارج العمل الحزبي والنشاط السياسي، إذ حظرت أي إمكانية لعودتهم إلى النشاط السياسي.
وجاء في المسودة أنه "يمنع تأسيس حزب سياسي أو المشاركة في تأسيسه أو في هيئاته المسيرة أو الانخراط فيه على كل شخص مسؤول عن استغلال الدين الذي أفضى إلى المأساة الوطنية"، في إشارة الى الأزمة الدموية في التسعينيات.
وتنص المسودة على عقوبات بالسجن تصل إلى عشر سنوات في حق كل مسؤول في حزب سياسي يتلقى بصفة مباشرة أو غير مباشرة أي تمويل من مصدر أجنبي بأي صفة أو شكل كان، مع مصادرة الأموال الناتجة عن الجريمة والحل النهائي للحزب السياسي، وبالحبس مدة سنتين لمسؤولي الأحزاب الذين يتلقون هبات أو وصايا أو تبرعات مالية أو مادية من مصدر وطني من دون التصريح بها، أو استخدام أموال الحزب في أغراض خاصة.
وتعاقب مسودة القانون بغرامة مالية كل شخص يسير حزباً سياسياً غير معتمد أو يستمر في تسيير حزب سياسي جرى توقيف نشاطه أو حله، كما يعاقب كل شخص يستمر في النشاط في هذا الحزب.
وتمنع المسودة على الحزب السياسي "استعمال مقره لأغراض غير تلك التي صرح بها وأنشئ على أساسها. أو إيواء أي تنظيم أو أشخاص ليست لهم علاقة بالحزب السياسي".
يأتي هذا، بعد سلسلة شكاوى قضائية كانت أثارتها السلطات في حق حزبي التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية والحركة الديمقراطية الاجتماعية، بسبب منح مقارها لنشطاء الحراك الشعبي وروابط حقوقية لعقد ندوات سياسية فيها، وكان ذلك من بين أسباب حل الحركة الديمقراطية الاجتماعية.
منع "تأجير المناضلين"
وجاء في المسودة أنّ إعادة النظر في قانون الأحزاب "أملتها الممارسة والتجربة الميدانية التي أثبتت تسجيل بعض النقائص والاختلالات في الممارسة السياسية والحزبية، والحد من الفوضى التي شهدتها الساحة السياسية وتطهيرها من (أحزاب المحفظة) التي حازت على اعتمادات من دون أن يكون لها أي وجود هيكلي، وسد الثغرات القانونية المسجلة في تأسيس الأحزاب السابقة، واعتماد القواعد والمبادئ الديمقراطية في أجهزة الأحزاب الجزائرية".
وووفق المسودة، فإنّ تأسيس حزب سياسي يتم بناء على طلب رسمي يوقعه ثلاثة أعضاء مؤسسين إلى وزير الداخلية، مع هيئة تأسيسية لا يقل عدد أعضائها عن اثنين من كل ولاية، ويتعين على وزير الداخلية الرد على طلب التأسيس في أجل أقصاه 60 يوما من تاريخ إيداع طلب تأسيس الحزب، وذلك لمنح رخصة عقد المؤتمر التأسيسي، بحضور 480 مندوباً على الأقل، مع ضمان نسبة إلزامية لتمثيل الشباب والمرأة.
وتلزم المسودة الأحزاب بتقييد قائمة المندوبين في الولايات وتسليمها إلى السلطات، لمنع ظاهرة "تأجير المناضلين" بين الأحزاب الصغيرة، والتي كانت تقوم بذلك لتسوية وضعيتها تجاه القانون.
وتقضي المسودة بإقصاء النائب المنتخب باسم حزب من البرلمان ومجلس الأمة، في حال غير بإرادته الانتماء السياسي الذي انتخب على أساسه.
ويعتقد مراقبون أنّ تطبيق بنود القانون الجديد ستسمح بتطهير الساحة وبتقليص كبير لعدد الأحزاب السياسية في الجزائر، والتي بلغت بحسب بيانات وزارة الداخلية 74 حزباً سياسياً، أغلبها ليس لها أي وجود هيكلي، وتنشط في مواعيد انتخابية وتشوش بشكل كبير على النشاط الحزبي والسياسي في البلاد.