استقال البارحة كريس بينشر، وهو نائب "رئيس سوط" في "حزب المحافظين" البريطاني من منصبه الحكومي، على خلفية إفراطه في شرب الكحول، واعتدائه الجنسي على شخصين.
وكان بينشر قد أمضى الليلة التي سبقت استقالته في نادي كارلتون الخاص بأعضاء الحزب، حيث أفرط في تناول الكحوليات "معرّضاً نفسه للإحراج" على حدّ قوله.
وخسر بينشر في وقت لاحق مقعده البرلماني أيضاً وسط ضغوط من أعضاء الحزب لنزع "السوط" منه، مع أن متحدثاً باسم رئيس الوزراء قال، قبل ذلك، إن جونسون يكتفي باستقالته من منصبه محتفظاً بـ"السوط"، أي أنه سيبقى نائباً عن الحزب.
و"أسواط" الحزب هم المسؤولون عن الانضباط الحزبي وعن سلوك باقي الأعضاء.
كتب بينشر في رسالة الاستقالة التي وجّهها لرئيس الحكومة: "أفرطت ليلة البارحة في الشرب مسبّباً الإحراج لنفسي وللآخرين. أعتقد أن من الصواب أن أستقيل من منصبي كنائب لرئيس السوط".
وطالب معارضو الحكومة من النوّاب "العمّاليين" بفتح تحقيق في الحادثة وبسحب "السوط" من بينشر في تلك الأثناء. يُذكر أن بينشر ليس أول نائب "محافظ" يستقيل من منصبه بسبب سلوكه "غير اللائق"، فقد شهد البرلمان العديد من الاستقالات في صفوف "المحافظين" خلال الأشهر الماضية على خلفية سلوكهم، وكان آخر من استقال قبل بينشر في إبريل/نيسان الماضي النائب المحافظ نيل باريش بعد اعترافه بمشاهدة أفلام إباحية في البرلمان. كما سبقه إلى ذلك النائب المحافظ السابق عمران أحمد خان بعد إدانته بالاعتداء الجنسي على صبي يبلغ من العمر 15 عاماً.
وهذه هي المرة الثانية التي يتنحى فيها بينشر من منصبه، إذ كان ثالث أكبر سوط في عهد رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، لكنه استقال في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بعد اتّهامه بالتحرّش الجنسي ضدّ أحد زملائه من المحافظين. لكن جونسون المََدين لبينشر بسبب دعمه بداية هذا العام في مواجهة مؤامرة من داخل الحزب لإقالته من منصبه، لم يكترث للأقاويل وعيّنه مسؤولاً عن الانضباط، ما سيجدّد علامات الاستفهام حول سياسة جونسون الداخلية، إذ أن بينشر ليس المسؤول الأول في حكومة جونسون وفي حزبه الذي يُكافأ ويترقّى في حياته المهنية بسبب علاقته الشخصية بزعيم الحزب وولائه المطلق.
الطبقة العاملة محرومة من "الأوبرا"
وشهدت جلسة مجلس العموم قبل يومين "مبارزة" كلامية بين نائب رئيس الوزراء دومينيك راب وبين نائب زعيم "حزب العمّال" أنجيلا راينر حول مسائل متعلّقة بالأزمات الداخلية التي تعيشها بريطانيا كأزمة المعيشة وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود والطاقة، إضافة إلى الضرائب.
وتبادل النائبان الاتّهامات بشأن من يتحمّل مسؤولية الإخفاقات المستمرة في إدارة الأزمات الداخلية. راينر لم توفّر لحظة واحدة للإضاءة على فشل الحكومة بزعامة جونسون في التخفيف عن كاهل البريطانيين المنهكين من الضائقة الاقتصادية، وراب يرد مدافعاً عن الحكومة ورئيسها، ومتّهماً "حزب العمّال" وزعيمه كير ستارمر بالافتقار لأي حلول بديلة أو سياسة إنقاذ.
وراحت تتصاعد حدّة المبارزة تلك متّخذة إيقاعاً لا يخلو من العدوانية المبطّنة بالغمز واللمز. نفى راب لاحقاً قيامه بغمز معارضته، مع أن تلك الغمزة وثّقتها عدسة الكاميرا وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية لمعظم الصحف البريطانية. وأعقب راب غمزته بسخرية من راينر لحضورها حفلاً للأوبرا في مهرجان غلينبورن الموسيقي واحتسائها الشامبانيا. وقال: "لقد عادت اشتراكية الشمبانيا إلى صفوف حزب العمّال".
ويشير مصطلح "اشتراكية الشمبانيا" باللهجة الإنكليزية إلى الأشخاص الذين يدّعون الاشتراكية ويدافعون عن المساواة والعدالة في الوقت الذي يبذخون فيه على حياتهم الشخصية بترف.
وجّهت العديد من الصحف انتقادات لاذعة لدومينيك راب؛ فمع أن دور الأوبرا عرفت تاريخياً بأنها المكان المفضّل للأغنياء وأصحاب النفوذ، إلا أن راب ألغى بانتقاده الجهود الحثيثة التي بذلتها حكومات ديمقراطية لجعل الأوبرا للجميع كما الثقافة والأدب والفكر وباقي الفنون. كما أن تعليقه لا يخلو من الفوقية التي تجيز للمحافظين وحدهم حق شراء بطاقة لحفل موسيقي، وليس للعمّال وللطبقة العاملة.
جونسون "إلى الأبد"
وفي هذه الأثناء، أعلن رئيس الوزراء بوريس جونسون أنه باقٍ لولاية ثالثة وليس ثانية فقط وأنه سيكون في منصبه بحلول العام 2030، متجاهلاً هزيمته المدوّية في الانتخابات الفرعية قبل أسبوع وأزمة المعيشة المرهقة وتبعات خرقه للقانون.
وصرّح جونسون بنيّته تلك من كيغالي أثناء حضوره قمة الكومنولث، ردّاً على المزيد من المتمرّدين في حزبه ممن يطالبونه علناً بالتنحّي مهدّدين بتصويت ثانٍ على الثقة قبل مرور عام على التصويت الأول.
وكما كان متوقّعاً، أثارت تصريحاته هذه ردود فعل غاضبة وأجّجت الانقسامات الداخلية التي يعيشها "حزب المحافظين" بين جناح مؤيد لجونسون ومتشدّد في سياساته وبين جناح آخر معارض له وبات يدرك أن التشدّد في ملفّات أساسية يحمل لهم الخسائر أكثر بكثير مما يحصد لهم الأصوات. ويبدو أن جونسون ما يزال مقتنعاً بأن نجاته من حجب الثقة في التصويت الأخير، ستكون وحدها كفيلة بنجاته حتى العام 2030.
إلا أن المؤشرات لا تبشّر ببقائه حتى لولاية ثانية، فما البال بثالثة وسط أزمات داخلية متفاقمة وخرق للقانون والعديد من التحقيقات الجارية والسمعة السيئة والإخفاق الأخير المتعلق بتمرير مشروع قانون يجيز للحكومة تعديل أجزاء مهمّة من بروتوكول أيرلندا الشمالية من طرف واحد.
وفي الوقت الذي ينتظر فيه جونسون قدوم العام 2030، لم يتحمّل العديد من المتمرّدين في الحزب التريّث حتى العام المقبل لإجراء تصويت ثان على الثقة، فبدأوا بحشد الأصوات ضدّ زعيمهم فيما أعلن العديد منهم نيّته الترشّح لمنصب عضو تنفيذي في لجنة 1922 الخاصة بالحزب لتغيير القواعد والتصويت على الثقة في أقرب وقت ممكن.
"اخلعوا ستراتكم"
قبل أيام، كان رئيس الحكومة البريطاني في "استراحة" من الأزمات الداخلية، مجتمعاً بقادة دول السبع في ألمانيا عندما جرى الحديث عن الصور الاستعراضية التي نشرت للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2009 وهو عاري الصدر، ممتطياً حصانه. فما كان من جونسون إلا أن تساءل مازحاً وموجّهاً حديثه لنظيره الكندي جوستن ترودو: "أليس علينا خلع ستراتنا لنظهر لبوتين أننا أقوى منه وأكثر صرامة؟"، مضيفاً: "لنظهر له عضلات بطوننا المشدودة".
وتركّز النقاش بين قادة الدول السبع على الغزو الروسي على أوكرانيا وعلى كيفية بذل جهود إضافية لعزل روسيا أكثر فأكثر إضافة إلى البحث في حلول لمواجهة التبعات الاقتصادية الهائلة التي خلّفها الغزو الروسي.
وخلال كلمته أمام قمة بحر قزوين في تركمانستان ردّ بوتين على سخرية جونسون بالقول: "سيكون مشهداً مقزّزاً رؤيته عاري الصدر". كما استدعت روسيا السفيرة البريطانية في موسكو ديبورا برونرت احتجاجاً على تصريحات رئيس الوزراء البريطاني التي قال فيها: "لو كان بوتين امرأة، لما شنّ هذه الحرب".