تعيش مدينة درنة المنكوبة منذ الأسبوع الماضي بسيول وفيضانات عاصفة "دانيال"، على وقع قيود وإجراءات أمنية تفرضها غرفة الطوارئ بالمدينة، المشكلة من قيادة قوات شرق ليبيا بزعامة خليفة حفتر، في وقت تضاربت فيه تصريحات مسؤولين في سلطات شرق ليبيا بشأن هدف وطبيعة هذه القيود.
ومنذ الاثنين ليلاً، طلبت غرفة الطوارئ من الصحافيين والإعلاميين مغادرة المدينة وتسلم تصاريح التغطية التي تسلموها من الغرفة، فيما انقطعت الاتصالات عن مدينة درنة ومحيطها بشكل فجائي منذ فجر أمس الثلاثاء.
وتأتي هذه القيود من جانب سلطات شرق البلاد لاحتواء حالة الغضب الكبيرة التي أظهرتها مظاهرة حاشدة قام بها الآلاف من أهالي مدينة درنة، مساء الاثنين، في ساحة مسجد الصحابة، وسط المدينة المنكوبة.
وطالب المحتجون في التظاهرة بمحاسبة المسؤولين عن التقصير في توفير البنى التحتية بالمدينة، ولا سيما صيانة سد وادي درنة، الذي تسبب انهياره في الكارثة التي حلت بالمدينة وأودت بحياة الآلاف من سكانها، كما طالبوا بإسقاط مجلس النواب ورحيل رئيسه عقيلة صالح، قبل أن يتوجه عدد منهم إلى منزل عميد البلدية عبد المنعم الغيثي، المكلف من صالح، وأضرموا فيه النيران.
وأعلنت حكومة مجلس النواب عن ارتفاع أعداد ضحايا الكارثة بمدينة درنة إلى 3351 حتى مساء أمس الثلاثاء، في تضارب كبير مع الأرقام التي أعلنتها الأمم المتحدة والتي بلغت 11300 ضحية، وأزيد من ثلاثين ألف مشرد، فيما أعلنت حكومة الوحدة الوطنية من جانبها عن تضرر 1500 مبنى جراء السيول والفيضانات، منها 891 مبنى تضررت بالكامل.
زيادة حجم التأمينات لفرق الإنقاذ الدولية
وأبدت بعض فرق الإنقاذ الدولية في المدينة رغبتها في مغادرتها بسبب القلق من الوضع الأمني بالمدينة الذي تلا المظاهرة، إلا أنه تم إقناعهم في ما بعد من جانب غرفة الطوارئ بزيادة حجم التأمينات المرافقة لهم، بحسب ما أفادت به مصادر ليبية متطابقة لـ"العربي الجديد"، وهو ما ترجمته تصريحات المتحدث الرسمي باسم غرفة الطوارئ محمد الجارح، في مؤتمر صحافي ليل أمس، الذي أكد استمرار أعمال 10 فرق إنقاذ دولية داخل المدينة في أعمال الانتشال والإنقاذ.
ولم يعلق الجارح على إعلان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أمس الثلاثاء، بشأن منع فريق أممي من دخول مدينة درنة، حيث أكد المكتب أن فريقا تابعا للأمم المتحدة كان من المقرر أن يسافر إلى درنة في ليبيا، الثلاثاء، تم منعه من الوصول إلى المدينة.
اعتراف ضمني بالقيود الصحافية
وفي اعتراف ضمني بوجود قيود على حركة الصحافيين والإعلاميين داخل المدينة، أشار الجارح، خلال مؤتمره الصحافي، إلى تأكيد غرفة الطوارئ على "أهمية وجود بروتوكول للصحافيين"، وقال "سيتم الإعلان عن المناطق التي لا يسمح للصحافة بدخولها".
وفي وقت سابق من نهار أمس، أفادت المصادر ذاتها بإصدار غرفة الطوارئ قرارا بإنشاء مركز إعلامي يتولى بشكل حصري إذاعة ونشر الأخبار المتعلقة بالإغاثات والأعمال داخل المدينة، وتسيير شعبة الإعلام الحربي التابعة لقيادة حفتر هذا المركز الإعلامي.
وبشأن انقطاع الاتصال، أفاد الجارح بأنه تم إصلاح 70% من كابل الألياف البصرية، وقرب عودة الاتصالات.
وكان فرع المنطقة الشرقية للشركة العامة للاتصالات رجح وقوع أعمال تخريبية وراء انقطاع الاتصالات أدت إلى "قطع في كوابل الألياف البصرية، ما أثر على شبكة الاتصالات في مدينة درنة".
وعلى الرغم من نشر وسائل إعلام مقربة من حفتر تسجيلات مرئية لبعض منسقي فرق التطوع القادمة من غرب البلاد، تفيد باستمرار ممارسة أنشطتهم الإغاثية داخل درنة، إلا أن إجراءات أخرى أعلنها المتحدث الرسمي باسم قيادة حفتر أحمد المسماري، يبدو أنها تتجه في اتجاه الحد من استمرار تدفق المتطوعين وسيارات الإغاثة باتجاه الشرق الليبي، بهدف تفريغ المدينة من أعداد المتطوعين الذين يعدون بالآلاف.
وطالب المسماري خلال مؤتمر صحافي، ليل أمس، المواطنين المتطوعين "بتخفيف الزيارات إلى المناطق المتضررة"، مرجعا طلبه إلى إفساح المجال للشركات العاملة في إعادة تأهيل هذه المناطق المتضررة، وقال متوجها للمتطوعين القادمين من مناطق شرق ليبيا وجنوبها: "صوتكم وصل، وقد زلزل قلوب الخونة وقلوب العملاء الذين باعوا ليبيا وما زالوا يبيعون، وسيكون لدى القيادة العامة للجيش (قيادة حفتر) قرارات هامة في الأيام القادمة".
وتابع "لقد قررت القيادة العامة أن تكون مهمة استقبال الإغاثات والمساعدات من مهام الهلال الأحمر، وعليه قام الهلال بإنشاء مكان في مدينة سرت لاستقبال المساعدات لنقلها إلى المحتاجين، ونحن نقوم بحماية مقراته ومستودعاته".
وعقب تصريحات المسماري، أعلن فرع جهاز الهلال الأحمر بالمنطقة الشرقية أنه سيتولى "تسلم مواد الإغاثة والمساعدات الإنسانية القادمة من المنطقة الغربية في مدينة سرت"، الواقعة في منتصف شمال البلاد، مضيفا في بيان على صفحته على فيسبوك، أنه "سيقوم بتوزيع المساعدات بعد تسلمها وفق خطط العمل الخاصة به بالتنسيق بين مكاتبه في المناطق المنكوبة وما حولها".
كما أعلنت هيئة السلامة الوطنية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية عن "انتهاء أعمال" كافة فرقها التي أرسلتها إلى مدينة درنة، وأن هذه الفرق ستبدأ العودة إلى مناطقها منذ اليوم الأربعاء.
وفيما كانت وسائل الإعلام المقربة من حفتر تنقل تصريحات لمسؤولين موالين لحكومة مجلس النواب تصف المظاهرات التي شهدتها درنة بـ"الفتنة"، وصف عبد الكريم المريمي، المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح، المتظاهرين بـ"الإرهابيين" وبأنهم ينتمون إلى "جماعات متشددة".
وقال المريمي، في تصريح لأحد التلفزيونات ليل أمس، إن "من شاركوا في المظاهرة لا يمثلون أكثر من 10% من سكان درنة، أما البقية فقد جاؤوا من خارج درنة ومن مسافات بعيدة"، على الرغم من أن المظاهرة لم يشارك فيها إلا المئات من المتطوعين القادمين من مناطق الجنوب والغرب الليبي.
واعتبر المريمي أن من شاركوا في المظاهرة "من التيارات المتطرفة القادمة من الداخل ومن الخارج، لأن الهتافات ونوعها يدل دلالة واضحة على أن هناك مجموعات إرهابية اخترقت هذه المظاهرة"، في إشارة للهتافات التي نادى فيها المتظاهرون بإسقاط مجلس النواب ورحيل عقيلة صالح.
وفي إشارة للقيود والإجراءات الأمنية المفروضة على درنة، قال المريمي "من الآن الجهات الأمنية ستكون منتبهة لهذه الأمور".