مساع فرنسية لتجاوز أزمة الناشطة بوراوي.. والجزائر تتجاهل

10 مارس 2023
أزمة سياسية ودبلوماسية بين الجزائر وفرنسا (لودوفيك مارين/فرانس برس)
+ الخط -

تبذل باريس جهوداً لافتة وترسل رسائل سياسية إلى الجزائر بشأن رغبتها في تجاوز الأزمة السياسية والدبلوماسية الطارئة التي نجمت عن قضية الناشطة أميرة بوراوي. في المقابل، فإن الجانب الجزائري لا يرد بالشكل المطلوب ولا يتفاعل إيجاباً مع هذه الجهود، كما أنه لا يطرح ما يمكن أن يستشفّ منه موقفه من الأزمة، بحسب مراقبين.

وتبرز التصريحات الأخيرة لكبار المسؤولين الفرنسيين وجود رغبة للدفع باتجاه البحث عن قنوات لإزالة ما تعتبره باريس "سوء تفاهم"، ومن ثمة تثبيت موعد الزيارة التي من المقرر أن يقوم بها الرئيس عبد المجيد تبون إلى فرنسا خلال شهر مايو/أيار المقبل.
 
وقالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، الأربعاء الماضي، خلال جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية حول العلاقات مع الجزائر، إنه "بمعزل عن الحالات التي قد تكون حالات سوء فهم من جانبكم للعلاقة مع الجزائر، يتعيّن علينا جميعاً أن نعمل، كلّ من موقعه، من أجل أن تكون هذه العلاقة، وهي علاقة طويلة الأمد، مفيدة للجانبين (الفرنسي والجزائري)".

وقبل وزيرة الخارجية، كان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قد أكد في المؤتمر الصحافي الذي عقده عشية جولته الأفريقية، أنه مصر على تنفيذ التفاهمات التي تمت مع الرئيس تبون، خاصة تفاهمات أغسطس/آب 2022، خلال زيارته إلى الجزائر.
 
وقال ماكرون حينها "أنا متيقن من صداقة وإرادة وانخراط الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ومتأكد أننا سنواصل تسجيل تقدم في علاقات بلدينا". 

وأضاف "رسالتي واضحة، سأواصل العمل الذي شرعنا فيه، فليست هذه المرة الأولى التي أتلقى فيها ضربة، سنواصل العمل الذي قمنا به منذ عدة سنوات حول ملف الذاكرة وغيرها، نريد تحقيق طموحات شبابنا، قمنا بعمل كبير في ملف الاقتصاد والتعاون العسكري".

وذكر أنه "لأول مرة منذ عام 1962 عقد اجتماع بين رئيسي البلدين (اجتماع أمني عقد في ختام زيارته إلى الجزائر في 26 أغسطس الماضي)، ولأول مرة منذ 1962 قام قائد أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة بزيارة لفرنسا، وهذه مؤشرات هامة".

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد أمر، الشهر الماضي، باستدعاء سفير بلاده لدى فرنسا سعيد موسي "للتشاور". يأتي ذلك على خلفية قضية الناشطة والصحافية أميرة بوراوي التي غادرت تونس إلى فرنسا في فبراير/ شباط الماضي وهي مطلوبة للقضاء الجزائري. وأعربت الجزائر في "مذكرة رسمية" وجهتها إلى باريس عن "احتجاجها بشدة على عملية الإجلاء السرية وغير القانونية" لبوراوي.

وفي هذا الصدد، قال النائب في البرلمان الجزائري عضو لجنة الشؤون الخارجية عبد الوهاب يعقوبي، لـ"العربي الجديد"، إن هذه المواقف الفرنسية "وإن كانت تعبر فعلياً عن رغبة أكيدة لدى المؤسسة الرسمية الفرنسية باستكمال خط العلاقات الجديدة، فإنها ليست كافية بالنسبة للجانب الجزائري الذي ينتظر مواقف أكثر وضوحاً ترتبط بما حدث في قضية بوراوي أولاً، ومن ثمة البناء على ذلك لتجاوز الأزمة".

ولفت في السياق إلى أن "مسألة زيارة الرئيس تبون إلى باريس المقررة في شهر مايو المقبل، ستحددها عوامل تجاوز الأزمة الحالية من عدمها، التي ستقررها باريس، خاصة أن الجزائر مقتنعة بأن جهة رسمية في فرنسا هي التي صنعت الأزمة وساعدت في ترحيل الناشطة بوراوي من تونس إلى فرنسا"، في إشارة إلى اتهامات مباشرة لجهاز المخابرات الفرنسية بتورطه في ما وصفته الجزائر "بإجلاء غير قانوني" إلى فرنسا للناشطة بوراوي من تونس التي كانت قد وصلتها بطريقة غير قانونية قادمة من الحدود الجزائرية، بينما كان مقررا ترحيلها إلى الجزائر.

يعزز هذا التفسير أن تصريحات المسؤولين الفرنسيين ذات الطابع الإيجابي، والمشجعة على الاستمرار في تنفيذ تفاهمات أغسطس 2022، واستكمال مسار بناء علاقات جديدة، لا تلقى ردوداً من الجانب الجزائري، إذ لا يتحدث المسؤولون في الجزائر عن الأزمة مع فرنسا.

وتلافى الرئيس عبد المجيد تبون نفسه الإشارة إلى الأزمة مع باريس خلال لقائه التلفزيوني الأخير في نهاية الشهر الماضي، وكان واضحاً أن مصلحة الإعلام في الرئاسة لم تسمح للصحافيين الذين أجروا الحوار (ينتمون إلى وسيلة إعلام حكومية وموالية)، بطرح أي سؤال يخص الأزمة والعلاقة مع فرنسا، وهذا يعني بوضوح رغبة الجانب الجزائري في مزيد من التريث إلى حين، بحسب مراقبين.

وانعكست الأزمة في ما كشفته وسائل إعلام فرنسية عن تشدد جزائري إزاء التعاون في موضوع ترحيل المهاجرين الجزائريين غير النظاميين، حيث كشفت صحيفة لوفيغارو الفرنسية أن المصالح القنصلية الجزائرية علقت منذ شهر إصدار التراخيص القنصلية اللازمة لترحيل المعنيين، وربطت بين القرار والأزمة بشأن ما تعتبره الجزائر تورطاً فرنسياً في إجلاء بوراوي من تونس إلى ليون.

وبرأي عبد القادر جزايري، المحلل في مركز بحوث سياسية في فرنسا، فإن "هذه الأزمة الجديدة تختلف نسبياً عن أزمات سابقة، خاصة أن الجزائر صنفتها ضمن انتهاك مجال السيادة الوطنية وأن الأزمة تقترب من مستوى القطيعة، وهو تعبير يعني أن الجانب الجزائري يأخذ المسألة على نحو جدي وبحدية سياسية، ولذلك لن يكون ممكناً للسلطات الجزائرية تجاوز هذا الموقف دون أن تتوفر من الجانب الفرنسي خطوة أو خطوات تعطي مبرراً لإعادة السفير إلى باريس أو استكمال العلاقات على أسس التفاهمات الحديدة".
 
ورأى أن "السلطة الجزائرية تأخذ بعين الاعتبار موقف الرأي العام الداخلي، خاصة عندما يتعلق الأمر بفرنسا بسبب حساسية ذات بعد تاريخي بالأساس".