مدينة الصدر تدفع أثمان مناهضة السلطة في العراق

09 يونيو 2024
داخل أحد أسواق مدينة الصدر، مايو/أيار 2024 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مدينة الصدر في بغداد تتميز بكثافة سكانية عالية ومساحات منازل صغيرة، معظم سكانها من العرب الشيعة الموالين لمقتدى الصدر، مما يجعلها مركزًا للثقل الشعبي والسياسي للتيار الصدري.
- تغيرت أسماء المدينة عبر التاريخ تبعًا للتحولات السياسية، من "مدينة الثورة" إلى "مدينة الصدر" بعد 2003، مما يعكس التاريخ السياسي والاجتماعي المعقد للمدينة.
- تواجه مدينة الصدر تحديات كبيرة تشمل نقص الخدمات الأساسية ومشاكل الأمن، على الرغم من كونها المورد الأساسي للأيدي العاملة في بغداد، ما يعكس التحديات الواسعة في العراق.

مدينة الصدر أكثر مناطق العاصمة العراقية اكتظاظاً بالسكان، وصاحبة الأسماء المتغيرة مع تغيّر الأنظمة السياسية في العراق، تُمثل الضاحية الشرقية للعاصمة بغداد وتضم 79 تجمعاً سكنياً يسمى كل واحد منها محلياً بـ"القطّاع". وهذه القطاعات ذات الكثافة السكانية الكبيرة، تجعل كل منزلٍ فيها أقل من 100 متر، بل قد يصل في بعض الأحيان إلى أقل من 40 متراً، يسكنه نحو خمسة أفراد على أقل تقدير، لكن معظمهم يشتركون في أمرين، الأول أنهم من اللون المذهبي نفسه، وهو العرب الشيعة، والثاني أن ولاءهم المُطلق أو شبه المطلق لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر. سكان مدينة الصدر هم الثقل الشعبي والسياسي للصدر، ويشكلون العمود الفقري للقوائم الانتخابية من مرشحين وناخبين في بغداد خلال العقدين الماضيين، بالإضافة إلى جمهور المحتجين حين يطلبهم زعيمهم والجاهزين دوماً للاشتباك مع خصومهم. وتوجد شرائح قليلة تمثل أفكاراً سياسية أخرى داخل المدينة، مثل الشيوعيين.

مدينة الصدر ومسمياتها

للمدينة التي يسكنها حالياً أكثر من ثلاثة ملايين نسمة أكثر من اسم، بداية باسم "الثورة" إبان تأسيسها على يد الضابط عبد الكريم قاسم، حاكم العراق بعد قتل الأسرة الهاشمية في واقعة "مجزرة قصر الرحاب" في 14 يوليو/ تموز عام 1958. ثم يأتي اسم "الرافدين"، في عهد الرئيس عبد السلام عارف (1963-1966)، ليعود اسمها إلى "مدينة الثورة" في عهد الرئيس أحمد حسن البكر (1968-1979)، حتى وصول الرئيس الراحل صدام حسين إلى الحكم عام 1979، إذ تغيّر اسمها إلى "مدينة صدام"، مع بقاء انتماء أهلها إلى الاسم الأول. ثم تبدل اسم المدينة رسمياً إلى مدينة الصدر بعد الاحتلال الأميركي (2003)، مع بقاء اسمها الأول محافظاً على رمزيته، كونه يرتبط بمؤسسها عبد الكريم قاسم صاحب حملة نقل عشرات الآلاف من العراقيين الذين يعيشون أوضاعاً سيئة في مدن جنوب البلاد حينها إلى منطقة الرصافة في بغداد، وإن كان نقلهم من جنوب البلاد إلى العاصمة ولم يغير أوضاعهم، بل نقلهم من فقر مدقع إلى فقر أقل.

بداية كان اسمها "مدينة الثورة" إبان تأسيسها على يد عبد الكريم قاسم

وتمثل مدينة الصدر حالياً حالة اجتماعية لا تشبه بقية مناطق العاصمة بغداد، فهي ذات نسيج اجتماعي متقارب، يوالي الصدر أو يقترب منه، مع وجود مقرات لفصائل مسلحة داخل المدينة على خلاف مع الصدر. أيضاً هناك أحزاب أخرى في المدينة، مثل الدعوة والفضيلة وتيار الحكمة، لكنها لا تمارس أي نشاطات سياسية كبيرة وعلنية، تخوفاً من مضايقة الصدريين أو إحداث أي مشاكل مع أنصار الصدر، الذين عادة ما يكونون الوقود الدائم للاحتجاجات التي تندلع في بغداد، حتى تلك التي تتخطى مواقف الصدر، فهم ينطلقون لمناصرة المدنيين والشيوعيين، لا سيما في المطالبة بالخدمات والإصلاحات.

وبالرغم من أن مدينة الصدر تُخرّج نواباً ووزراء ومسؤولين كباراً في حكومات ما بعد الاحتلال الأميركي، إلا أنها تبقى بلا خدمات وتعاني من قلة في المستشفيات والمدارس والطرق، ومن تزايد العشوائيات وتراجع البنى التحتية فيها، ناهيك عن اضطراب الأمن وانفلات السلاح وبيعه في بعض الأسواق بصيغة علنية. كما تُعد مدينة الصدر المورد الأساسي للأيدي العاملة في العاصمة العراقية، بنسبة شباب هي الأعلى في عموم مناطق بغداد، في حين تغيب عنها الفعاليات النسوية أو الاجتماعية الترفيهية المدنية بصورها الحديثة، من جرّاء العادات والتقاليد العشائرية والدينية التي تتمسك بها مدينة الصدر.

مدينة معارضة للأنظمة

يرى الناشط في التيار الصدري علي الفتلاوي، الذي يسكن في مدينة الصدر، أن "الثورة أو مدينة صدام أو مدينة الصدر هي مدينة معارضة على طول الزمن الماضي للأنظمة، وسط دفعها ثمن مناهضتها المستمرة للسلطة في كل الأزمان". ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المدينة "حالياً تدفع ثمن موالاة مقتدى الصدر الذي يعد الزعيم الروحي لأغلب ساكني المدينة الأكثر اكتظاظاً في العاصمة"، موضحاً أن "المساحات السياسية لغير التيار الصدري موجودة، وهناك مقرات للحشد الشعبي وحزب الدعوة وتيار الحكيم والفضيلة، والساحة السياسية مفتوحة للجميع، لكن أغلب أهالي المدينة يتبعون الصدر".

علي الفتلاوي: القرار السياسي في مدينة الصدر هو قرار التيار الصدري

ويلفت الفتلاوي إلى أن "مدينة الصدر يمكن اعتبارها أكبر خزّان للصدريين في العراق، ويمكن التأكيد على أن أكثر من نصف سكانها هم من أنصار الصدر، أي أن مليوني صدري موجودون داخل المدينة، بالتالي فإن القرار السياسي هنا هو القرار الصدري". ويستدرك بأن "هذا لا يعني أن الآخرين ليس لديهم الحق في المشاركة، لكن الغلبة دائماً للصدريين"، موضحاً أن "الوجود السياسي للأحزاب الأخرى ضعيف، وهي تتخوّف حتى من إقامة نشاطات علنية، وتشعر بأنها مستهدفة من قبلنا، رغم أننا لا نتدخل بنشاطاتها".

ويشدّد عضو آخر في التيار الصدري على أن "مدينة الصدر كأنها رقعة من جنوب العراق، فهي داخل العاصمة، لكن كل ما فيها لا يدل على أنها في بغداد، إذ لا تزال متمسكة بالعادات العشائرية والعودة لشيوخ القبائل عند الخلافات والاشتباكات". ويقول في حديث لـ"العربي الجديد"، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، إن "وجود التيار الصدري يمثل حالة روحية وإيمانية واجتماعية تزيد تماسك المجتمع"، موضحاً أن "المدينة توالي وتتبع سابقاً نهج محمد صادق الصدر (والد مقتدى الصدر)، وكانت تشكّل مصدر قلق لنظام صدام حسين، وهي تقدم على المواجهة دائماً. ونحن ننكر تسميتها بمدينة صدام، يمكننا القول إنها مدينة الثورة أو الصدر".

من جانبه، يبيَّن الصحافي من مدينة الصدر باقر الخشيمي أن "المدينة صدرية بنسبة معينة، وأن أغلب الفصائل من سكان المدينة أو يتحدرون منها، بالتالي فالمدينة تمثل أكبر تجمع لأتباع الصدر"، لافتاً إلى مرور اسمها بـ"أربع تسميات وليس ثلاث، وهي الثورة والرافدين وصدام والصدر". ويوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "بعد استشهاد المرجع محمد الصدر (1999)، شهدت المدينة ثورة ضد النظام السابق لتُقمع بوحشية، وبعد عام 2003 عايشت معارك ضارية مع القوات الأميركية، وبعد عام 2014 التحق شبابها بالقوات المسلحة للقتال ضد تنظيم داعش، لتكون لاحقاً مصدر زخم بشري لانتفاضة تشرين (أكتوبر/ تشرين الأول 2019)، ويمكن اعتبارها واحدة من أكثر مدن العراق تضحية".

بدوره يشير الناشط السياسي المقرب من التيار الصدري، عصام حسين، إلى أن "مدينة الصدر أو الثورة، تعتبر واحدة من أكثر مدن العراق عطاءً، وهي ترفد العراق بالمبدعين والمثقفين والفنانين، مع العلم أنه جرت محاولات كثيرة للاستهزاء بدورها الكبير، وسط فشل جميع الحكومات في توفير البنى التحتية والخدمات لها". ويشدّد في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن "المدينة تحتاج حالياً إلى أسواق وبنايات، بالإضافة إلى الاهتمام الحكومي من بنى تحتية واستثمارات". ويلفت إلى أن "المدينة تعتبر حاضنة للصدريين، مع وجود تيارات أخرى موالية لـ(زعيم ائتلاف دولة القانون نوري) المالكي وغيره، بالإضافة إلى الفصائل المسلحة".